صادف وصول المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية الى نهاية جديدة من الفشل المنتظر أصلاً، مع إحياء الشعب العربي الفلسطيني، في كل أماكن تواجده في فلسطين المحتلة والشتات، ذكرى يوم الأرض لتأكيد تمسكه بها واستمراره في مقاومة مخططات استيطانها وتهويدها من قبل المستوطنين الصهاينة.

فالمفاوضات، التي خاضت غمارها سراً قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مع مسؤولين إسرائيليين، منذ خروجها من بيروت عام 1982 وانتهت بتوقيع اتفاق أوسلو. كانت تجري تحت عنوان ان المقاومة غير مجدية وان الدبلوماسية هي السبيل لإنقاذ ما يمكن انقاذه من أرض فلسطينية من هجمة الاستيطان الصهيوني والتهويد.

لكن ماذا كانت الحصيلة بعد نحو 21 سنة من هذه المفاوضات؟

الحصيلة لم تأت فقط مخيبة للآمال، بل ومدمرة للقضية الفلسطينية على كل الصعد، فهي لم تفلح في حماية الأرض من التهويد، ولا في انقاذ ما تبقى منها سالماً من نهم الاحتلال، أما الشعب الفلسطيني الذي يقدم كل يوم الدماء ويتحمل قمع المحتل واضطهاده ليبقى ثابتاً في أرضه كان في الوقت نفسه يتلقى الطعنات من المفاوضات التي تحولت الى مجرد صورة تضفي الشرعية على استمرار العدو الصهيوني في سرقة أرضة وتجميل ارهابه العنصري وإظهاره بصورة المسالم والحمل الوديع ليكتمل بذلك مشهد القهر والقمع والاغتيال اليومي للأرض والمقاومين المستباحين في ظلال المفاوضات، بمشهد الخنوع والإذلال الوطني غير المسبوق.

وبدا واضحا ان المفاوض الصهيوني قد دخل الى المفاوضات بإستراتيجية واضحة تهدف الى الاستفادة منها لتكريس المزيد من الوقائع على الأرض بحيث يتمكن مع الوقت من ابتلاع معظم الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، التي يجري التفاوض بشأنها، وصولاً إلى فرض الحل النهائي القاضي بانتزاع اعتراف السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بهذا الواقع الجديد، بعد أن كانت «إسرائيل» قد ضمنت الاعتراف بوجودها من قبل منظمة التحرير على الارض التي احتلت عام 48، ما يعني أن «إسرائيل» خططت لأجل اطالة أمد المفاوضات وماطلت في تنفيذ اتفاق أوسلو حتى تنسى لها قضم أكبر مساحة من أراضي الضفة والقدس الشرقية وبناء المستوطنات عليها ما يجعل من المستحيل اقامة دولة فلسطينية، ليصبح المطلب الاسرائيلي الجديد مطالبة المفاوض الفلسطيني الاقرار بذلك والاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية والقبول رسميا بشطب حق العودة، وأن الدولة التي تحلم بها السلطة الفلسطينية لن تكون في حقيقتها سوى عبارة عن حكم ذاتي في المناطق التي لا يزال يقطنها الفلسطينيون في اطار السيادة الكاملة للدولة الصهيونية.

وقد استخدمت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة اتفاق أوسلو ووجود سلطة الحكم الذاتي المحدود المتولدة منه غطاء لتحقيق ذلك.

بالمقابل فان استراتيجية التفاوض التي اعتمدتها السلطة الفلسطينية ارتكزت في طموحاتها منذ البداية الى السقف الأدنى وهو الوصول الى اقامة دولة في الضفة وعاصمتها القدس الشرقية ولها ممر يتصل بغزة، والقبول بحل لقضية اللاجئين يرضي «إسرائيل»، وقد راهنت في بلوغ ذلك على الدعم الأميركي، بعد أن تخلت منظمة التحرير في أوسلو عن كل أوراق القوة التي كانت تملكها وهي: المقاومة والتمسك بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، ورفض الاعتراف بوجود «إسرائيل«.

وفي ظل مثل هذه المعادلة المختلة لمصلحة العدو الصهيوني كان من الطبيعي أن تزداد اختلالاً مع استمرار التراجع في الدعم العربي والدولي الذي أسهم فيه حال الانقسام السائد فلسطينيا حول خيار الاستمرار بالمفاوضات ومواصلة نهج أوسلو، في حين جاءت الفوضى التي اجتاحت الدول العربية، والمصحوبة بحروب داخلية مدبرة لتمزيق المجتمعات العربية واقامة كيانات طائفية ومذهبية تخدم المشروع الصهيوني في تبرير اعلان الدولة اليهودية العنصرية، لتزيد الوضع سوءاً بالنسبة للقضية الفلسطينية.

من هنا فان ذكرى يوم الأرض هذه السنة، والنتيجة التي وصلت اليها المفاوضات المذلة تطرحان ضرورة مواجهة هذه التحديات الخطيرة التي تفرض على الشعب الفلسطيني وقواه الحية المقاومة، التصدي لها لحماية الحقوق الفلسطينية الثابتة من خطر مواصلة هذه المفاوضات التي باتت تضيّع الأرض، وذلك بالعمل على وضع حد لها ولحالة الانقسام والتشرذم السائدة فلسطينياً، والعودة إلى استئناف المقاومة المسلحة عملياتها ضد الاحتلال، والتي يجب أن يشكل أولوية الأولويات لإستعادة الروح الكفاحية لدى المقاومين والمناضلين واستنهاض الشارع الفلسطيني من ناحية، وتوفير الشروط لإعادة تصويب البوصلة فلسطينياً باتجاه الرهان الأساس الذي يجب أن ينصب الجهد نحوه، وهو سلوك طريق المقاومة المسلحة باعتبارها السبيل لتحرير الأرض وحماية عروبة فلسطين وإحباط مخططات التهويد والاستيطان والتوطين من ناحية ثانية. وتالياً وضع حد لمسرحية المفاوضات ومسار أوسلو الكارثي الذي لم يؤدّ سوى إلى خدمة العدو الصهيوني ومشروعه، وإلحاق الأضرار الفادحة بحقوق الشعب الفلسطيني.

ولا شك في أن العودة الى نهج المقاومة والانتفاضة يسهمان في اعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وإحياء الدعم والتضامن العربي والإسلامي والعالمي مع نضال الشعب الفلسطيني، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع الفلسطيني، فعندما يكون هناك تراجع وشبه غياب في المقاومة، واستشراء حالة الانقسام والتشرذم، فإن الدعم والتضامن يتراجعان ويخبوان، وعندما يكون هناك نهوض في المقاومة وتراجع في حالة الانقسام، لصالح التوحد ضد الاحتلال ومخططاته، فإن هذا الدعم والتضامن يحضر وبقوة.

وبالعودة إلى المراحل التي كانت فيها المقاومة المسلحة والانتفاضة في أوجهما، وتلك التي كانت خلالها في حالة تراجع كما هو الواقع السائد حالياً، يتبين بوضوح كيف أن المشروع الصهيوني الاستيطاني التهويدي كان يتقدم ويزدهر في ظل تراجع المقاومة المسلحة وسيادة الانقسام والإحباط، وبالمقابل كان هذا المشروع توجه له الضربات ويشهد مأزقا وجوديا وتتراجع معه الهجرة الصهيونية الى فلسطين وتزداد الهجرة المعاكسة، عندما كانت المقاومة المسلحة والانتفاضة تستنزفان المحتل وتجعلان وجوده في حالة عدم استقرار وقلق دائمين.