بالرغم من كل العناوين التي أعطيت لزيارة الوسيط الدولي لحل الأزمة السورية الأخضر الإبراهيمي إلى إيران في منتصف الشهر الجاري، إلا أنها لم تتعد نقل رسالة عربية – دولية إلى طهران تتضمن طلباً صريحاً بنصح الرئيس السوري بشار الأسد عدم الترشح لولاية رئاسية جديدة في بلاده بانتظار استئناف مفاوضات مؤتمر جنيف على أسس مختلفة عن تلك التي فشلت فيها جولتيه الأولى والثانية خلال الأشهر القليلة الماضية.

لكن ما فرض هذا الطلب العربي – الدولي من طهران هو أن جميع تقارير أجهزة الإستخبارات الدولية التي خرجت من سورية حول سير المعارك على الأرض في جميع أنحاء البلاد، أكدت على أن جبهات الجماعات المسلحة تنهار بشكل كامل الواحدة تلو الأخرى، وأن لا سبيل إلى وقف هذا الإنهيار الذي إذا ما استكمل فإنه من المؤكد سيتيح للرئيس الأسد الترشح لولاية رئاسية جديدة والدعوة إلى انتخابات ربما يتم العمل على أن تجري في موعدها في حزيران المقبل، حسبما تشير إليه سرعة العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش السوري في مختلف مناطق البلاد التي تشهد توتراً. في حين أن التقارير الإستخبارية تلك لحظت عدم إمكانية التدخل أكثر مما حصل على هذا الصعيد بهدف جعل الجماعات المسلحة تعيد ترتيب أوضاعها، لا سيما وأن خطط مدها بالأسلحة والذخائر النوعية التي تمت بعد فشل الجولة الثانية من جنيف والتي تكفلتها الممكلة السعودية لم تؤد دورها، كما لم يتم استغلالها بالشكل المطلوب نتيجة سرعة تحرك الجيش السوري وحلفاؤه في توجيه ضربات دقيقة وموجعة جعلت امكانيات التحرك ضعيفة جداً.

وتشير تلك التقارير أيضاً إلى أن التحرك الأمني على الساحة اللبنانية عبر الهجوم على حزب الله وجمهوره بواسطة التفجيرات والسيارات المفخخة والإنتحاريين لم تفلح في إشغال الحزب، بل كان لها نتائج عكسية دفعت بأجهزة أمنه إلى التحرك مع أجهزة الأمن اللبنانية، في حين دفع إلى اتخاذ قرار حاسم برد الهجمة عبر السيطرة المباشرة على بؤر تصدير "الإرهاب" في مناطق القلمون التي تم التعامل معها بداية ومنذ شباط الماضي بوتيرة أوحت بعدم القدرة على تنفيذها ما زاد جرأة الإرهابيين على زيادة حجم عملياتهم واستهداف المناطق اللبنانية في ظل غطاء سياسي سعودي – أميركي مستمر لم تغيّر فيه قرارات نقل سلطة إدارة العمليات العسكرية في سورية ولبنان من رئيس الإستخبارات بندر بن سلطان إلى وزير الداخلية محمد بن نايف شيئا، في ما بات ينظر إليه على أنه "ملف سعودي داخلي".

نتائج الميدان "المقلقة" سعودياً وأميركياً حسمت خيارات محور الممانعة بدء معركة الإنتخابات الرئاسية السورية، والتي وضع مطلب التخلي عنها مقابل أي شيئ تطلبه إيران في المنطقة وهو ما حمله الإبراهيمي معه، كما قُدّمت العروض لحزب الله بألا يدخل إلى يبرود مقابل تسليم آلاف المقاتلين وسلاحهم خارجها لا سيما إلى الجيش اللبناني في عرسال، إلا أن طهران كما حزب الله رفضا أي منطق لتسوية النزاع إلا ضمن معايير إكمال الإنجاز ميدانياً، وسياسياً من خلال مبادرة من 4 نقاط قدمتها إيران تحفظ بادئ ذي بدء ما تم تحقيقه في الميدان، والإعلان أن الحرب في سورية هدفها القضاء على الإرهاب فيها، وتالياً في المنطقة وعدم جعله أداة للحرب فيما بين مكوناتها، أو ممارسة الضغط من خلاله كما يحصل في لبنان لتحقيق غايات بعيدة عن الوقائع وتقتضي الرد عليها باستخدام القوة، ومن ثم الإقرار بحق الرئيس الأسد في الترشح وترك الكلمة لصناديق الإقتراع بشفافية.

ركزت مبادرة طهران على حل النزاع سلميا وفي إطار حوار سوري – سوري مع من وصفتهم بالمعارضة الشريفة، أي تلك التي لم تمارس أعمال القتل وسفك الدماء في سورية، لكنها تضمنت شرطاً أساسياً أيضاً يقوم على الطلب من تلك المعارضة تقديم ضمانات لـ"الحليف" حزب الله الذي يخشى من الجسور الممدودة بقوة مع العدو الإسرائيلي الذي حاول في الفترة الأخيرة التدخل لمصلحة حلفائه من الجماعات المسلحة والتكفيرية عبر اعتداءات نفذها في غير مكان على الأراضي السورية واللبنانية.

ما تضمنته مبادرة طهران لحل الأزمة السورية كان واضحاً لجهة دور حزب الله الرئيسي في صياغة شكل المنطقة في المرحلة المقبلة وهو عين الواقع الذي يحاول الغرب وبعض العرب لاسيما السعودية تجاوزه، وهذا ما دلت عليه مواقف حلفائها في لبنان وآدائهم منذ حرب العام 2006، إلا أنه بات على هؤلاء الإقرار بهذا الدور إن لم يكن سلماً فحرباً توزعها قوى الممانعة بميزان من ذهب على اساس من القوة في عالم لا يحترم فيه الضعيف.