ثلاثة عناوين رئيسة تحكم الإستراتيجية التي يسعى حزب الله إلى تثبيتها في شتى الاتجاهات، خصوصاً عند الاستحقاقات المفصلية في ظلّ التحوّلات الكبرى التي تمرّ بها المنطقة برمّتها منذ استغلال «طفرة الربيع العربي» أميركياً و«إسرائيلياً»، وما نتج من ذلك من اهتزازات بنيوية في النظامين الاجتماعي والسياسي، وصولاً إلى الانقسامات التي تهدّد كل كيانات الشرق الأوسط، تحديداً قبل أن يأخذ العالم شكله الجديد.

اضطر حزب الله أخيراً إلى أن يعيد تذكير حلفائه قبل خصومه بأولوياته في المراحل كلّها، لا سيما أنّ تحقيق بعض الأهداف يستلزم ربما الكثير من المرونة، حتى لا نقول التنازلات، في وقت يركّز الخصوم على أمور ليست قابلة للمساومة في أيّ ظرف من الظروف، وقد خيضت في سبيل المحافظة عليها معارك عدة «مفعمة» بالتضحيات الجسام، كما إنها العمود الفقري لنظام سياسي يكون أساساً لقطبية عالمية جديدة يوافق عليها قسم من العالم، فيما يرفضها قسم آخر لم يدّخر جهداً لعرقلة قيامها سلماً وحرباً.

في طليعة تلك الأولويات التي صنّفها حزب الله بين «عالمية»، و«إقليمية»، و«محلية»، وأعاد التذكير بها في «اجتماع قمة» مع أبرز حلفائه، كانت فلسطين كقضية مركزية للعرب والمسلمين، معتبراً أنها معركته الدولية وأنها هدف أساس في مسيرته لا يمكن صرف النظر عنها قيد أنملة، وأنّ الطريق إليها باتت محصورة بـ«العمل الجهادي المسلح» بعدما سقطت كلّ أوراق التفاوض بيد «إسرائيل» ولمصلحتها وحلفائها على مدى أكثر من 60 عاماً، وهو ما لم يعد بالإمكان تجريبه مرة أخرى، لا سيما أنّ موازين القوى قد تغيّرت بشكل يصبح التغاضي عنها يصل إلى حدّ المؤامرة.

أما على المستوى الإقليمي فذكّر حزب الله بأنّ ما يخوضه من حرب ضروس في سورية ينطلق من كونها حرباً عالمية مباشرة عليه وعلى محوره، بدأت منذ ما يقارب الـ15 عاماً بعد دحر «إسرائيل» من جنوب لبنان عام 2000، وهذه الحرب التي فشلت بكلّ مراحلها وتعدّد أشكالها وصلت لتضرب عمقه في سورية، وهو ما يفرض دخوله جبهتها. ما لم يكن متوقعاً عندما اتُخِذ القرار بنقل الحرب إليها بصيغة فولكلورية ظنّ أصحابها أنه بجملة من الشعارات بإمكانهم تغيير كلّ الوقائع، ناهيك عن التاريخ والقضايا المصيرية.

ما ركز عليه الحزب في هذا السياق، اعتباره أنّ عنوان تحقق الانتصار على من يحاول ضربه و«إزالته من الوجود»، هو المحافظة على سورية ودورها وقيادتها المتمثلة بالرئيس بشار الأسد الذي يمثّل عنواناً رئيساً في الصراع الممتدّ من القضية المركزية الأولى إلى كلّ القضايا التي نشأت على ظهرها ومنها مقاومة الاحتلال في فلسطين وسورية ولبنان وكلّ مكان يمارس فيه العدو احتلاله العسكري والسياسي، وصولاً إلى دور الأسد في تغيير الواقع الدولي باتجاه التعدّدية القطبية بعدما فرض واقع «الأحادية» أو «الثنائية» نفسه لفترة طويلة من الزمن معتمداً على «أزلامه» في المنطقة.

لفت حزب الله في اجتماع القمة ذاك، إلى أنّ جبهة حربه مع العدو الصهيوني قد اتسعت كثيراً بعد عدوان عام 2006، وأنه طوّر نفسه عديداً وعتاداً بعدما استطاع أن ينتزع دوراً على مستوى المنطقة في الصراع الإقليمي الدولي، وهو ما لن يتمّ التفريط به بعد الإنجازات التي تحققت، ويُعتبر الأسد جزءاً لا يتجزأ منها، وعليه فإنّ كلّ طلقة تطلق الآن في سورية باتت توظف في معركة انتخابات الرئاسة السورية قبل اللبنانية على وجه التأكيد.

إذن هي حرب واحدة خاضها ويخوضها حزب الله منذ عام 1982 وحتى لحظة استمرار القتال في سورية، وهو ما يبني عليه مساره الحالي والمستقبلي، ولذلك فإنه يعي تماماً أهمية أن يحافظ على سلاحه ومقاومته محلياً، وأن يصونهما بكلّ ما أوتي من قوة أمنياً وعسكرياً واجتماعياً وسياسياً من خلال بيان وزاري هنا أو «تدخل» هناك، وأن ينبّه حلفاءه في كلّ مرة إلى ضرورة عدم نسيان الأولويات التي قامت عليها التحالفات قبل التفاصيل المتعلقة برئاسة أو وزارة أو إدارة، لأنه من الواجب توظيف كلّ هذه المراكز في سياق هذه الأهداف وخدمة لها.

ذكّر حزب الله أيضاً خلال المناقشات أو «المناقرات» حول صوغ البيان الوزاري، وما يقتضيه «خطاب» الدولة اللبنانية في المحافل الدولية أو المنظمات الإقليمية حيال المقاومة، بأن ما يُسمّى بـ«الثلاثية الذهبية»، الجيش والشعب والمقاومة ليست صيغة للتلطي وراءها وكسب «الشرعية»، وإنما هي إستراتيجية لبنان للمواجهة في ظلّ الحرب التي تُشنّ عليه من قبل «إسرائيل» وحلفائها في المنطقة والداخل، وهي ثلاثية مصغّرة لثلاثية «ماسية» قوامها لبنان وسورية وإيران وحلفائهم من الشعوب والأنظمة إقليمياً ودولياً.