لم يعد النازح السوري وعائلته مرحّبًا بهم في طرابلس، بخلاف ما كان عليه الوضع يوم زحف السوريون بالآلاف ليقيموا في المدينة باعتبارها حسب رأيهم حاضنة اهل السنة. اليوم، اختلفت كل المعادلات، فمن فتح منزله للنازح السوري اليوم يطالبه بالخروج، لكن هيهات، فالنازح الذي دخل منذ ثلاث سنوات ضيفا على طرابلس بات هو صاحب البيت، أما الفئات الشعبية الطرابلسية فباتوا في أسوأ حال نتيجة فقدانهم أبسط حقوقهم المدنية، بينما النازح المدعوم من القوى الاسلامية الطرابلسية ومن المؤسسة الدينية الرسمية له الاولويّة في الهبات والمساعدات على حساب الشرائح الفقيرة من ابناء طرابلس.

تعيش أكبر نسبة من فقراء طرابلس في مثلث الفقر (التبانة، القبّة، الاسواق الداخلية)، وهذه المناطق تعادل نصف سكان المدينة تقريبا، تواجه هذه الشريحة اقسى انواع عوامل الفقر، حيث لا استشفاء طبي ولا تعليم، وبطالة مستشرية خصوصا بين الشباب الذين وجدوا ملاذا لهم في الانضواء بين صفوف المجموعات المسلحة لتوفير الحد الادنى من معيشتهم.

وفي حين تشهد معظم المؤسسات والمحلات التجارية في طرابلس انهيارا كبيرا، أقفل قسم منها والباقي بانتظار تسوية ما أمنية وسياسية تعيد الى المدينة حيويتها الاقتصادية، في الوقت الذي نجح فيه عددٌ من التجّار السوريين في استثمار المحلات التي اقفلت سابقا باعادة افتتاحها بعد تغيير الديكور واسم المحل، اضافة الى استثمار محلات في الشوارع الراقية، وان كانت حركة البيع فيها ضعيفة لن يشعر النازح السوري بها طالما ان مفوضية الامم المتحدة توفر له ولعائلته شهريا الغذاء والكساء والدواء والمال.

واللافت ارتفاع منسوب النقمة في الاوساط الطرابلسية نتيجة الفلتان الامني المستمر منذ ثلاث سنوات مع ارتفاع نسبة السرقات وعمليات النصب والاحتيال، ويتبين من خلال التحقيقات ان نسبة السوريين النازحين الذين يشاركون في هذه الاعمال المخلّة بالأمن مرتفعة جدا، كما ظهر عامل تأليف العصابات، وهذه الظاهرة غير مألوفة في تاريخ طرابلس خصوصا أنّ هذه العصابات تضم العنصر النسائي حيث يستغل بعضهن طيبة ربات البيوت ويعملن على سرقتهن خلال تقديم وجبات غذاء لاولادهن.

وبالإضافة إلى كلّ ما سبق، هناك الحرب النفسية التي يعيشها الشاب الطرابلسي الذي يشعر ان مواطنيته اغتصبها النازح السوري منه حيث يسكن وعائلته في منزل تتولى الامم المتحدة تسديد بدلات الايجار له، وتوفر كل حاجات منزله من مواد غذائية وغيرها، بينما الطرابلسي عاجز حتى عن ايجاد فرصة عمل واحدة حيث باتت الافضلية للنازح السوري الذي يتقبل الراتب مهما كان متدنيا، كل هذا ويشعر الطرابلسي ان وضعه المعيشي الى مزيد من التدهور وانه هو الذي يحتاج الى الاغاثة بينما النازح السوري يبقى محط اهتمام المنظمات العالمية وتؤمن كل اشكال الحماية له والغطاء السياسي ومنع القوى الامنية من اعتراضه او توقيفه.

واللافت أنّ النازحين السوريين الذين يتلقون كل انواع المساعدات والدعم يعمدون لتوفير ما يحصلون عليه من اموال، والاقتصاد في النفقات اليومية بحيث ان اعدادهم المتزايدة لم تؤد الى تنشيط الحركة التجارية بما يوازي عددهم.

الاوساط الطرابلسية لاحظت ان الساحة الطرابلسية تشهد منذ دخول النازحين السوريين اليها تشكيلات امنية سوريّة وعصابات تمتهن السرقات عناصرها من السوريين واللبنانيين وقد ارتفعت نسبة سلب ونهب المحلات التجارية والمنازل ومشاركة السوريين في جولات العنف التي دارت بين باب التبانة وجبل محسن.

ولا يخفي الطرابلسيون تخوفهم من تحويل طرابلس الى حمص اخرى بدءا من تغلغل السوريين في كل مجالات العمل وصولا الى انضوائهم ضمن المجموعات المسلحة في التبانة والقبة.

وتسود حالة القلق لدى شرائح واسعة من الطرابلسيين من أن يؤدي هذا الوضع المتفاقم الى حصول اشتباكات جانبية من اولى نتائجها تفريغ طرابلس من ابنائها وخاصة كبار التجار والانتقال الى خارج المدينة بحثا عن الامان.

وفي هذا الاطار رأى وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس في دردشة مع "النشرة" ان المطلوب من كل الدول العربية مد يد المساعدة للبنان لاعانته في ملف النازحين خصوصا، متحدّثاً عن خيط رفيع بين معالجة الامر والانزلاق الى العصي خصوصا وان الجميع يخشى من الوصول الى النفس العنصري. وأكد درباس رفضه للتعامل مع النازحين بعنصرية، وقال: "هؤلاء أهلنا وإخوتنا وهم في محنة كبيرة وواجبنا أن نستقبلهم لكن الله لا يكلف نفسا الا وسعها، خصوصا وانهم باتوا عبئًا على الجغرافيا والطاقة والاقتصاد والصحة"، وأعلن أنه سيكون جاهزا لمتابعة هذا الملف مع جميع المنظمات الدولية وسيرفع الصوت عاليا ليسمعه الجميع.

طرابلس اليوم باتت على ابواب انفجار اجتماعي جراء غياب تنظيم حركة النازحين السوريين، سيما وان من يتطاول على اي نازح يصنف فورا لدى القوى الاصولية والتيارات السياسية الحاضنة لهم في خانة العداء لما يسمى الثورة السورية وبالتالي يهدر دمه.