أخيراً أحسّت المملكة العربية السعودية بحرارة الموقف، أو التهديد المباشر. سلسلة من الإجراءات لا شك أنها مترابطة تهدف إلى أمر واحد: «الفرار من النار». آخر حلقة في هذه السلسلة كانت الأمر الملكي بتحظير المنظمات الإرهابية، «داعش»، و»جبهة النصرة» اللتين تقاتلان في سورية ما يعني أنّ السعودية أعلنت أنها خسرت الجولة الأولى من الحرب منذ اضطلاعها بالملف السوري بعد سقوط دولة قطر وإدراتها ومِن خلفها كلّ الداعمين المعلنين والمتسترين.

قبل الحظر الملكي للإرهاب «الداعشي» و»النصرتي» وما وصفه بـ»حزب الله» السعودي والحوثيين في اليمن، غير المبرّر ، كانت المملكة قرّرت تنحية رئيس مخابراتها بندر بن سلطان عن الملف السوري، والذي حُمّل مسؤولية الفشل في تحقيق أيّ تقدم ميداني يمكن البناء عليه سياسياً، لا سيما في مؤتمر «جنيف 2» حول الأزمة السورية، بجولتيه الأولى والثانية، ما شكل بداية لسلسلة الإجراءات السعودية بهدف إعادة التموضع الذي تمثل في الخطوة الثانية وهو نقل الملف نفسه إلى وزير الداخلية محمد بن نايف حيث بات يتوجب اعتماد خطة عملية وفورية وفعّالة لمواجهة تداعيات قرار حظر تلك التنظيمات الإرهابية على المملكة نفسها بعد توفر معطيات عن نشاطات ممكنة في الداخل السعودي، إضافة إلى أنها كانت قرّرت استكمال الحرب بتشكيلات مختلفة عن التنظيمات التي حظّرتها، والتي كان اعتمدها بندر لخوضها بها.

الأمر الملكي الأخير الذي يعبّر عن إعلان الخسارة، يأخذ بعين الاعتبار أنّ رفع الغطاء عن الجماعات الإرهابية المسلحة التي تقاتل في سورية، والتي تتموّل بشكل رئيسي من «متبرّعين» سعوديين، سيشتت التنظيميْن الأساسيّيْن اللذين يضمّانها، في حين أنّ الأخيريْن قد تمزّقا بفعل التقاتل الشرس بينهما ما يجعل من المستحيل إعادة لملمتهما بعد محاولات عدة جرت بهذا الصدد عبر جهاز الاستخبارات السعودي من جهة، أو من خلال بعض القياديين في المعارضة السورية بتكليف من الممكلة والمعنيّين الأميركيين بالملف السوري استخبارياً وسياسياً من جهة ثانية. غير أنّ تشرذم هذه الجماعات جعل الممكلة تتجه إلى إعادة تقييم الموقف ورسمه بما يتناسب مع المرحلة المقبلة التي سيتمّ فيها الاتكال على تشكيلات مسلحة منظمة لها طابع الجيش النظامي من خلال فصائل تمّ تدريبها وتجهيزها لتخوض الحرب على أسس مختلفة عن صورة المجازر التي قدمتها الجماعات الإرهابية التي باتت محظورة أخيراً والتي لا تستطيع أية جهة على مستوى العالم أن تتبنّى أفعالها.

هذه الإجراءات السعودية لم تخرج عن الحراك السياسي الذي فعّلته على مستوى دول الخليج على خلفية كلّ الأزمات التي عصفت بالمنطقة، ولعلّ خطوة ثلاث دول خليجية بسحب سفرائها من قطر تندرج في سياق «المحاسبة» على الأخطاء التي ارتكبتها «الدولة الصغرى» في المجموعة «الملكو ـ أميرية» على امتداد صحراء شبه الجزيرة العربية التي ما زالت متناحرة ولكن بوسائل وتقنيات حديثة تستند إلى جدلية الثروة والسلطة. إلا أنّ الانقسام الحاصل حول مصر وليبيا وتونس ودور جماعة الإخوان المسلمين التي تتبناها قطر، وترفضها السعودية انسحب على كافة الملفات التي تخضع لنفوذ الممكلة الخليجية الكبرى وفي مقدمتها الأزمة السورية التي تتخذ شكل الصراع لوجود أطراف خارج «سلطة الخليج» فيها وفي طليعتها إيران وحزب الله اللبناني، ناهيك عن موقف الدولة السورية وقيادتها حيال ما يجري على أرضها.

«الأمر الملكي» الذي حاول أن يساوي بين الإرهاب الذي صنعه، وبين حزب الله السعودي والحوثيين، ودعا إلى انسحاب كافة المقاتلين من سورية في إشارة إلى حزب الله اللبناني ومقاومته، استثنى هذا الأخير في وطنه في ما قد يعدّ إشارة إلى تمييز وضعه في هذا البلد بهدف تسيير شؤون الدولة وإنجاز البيان الوزاري وتضمينه كلمة مقاومة بصريح العبارة، ولكن في سياق ما رسمته الممكلة مع فريقها في لبنان وعلى رأسهم من وصفه حزب الله بـ»ساكن بعبدا» التي باتت تحتاج برأيه إلى عناية خاصة، كل هذا لن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء بالرغم مما أشيع عن تخفيف حدة التوتر في الخطاب التي سادت مؤخراً بين الجانبين لتبرز مرة جديدة سرعة التحركات العسكرية للجيش السوري وحلفائه على الأرض بهدف تحقيق الحسم بالحدّ الأقصى على أبواب استحقاقات دستورية داهمة في لبنان وسورية، في حين أنّ الطرف الآخر لا يزال في طور الاستعداد.