بدا الوضع في لبنان بالغ الخطورة في اليومين الماضيين واثار قلقا وحال ترقب كبيرين. اذ اثارت التداعيات التي تسارعت في اتجاهه على مستويات عدة على اثر اعلان النظام السوري اعادة السيطرة على ​يبرود​ مخاوف كبيرة ترجمها ارباك المسؤولين والحكومة التي لم تعبر بعد امتحان نيلها الثقة في مجلس النواب من امكان ان ينفجر الوضع الامني في لبنان عطفا على ما يجري في طرابلس التي شهدت حتى الان ولا تزال ابرز التداعيات الميدانية للحرب في سوريا وتنقل فصول الحرب القائمة هناك الى الاراضي اللبنانية. ولم تجد التطورات التي وقعت في الجنوب مساء الجمعة في 14 اذار الجاري بانفجار عبوة ناسفة في مزارع شبعا لدى مرور دورية اسرائيلية وقيام اسرئيل بالاعتداء على لبنان عبر سقوط قذائف على مزارع حلتا وبسطرا اهتماما يذكر في ظل انشغال داخلي بازمة البيان الوزاري والصيغ التي يمكن ان تنقذ رئيس الحكومة من فخ الاستقالة قبل انتهاء مهلة اعداد البيان الوزاري . فالحادث على الحدود مع اسرائيل بدا بالنسبة الى مصادر سياسية مرتبطا على الاقل بعامل مباشر هو احراج الخصوم الداخليين لـ"حزب الله" في سعيهم الى وضع "مقاومة" الحزب ضد اسرائيل تحت سيطرة الدولة اللبنانية ومرجعيتها في الوقت الذي وجه الحزب رسالة مباشرة الى خصومه عن تحرره من هذه المرجعية وامتلاكه الحرية للقيام بما يريد على هذا الصعيد، من خلال الاستفادة من فرصة اتيحت له من اجل توجيه رسالة فورية او ساخنة في عز الكباش حول عبارات او كلمات في البيان. اذ ان اي اعتداء اسرائيلي من اي نوع والرد عليه كفيل باضعاف موقف الخصوم على الفور. ومع ان الحزب يمكن ان يوجه رسائل اخرى عبر الحادث نفسه ان في ظل السعي الى التأكيد لجمهوره كما لسواه ان انشغاله في الحرب السورية تأمينا لصمود النظام لن يلهيه عن هدف المقاومة ضد اسرائيل او ان الحادث هو رد ايضا على اعتداء قامت به اسرائيل قبل بعض الوقت على ما اعتبر قوافل سلاح الى الحزب من سوريا على الاراضي اللبنانية قرب الحدود اللبنانية السورية، فانه لم يثر اي رد فعل مقلق واقعي. وهذا الامر يعني الداخل والخارج على حد سواء على رغم بقاء الاخير حذرا ازاء اي احتمالات مفاجئة. لكن ثمة اقتناعا اكثر من اي وقت سابق وبناء على التواصل القائم من الغرب مع ايران حول ملفها النووي ان تصعيد الوضع على الحدود الجنوبية مع اسرائيل يبدو مستبعدا، جنبا الى جنب مع انخراط كبير للحزب في الحرب السورية في الوقت الذي لن يرغب الحزب بحرب مع اسرائيل راهنا ولا بالهاء الجيش اللبناني عن مهمة ملاحقة من يعتبرهم الحزب من المعارضة او الثوار السوريين "التكفيريين" الذين يلجأون الى لبنان، في حين ان اسرائيل لا تبدو على استعداد لاستقطاب الضوء والاهتمام بما يجري في المنطقة من خلال تحويل الانظار الى اي تصعيد كبير تقوم به في الوقت الراهن نظرا الى كون ما يجري مثاليا بالنسبة اليها ولا داعي لتدميره.

في المقابل بدت الحكومة غداة التوافق على صياغة البيان الوزاري امام اختبار خطير لم يعد يسمح بترف التوقف عند كلمات او حسابات ربح وخسارة وهميين. فمع التداعيات التي بدأت تتدفق من سوريا بعد معركة يبرود، بدت التحديات تكبر اكثر فاكثر في هذه المرحلة من جانب سوريا . فعلى رغم الدفع الديبلوماسي الخارجي من اجل حكومة فاعلة تضطلع بادارة مرحلة صعبة محورها لجم او تخفيف التداعيات السورية على لبنان، فان المخاوف الكبيرة تصاعدت جدا في اليومين الماضيين في وجه الحكومة مع تدفق آلاف اللاجئين الى لبنان من جهة ومع توتر الوضع على الارض بين القرى البقاعية على خلفية التطورات والتداعيات الميدانية السورية بحيث لم يخف مسؤولون احتمالات انتقال الحرب السورية الى لبنان عبر البقاع وعطفا على طرابلس التي تشهد جولة جديدة وخطيرة من المعارك على خلفية الحرب السورية. وقد بدا ارباك المسؤولين معبرا في صمت اعتصموا وراءه في ظل استهداف غارات سورية مناطق لبنانية في عرسال والجوار بذريعة ملاحقة معارضين ثوار من يبرود مما اوقع الدولة اللبنانية واركانها وحتى وزراءها وكل القوى السياسية في احراج نتيجة السكوت على استهداف الطيران السوري مناطق لبنانية من دون ابداء اي رد فعل على انتهاك مبدئي وفعلي للسيادة اللبنانية، ولو ان ثمة من يعتبر ان الاتفاقات الموقعة بين سوريا ولبنان تجيز ذلك، او في ظل العجز عن مواجهة موجة من الهاربين من المسلحين والمدنيين ولجوئهم الى الجرود من دون قدرة على حصرهم او منعهم على رغم الجهد المبذول لاقفال المعابر الى مناطق سيطرة " حزب الله" خصوصا او من الردود المحتملة على سيطرة النظام على يبرود وانتقامات يمكن ان تحصل في لبنان ضد مناطق الحزب كما جرى في النبي عثمان بعد ساعات على اعلان السيطرة على المدينة.

واذ بدا لبنان متماسكا بالحد الادنى حتى الآن ازاء هذه التحديات مدعوما من دول مهتمة بابقائه قدر المستطاع بعيدا من اتون الحرب السورية، فان ثمة خشية لا تخفيها مصادر سياسية عدة من ان يكون الوضع اكثر خطورة مما يتم التعبير عنه علنا.