انتظر حزب الله نحو 48 ساعة لإصدار بيان حول الغارة الإسرائيلية على أحد مواقعه ربما «الافتراضية» في شرق لبنان على الحدود مع سورية. ذلك أن الحزب الذي دأب على كشف ماجريات صراعه مع العدو الصهيوني بتأنٍ وإتقان، قرأ في الغارة رسائل سياسية في هذه اللحظة الحرجة التي يجري الحديث فيها عن هجوم من الأردن باتجاه جنوب سورية بحوالى 1000 مقاتل يدعي من نظمه أنهم ينتمون إلى «الجيش السوري الحر» ويكون باكورة عمل القيادة السعودية الأميركية الجديدة عبر وزير الداخلية محمد بن نايف وما أنتجته المخابرات الأميركية من جهود دأبت عليها منذ حوالى السنتين.

إن الرد الذي التزمه حزب الله على أي عدوان «إسرائيلي» «في الزمان والمكان المناسبين» ربما طال انتظاره، لا سيما وأن المخابرات «الإسرائيلية» لم توفر أحداً حتى من القياديين الكبار في المقاومة، فإنه قد يأتي بطريقة غير متوقعة وفي السياق نفسه الذي تم توجيه الرسائل الإسرائيلية فيه، أي بغض النظر عن الرد المباشر الذي يبقى احتماله قائماً، فإن إفشال المخطط الإسرائيلي بالتدخل أو الدخول على خط الحرب في سورية، سيكون رداً بالغاً ليس فقط على تل أبيب، بل على كل المحور الذي تمثله، خصوصاً وأن المخابرات الأميركية تحاول أن تعوض حلفاءها عن إخفاقات عديدة ساهمت هي نفسها في الوقوع فيها، كان آخرها تراجعها عن شن عدوان على سورية في تشرين الثاني الماضي شكّل محطّ آمال التحالف الغربي العربي وفي مقدّمه السعودية.

توقيت الغارة الإسرائيلية على «لا هدف» بحجم تحريك طائرات حربية وتنفيذ مناورات سابقة لها أو لاحقة عليها، هو ما عبر عنه حزب الله في بيانه الذي أكد فيه على عدم استشهاد أو إصابة أي من عناصره فضلاً عن أي مدني، مع إشارته إلى إلحاق أضرار مادية غير جسيمة في الموقع المستهدف يعني أن ما قصدته إسرائيل التي لا تشن أية غارة إلا بالاستناد إلى معلومات دقيقة، هو توجيه رسالة في الملف السوري ناهيك عن التدليل على علمها بخطوط الإمداد والتنقل التي يسلكها الحزب إن لجهة مشاركته في القتال في سورية أو بالنسبة لعمليات التزود بالأسلحة التي لم تتوقف طيلة فترة الحرب في سورية كما ارتفعت نوعية السلاح إلى مستوى بحجم الدور الذي اضطلعت به المقاومة في صراع المنطقة بعد عام 2006.

تقول الغارة الإسرائيلية بوضوح إن الدولة العبرية ستشكل جزءاً من العمليات العسكرية المرتقب حدوثها في جنوب سورية، في حين أن ذلك تزامن مع تغييرات جرت على «قيادة الجيش السوري الحر» وما تم تسريبه عن قائده عبد الإله البشير وعلاجه في إسرائيل إثر إصابته في المعارك، كما أوضحت التسريبات أن الأخير تلقى «إعداداً وتدريباً» حول دوره الجديد وما يمكن أن يعتمده من خطط قتالية لتغيير موازين القوى في المرحلة المقبلة. ولا بد في هذا السياق من ملاحظة أن ذلك جرى بالتزامن مع انتقال الملف السوري من رئيس الإستخبارات السعودية بندر بن سلطان إلى وزير داخلية المملكة محمد بن نايف الذي سيتولى إدارة الحرب في سورية بعناصر سورية تنتمي إلى الجيش الحر وتشكيلات أكثر تنظيماً من الجماعات المسلحة متعددة الجنسيات، لا سيما التكفيرية والمتشددة التي ألقت الإدارة الأميركية عليها مسؤولية الفشل ميدانياً كما على المستوى السياسي بخاصة لدى الرأي العام الدولي الذي سرعان ما انعطف في مواقفه نتيجة تصرفاتها على الأرض.

البيان الذي أصدره حزب الله حول الغارة الإسرائيلية الأخيرة أراده رسالة جوابية عليها للمسؤولين الصهاينة، كما أراده رسالة إلى الداخل اللبناني الذي يناقش موضوع المقاومة وما إذا كان يريدها أو يلغيها من بيانه الوزاري المرتقب وسط تباين شديد وواضح بين الأطراف الممثلة في لجنة صياغة البيان. ما تضمّنته تلك الرسالة في هذا السياق هو حول دور الدولة اللبنانية أو الحكومة العتيدة في كيفية الرد على الاعتداءات في ظل ما صار معلناً عن مكرمة ملكية لتسليح الجيش ودوره في مثل هذه المواقف، وفي وقت لم يعد فيه وارداً العودة إلى الوراء باعتماد صيغ النأي بالنفس أو قوة لبنان في ضعفه بعد الدماء التي بذلت على مدى أكثر من عشرين عاماً وحروب تكللت بانتصار ساحق على العدو الصهيوني في عام 2006 جعل من لبنان الدولة الأقوى في المنطقة على هذا الصعيد.