طبقت القوانين المرعية. عقدت جلسة انتخابات رئيس الجمهورية اللبنانية وجرت العملية بسلاسة. ظهر الجميع بمظهر ديمقراطي راعى فيه كل أصول النظام البرلماني، وكل مارس حقه في الترشح والإنتخاب منهم من استغل الثغرات الموجودة في القانون ليترشح، والبعض الآخر استغلها للطعن وتحقيق سياسته متجنبا دورة ثانية مباشرة تمهيدا لجلسة حددها رئيس البرلمان الأسبوع المقبل.

لن يتغير شيئ حتى تاريخه من حيث الشكل، لكن المتوقع تطيير النصاب ما لم يكن اسم الرئيس قد تم التوافق عليه مع الإستعانة بـ"صديق" من الخارج بعدما فشلت الدعوة للبننة الإستحقاق. وما حصل بالأمس يشهد على ذلك. لكن ترشح سمير جعجع وسقوطه المسرحي جاء متحدياً كل الظروف ربما لخدمة وضعه النفسي بعد سلسلة الأزمات التي عاشها الرجل ويعيشها على هذا الصعيد نتيجة ثبوت حالة "الجزارة" عليه والتي لحقته إلى داخل البرلمان الذي أسمعه أسماء بعض ممن قتلهم. هذه الحالة المرضية حاول "القواتيون" أن يعالجوها من خلال ابتلاء الشعب اللبناني برئيس طالما شكل عنواناً للإحتراب والدم والطائفية والإنقسام والتقسيم والمناطق المعزولة وغيرها من مفردات الحرب البشعة التي ضربت اللبنانيين في جذورهم.

ما يمكن أن يُضم إلى علامات "العلاج النفسي" الذي يتلقاه جعجع، هو ما أنشأه في منزله في معراب من مجسم يحاكي زنزانته التي شغلها في وزارة الدفاع مع كامل المؤثرات الصوتية، وحتى ترداد الأغاني التي كان ينشدها خلال فترة سجنه، وهو ما ظهر به على شاشات التلفزيون، كأسلوب علاج معروف يقوم على مواجهة المشكلة بحسب الإختصاصيين في هذا المجال وذلك في محاولة لتخطي الآثار النفسية. وبهذه الحالة يكون لبنان باسره قد ساهم بشكل كاف في العلاج إذا سلمنا جدلاً أن عليه أن يتحمل مسؤولية ما تجاه ما حصل لجعجع على مدى أكثر من عشر سنوات.

على "المرشح" جعجع الذي وعد أنه سيكمل المشوار بشكل أو بآخر أن يكتفي بهذا القدر، ويقتنع بأن وصوله إلى الرئاسة اللبنانية دونه عقبات كبيرة تصل إلى حد الإحتراب، وهو الأمر الذي يتذاكره المجتمع السياسي في البلد من دون التصريح به علناً كما جرى التعبير عنه قبل جلسة الإنتخاب في الشارع الممتد من أقصى شمال لبنان إلى أقصى جنوبه في حالة أنست الناس خلافاتهم ووحدتهم ضد مشروع "رئيس" حاول اقتحام عقدهم الإجتماعي متجاوزاً بصلافة من سامحه ومن لم يسامحه على أفعاله.

إلا أن النتيجة التي حققها جعجع من حيث عدد الأصوات فإنها يجب أن تبقى موضع حذر وتساؤل لا سيما من قبل من منحهم حق الإختيار عنه وحتى لا تقع أية مفاجآت إذا بقيت المواقف الإقليمية المتشنجة على حالها بحيث يندفع داعمو هذا الخيار إلى ما لا تحمد عقباه في لحظة سياسية حرجة على خلفية النزاع حول سوريا.

ما أسفرت عنه جلسة الإنتخاب أمس هو أن لا اتفاق بين التيار الوطني الحر بمرشحه العماد ميشال عون، وحزب "المستقبل" بممثله سعد الحريري، ما يعني أن الجنرال لم يحظ حتى الآن بالرضا "الملكية". ومن جهة ثانية، فإن ما أعلنه رئيس "جبهة النضال" وليد جنبلاط، بعد ترميمها، خلال إطلاقه مرشحه إلى الرئاسة هنري حلو، حول تمسكه بـ"إعلان بعبدا"، كاستراتيجية للمرحلة المقبلة، يعني ايضاً أن لا اتفاق بينه وبين حزب الله، ناهيك عما أكد عليه من مواقف حيال مشاركة الحزب في القتال في سوريا، ليجري الإستنتاج بأن ما يحصل في هذا البلد ستشكل نتائجه الناخب الأول لرئيس الجمهورية اللبنانية.

وفي هذه الحالة فإن التوافق الإقليمي الدولي حول الرئاسة اللبنانية يكون قد عاد إلى "مربعه الأول" بحيث تتشارك سوريا ومحورها من جهة والمملكة العربية السعودية من جهة اخرى في صياغة رئيس تباركه الولايات المتحدة الأميركية في مقدمة موضوعية لتسوية قد تكون ممكنة بعدها.