قد يستمرّ المحللون في قراءة ​معركة يبرود​ ودراستها من الناحية العسكرية والتكتيكية بحثا عن الثغرات الامنية والميدانية التي أدّت إلى الانهيارات السريعة في صفوف المقاتلين، فضلا عن التركيز لمعرفة نقاط الضعف والقوة لدى ​الجيش السوري​ الخارج لتوه منتصرًا من معركة حرب شوارع غالبا ما تكون من اختصاصات الميليشيات والتنظيمات المسلحة، لكنّ قليلين هم من يعرفون الظروف السياسية والاتصالات الدبلوماسية التي سبقت سقوط المدينة في يد النظام مدعوما بشكل أساسي من "حزب الله"، وتلك التي أدّت إلى الانطلاق في الحسم بالرغم من أنّ المدينة كانت ساقطة عسكريا منذ ما قبل عملية الاقتحام النهائي بحوالي الاسبوع، أي بعد إسقاط التلال المجاورة المشرفة بشكل استراتيجي على المدينة.

وفي هذا السياق، كشف دبلوماسي شرقي لـ"النشرة" عن بعض الاتصالات السياسية والدبلوماسية التي جرت قبيل بدء معركة الحسم وخلالها، وذلك بين مسؤولين سوريين وآخرين روس وانتهت باتصال بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الاسد. وبحسب هذا الدبلوماسي، فإنّ الخبراء الروس رأوا أنّ التوقيت قد حان لتغيير المعادلة بسرعة غير محسوبة من قبل الأميركيين وحلفائهم العرب نظرًا إلى عدة عوامل أبرزها انشغال الاعلام العالمي والغربي والأوروبي تحديدًا بأحداث القرم وأوكرانيا على أن ينطلق الحسم في موازاة عملية الاستفتاء الشعبي في شبه الجزيرة التي تعتزم الانضمام إلى الاتحاد الروسي، بحيث أنّ الانشغالات ستكون منصبّة على إفشال الاستفتاء أو الحدّ من وقعه على السلطات الاوكرانية الموالية للاتحاد الأوروبي وواشنطن، إضافة إلى حاجة الرئيس بوتين إلى ورقة ضغط إضافية يضمّها إلى الأوراق المكتسبة، ناهيك عن نتائج الاجتماع الأخير الذي عقدته قيادات المسلحين في تركيا والتي أظهرت هشاشة الموقف والضياع في القيادة العسكرية في ظل الكثير من التناقضات التي كانت كل من ايران وموسكو قد عملت على تغذيتها من خلال خروقات على مستوى القيادات المعارضة اولا، وعبر سياسة الترهيب والترغيب التي عادة ما تنجح موسكو في ممارستها.

ويلفت الدبلوماسي نفسه إلى أنه ما إن انطلقت المعركة بزخمها حتى شعرت المملكة العربية السعودية بحراجة الموقف فنشطت على خط الاتصالات عبر الخط الساخن تداركا لما يمكن وصفه بالخسارة المدوية على غرار عملية القصير التي سرعت برحيل أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة لمصلحة نجله الأمير تميم أدّت بنهايتها إلى فتح خط اتصال سعودي مع شخصية أمنية لبنانية أدّى إلى إرسال وفد سعودي رفيع المستوى إلى بيروت سرعان ما باشر اتصالاته مع "حزب الله" للبحث في إمكانية تثبيت هدنة قصيرة تسمح بخروج المقاتلين من دون أسلحتهم الثقيلة في مقابل التأسيس لمباحثات وقف إطلاق نار وتسليم المدينة سلميا الى القوات المتقدمة. غير أنّ سرعة الهجوم والانهيارات السريعة في صفوف المقاتلين إضافة إلى معركة الوقت التي كسبها "حزب الله" من خلال تأخر القيادة السورية في الرد أجهضت، دائمًا وفق الدبلوماسي، كلّ هذه المساعي، وحصل ما كان متوقعا لا سيما أنّ النظام يحتاج إلى انتصار من هذا النوع لرفع عزيمة قواته المسلحة ومعنويات شارعه إضافة للضغط على مسار المصالحات في الغوطة الشرقية.

وبدا، بحسب الدبلوماسي، أنّ الاتصالات لم تنته عند هذا الحد خصوصًا أنّ الموفد السعودي لم يكن بعد قد غادر لبنان، بل شهد على سقوط يبرود وعلى ردود الفعل السياسية والعسكرية كما على فرار المسلحين باتجاه جرود عرسال اللبنانية، فحوّل مسار مفاوضاته باتجاه سيناريو لاخراج المسلحين من عرسال وإعادتهم إلى دولهم الأم أو على الأقل المقاتلين العرب والأجانب الراغبين بذلك، فكان الرد السوري عبر الحزب بان الانتصار هو سوري والمطلوب من المملكة العربية السعودية مراجعة الحكومة السورية بشكل مباشر وليس عبر وسطاء وبعدها ليتم البحث في الشروط التي لن تكون بمطلق الاحوال سهلة الوقع على الرياض وحكامها، والمعلومات دائما للدبلوماسي.