أشهرٌ قليلة، أيامٌ معدودة، أسماءٌ متنوعة، جوٌ تعلو فيه الميّزات، وكلُّ هذا من أجل الإجابة على السؤال المطروح: من هو رئيس الجمهوريّة المُقبل الذي سيعتلِ السُدَّة الرئاسيّة؟ هناك من لا ينام الليل سعياً وراء هذا المنصب، هناك من يحلم به، وهناك من يعمل ليستحقه.

لقد شُكِّلت حكومةٌ وطنيّةٌ لبنانيَّةٌ بامتياز بعد اتفاق جميع الأطراف وبعد تنازلات طالت كلَّ المعنيين. هذه هي الشراكة الوطنيّة، هذا هو التعايش الذي نعِمنا به منذ عقود وهذا ما نتمناه للبنان الغد. إنَّها مرحلةٌ تحضيريّة للإنتخابات الرئاسيّة حيث يلتئم البرلمان، باسم الشعب الذي يمثله، ويكون عهدٌ رئاسيٌ جديدٌ تاريخيٌ يَحفرُ في قلب لبنان اسم الرئيس العتيد.

سُدَّة الرئاسةِ الأولى هي في عهدة الموارنة، حسب الأعراف اللبنانيّة. لذا يحق ومن حقِّ كلِّ مارونيٍّ أن يترشح، إذا توفرت فيه شروط الترشيح. إنَّه النظام السياسيّ اللبنانيّ المرتكز على الطائفيّة وعلى الدين بدل أن يكون مرتكزاً على الكفاءة والمَدَنيّة. سياسةٌ يعلو عليها فقط الدين والإنتماء الطائفي، وهذا ما يُصعب على لبنان التقدم في الحياة السياسيّة.

وإذا بي بين مجموعةٍ من الشبان لا أعرفهم ولا أعرف انتمائهم الطائفي أوالسياسيّ، وسألتهم عما يعتقدون بمَن سيتربَّع على كرسيّ الرئاسة الأولى؟ فانهمرت عليَّ الأجوبة التالية:

إنَّه الجنرال ميشال عون لأنّه صاحب أكبر تكتلٍ مسيحيّ في البرلمان وإنَّه صوت مسيحيّ لبنان والشرق الذي يدافع عنهم وعن حقوقهم. نعم إنه عونٌ للبنان ويعرف كيف يتحاور مع الجميع ويكون للجميع.

وفجاةً ردَّ أحد الشباب، وهو شيعي، قائلاً: نعم إنَّه الجنرال الرئيس المقبل لأنه بادر قبل أي طرفٍ أخر للحوار معنا كمسلمين شيعة، كجزءٍ في هذا البلد، واعتبرنا شركاءه في الحقوق والواجبات. ومِن هنا نحن نقدِّره ونقدِّر وثيقة التفاهم التي وقَّعها مع حزب الله ومع وقوفه معهم، لاسيما في حرب تموز.

أمّا الشاب المارونيّ الآخر الذي ما زال في أوائل العشرينات من عمره، فأجابني بكلّ جرأة: إنَّه الحكيم، صاحب الحكمة والمواقف الجريئة والذي ضحّى في السجن من أجل لبنان، وهو قائد بكلّ معنى الكلمة . لكن صوتاً شمالياً قاطعه معارضاً: لا لن نقبل به رئيساً لأنَّه محكومُ عليه وخرج من السجن بعفوٍ عام وليس ببراءة. إننا أهل الشمال نطالب بالشيخ بطرس حرب كرئيس للجمهوريّة.

بينما ابن الشمال الآخر: نحن مع سليمان بيك، إنَّه من عائلة سياسيّة عريقة معروفة في لبنان وطبعاً إنَّنا نفضله على غيره ونتمنى أن يصبح هو فخامة الرئيس. أمَّا الشاب الذي خدم عسكريته والذي تطوَّع في خدمة الوطن من خلال مؤسسة الجيش، فيحبذُ أن يكون الرئيس المقبل قائد الجيش قائلاً: هكذا درجت العادة مع انتخاب آخر رئيسَين.

أسماءٌ كثيرةٌ تحلِّق فوق سماء بعبدا، منهم من عبَّر عنهم هؤلاء الشباب ومنهم لم يأتي على ذكرهم، لكي ترى من هو المختار من قبل النواب وباتفاقٍ كامل ليكون رئيس الجمهوريّة المقبل، رئيساً لكلّ لبنان ولكلّ اللبنانيين. كثيرة هي الطيور التي تمرّ فوق سماء لبنان، منهم مَن يُطربنا بصوته الرنَّان حيث يجعل من لبنان مآواه، منهم مَن يمرّ مرور الكِرام لأنَّه يشعر بالوحدة ومنهم مَن يغيِّر طريقه.

شبابنا منقسمون فيما بينهم على رئاسة لبنان، شبابنا يحلمون بلبنان الستّينات، شبابنا أملهم قليل اليوم ولكنهم ينظرون إلى غدٍ أفضل، شبابنا هم المستقبل ولهم المستقبل بعون الله.

لبنان اليوم، بحاجة إلى رئيسٍ قوي شعبياً وسياسياً، له علاقاته مع جميع الأفرقاء في الداخل وفي الخارج لأنَّه الرجل الأول في الدولة اللبنانيّة. لبنان اليوم، بحاجة إلى رئيسٍ جبّارٍ في قراراته وصاحب قرارات وقادر على صون الأرض والشعب والقانون. لبنان اليوم بحاجة إلى رئيسٍ مسيحيّ معترف به من قبل غالبية أبناء الشعب، لاسيما المسيحيين، لانَّه للشعب ومن الشعب.