من الكلمة، واللغة، والثقافة، إلى الأرض والمقاومة وتاريخ الأمة ومستقبلها، أعاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مرة جديدة، إعلاء الصوت حول ثوابت حزبه وفريقه السياسي مع إعطاء هذ الأخير مساحته الحرة. تلك الثوابت التي رسمت خريطة طريق على أبواب الاستحقاق الرئاسي في لبنان المتمثل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية بدل الحالي ميشال سليمان، الذي استطاعت الـ»أنا» لديه التغلب على اتزانه الذي وعد به اللبنانيين عند انتخابه على قاعدة توافقية ليعود ويعلن، وليس فقط بالممارسة الضمنية أنه فريق بين فريقين أو يؤيد فريقاً على آخر، لكن سليمان لم ينجح في اختيار توقيت ذلك لأنه لم يقرأ جيداً الوقائع السياسية من حوله، لا سيما لدى الجهات الإقليمية والدولية التي يتّكل عليها في خوض معركته السياسية وإن كانت أوحت له بما ليست هي عليه في الحقيقة.

سليمان أخذ بالإيحاء ولم ير الحقائق. ذلك ما أعلنه السيد نصر الله بالأمس في معادلتي «الذهب» و«الخشب»، في حين ذهب إلى ترتيب الأوليات من «الرئاسة المبكرة»، إلى «الحوار»، فـ«الإستراتيجية الدفاعية»، التي بات من حق السيد وحده ومن دون حوار هذه المرة أن يضعها انطلاقاً من التجربة التي خاضها ، إن في إتاحة نقاشها على طاولة الحوار، أو من خلال التطورات الأمنية والعسكرية التي استجدت منذ «بازار الإستراتيجيات» الذي فتح ليغنّي فيه كل على ليلاه، في حين أن أحداً من هؤلاء له باع في ما يجري من حوادث في أية بقعة، ليس فقط من لبنان بل على مستوى المنطقة وربما العالم.

اقتصر دور أصحاب «بازار الإستراتيجيات» على ما يناسب نظرية «النأي بالنفس»، أو معادلة «قوة لبنان في ضعفه»، أو وضع «قرار الحرب والسلم في يد الدولة» من دون تحديد هويتها، وهم أنفسهم يعلمون أن الدولة التي يتحدثون عنها لا تملك قرارها نتيجة ارتباطاتهم بأجندات خارجية استقطابية في نزاعات يعتبر لبنان أصغرها حجماً وفعلاً إذا ما تمت السيطرة على عناصر القوة فيه، والتي بلغت بإعلان السيد نصر الله أنها تجاوزت المراتب التي تم تداولها حولها، ولكن انطلاقاً مما خطته المقاومة للبنان منذ انتصار الـ 2006 الذي نال «تنويهاً» عربياً في قمة الكويت الأخيرة لعلّ الكثيرين من أصحاب الدكاكين في البازار المذكور لم ينتبهوا لها، كما أن سهامها طاولت الرئيس اللبناني الذي لو علم بما كان سيتضمنه البيان الختامي أو «إعلان الكويت»، لعمل على حذفه تماشياً مع «معادلاته» التي لا ترتكز إلى أية نظرية علمية أو سياسية أو اجتماعية أو حتى «فقهية» دستورية كانت أو غير ذلك.

ما يحكم تصرفات سليمان يقوم على مبدأ «يا أرض اشتدي وما حدا قدي» فهو طلب إلى أحد رؤساء بلديات منطقته أن يبادر لشراء قطعة أرض على مدخلها تم تجهيز ثمنها، داعياً إياه إلى اتخاذ قرار بوضع نصب تذكاري له فيها. هذا ما يستطيع الرئيس «الآفل» وضعه من استراتيجيات بعد سقوط إعلان بعبدا أمام انتصار الـ2006 في «إعلان الكويت»، في حين أن عمله الدؤوب على التجديد أو التمديد اللذين يعمل فريقه على تسويقهما في داخل وخارج لبنان لن يفضي إلى أية نتائج ولو كان البديل هو «الفراغ» لأنه في سياق ما يجري ربما يكون أفضل من وجوده الذي اختار له عنواناً انحيازياً في نهاية المطاف.

قذف السيد نصر الله الحوار إلى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، وربطه بما سيعلنه الأخير في «خطاب قسمه» الذي يعتبر برنامج عمله خلال فترة ولايته وما إذا كان سيأخذ في الاعتبار كل ما جرى ويجري في لبنان وحوله وبخاصة في سورية حيث يقاتل حزب الله داعياً الجميع إلى مشاركته في تلك الحرب الإقليمية والدولية الواسعة الأهداف على صغر مساحتها، لأنه من غير الوارد بعد الآن التغاضي عن أي تفصيل يتصل بتلك الحرب بوجوهها «التكفيرية» و«الإرهابية»، والقومية والتي خيضت وتخاض على أساس مشروع كبير لتغيير وجه المنطقة تمهيداً للسيطرة عليها وعلى مقدراتها الاقتصادية وسط سياسة «تسلطية» لفئة على أخرى ودائماً على حساب القضية الأم في فلسطين.

وانطلاقاً من ذلك فإن «الإستراتيجية الدفاعية» تتم ممارستها بشكل كامل على امتداد المنطقة قبل إقرارها في حوار لدولة لم تحسم شكل وجهها النهائي، وربما هي لن تستطيع فعل ذلك في وقت قريب.