كما تدخلت ​المحكمة الدولية​ الخاصة بلبنان في جميع خصوصيات المواطن اللبناني عبر بياناته الشخصية والهاتفية وحتى الطبية، تتدخل اليوم في حرية إعلامه تحت حجة "المحاسبة على تحقير المحكمة" بسبب تسريبات نشرتها جهات إعلامية لبنانية، الأمر الذي يدفع للاعتقاد بأن حرباً تًشن على إعلام لبنان، خصوصًا عندما نجد أنّ الملاحقة لم تطل سوى لبنانيين رغم أنّ التسريب من داخل المحكمة بدأ من إعلامٍ ألماني ثم كندي وغيرهم.

أعلنت المحكمة الخاصة بلبنان أنها استدعت للمثول أمامها شركة تلفزيون "الجديد" والمسؤولة فيه الاعلامية كرمى خياط، و"شركة اخبار بيروت" (كشخص معنوي) والمسؤول فيها ابرهيم الامين إلى جلسة حددتها في 13 أيار المقبل لاستجوابهم بتهمة تحقير المحكمة عن طريق تسريب أسماء شهود مزعومين في ملف اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ورفاقه.

أثار هذا الخبر حفيظة اللبنانيين واستدعى طرح تساؤلات عديدة حول المغزى من هذه الدعوى المستندة الى المادة 60 مكرر من نظام المحكمة الداخلي او قواعد الاثبات والاجراءات والتي قد تصل العقوبات فيها الى السجن سبع سنوات مع دفع 100 الف يورو. فما هي خلفيات هذه الدعوى؟

يشير المتحدث باسم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ​مارتن يوسف​ إلى أنّ القاضي الناظر في قضايا التحقير دايفيد باراغوانث وجد بعد تلقيه نتائج التحقيق الذي أجراه صديق للمحكمة يدعى ستيفان بورغون، أنّ أدلة "تحقير المحكمة" متوافرة في قضيتين من أصل ثلاث قضايا تم التحقيق بها. ويضيف يوسف في حديث لـ"النشرة": "في آب من العام 2013 نشرت قناة "الجديد" وصحيفة "الاخبار" معلومات تتعلق بأسماء "الشهود" في المحكمة الدولية وهذا يعتبر "تحقيرا" للمحكمة حسب المادة 60 مكرر".

أما بالنسبة للمحامي ​رشاد سلامة​، فإنّ خلفية ما يجري هي أنّ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قررت ولأول مرة تطبيق قواعدها الخاصة لترهيب إعلاميين لبنانيين. ويوضح سلامة في حديث لـ"النشرة" أنّ "المادة 60 مكرر تطال اي انسان يرشق المحكمة ولو بوردة، وهي لترهيب الناس وتهديدهم". أما في ما يخصّ الحالة الموجودة أمامنا، فيشدد سلامة على أنّ المبدأ هو أنّ قاعدة السرية تنتهي عند بداية المحاكمات، كما أنّ التسريبات التي تحصل من داخل المحكمة مسؤول عنها المدعي العام شخصياً وذلك حسب قواعد الاثبات والاجراءات الخاصة بهذه المحكمة، وبالتالي فإن المحكمة تدعي هنا على اعلاميين بتهمة تتحمل هي مسؤوليتها.

ويلفت سلامة إلى أنّ المحكمة لا تراعي على الاطلاق معايير الحريات والحقوق، مذكرا كيف تم تعديل قانونها الداخلي 9 مرات ليتلاءم مع المحكمة واهدافها. ويقول: "نذكر تمامًا كيف تمّ تعديل النظام الداخلي بعد خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله والذي اعلن فيه انه لن يتم تسليم المتهمين ولو بعد 300 عام، فعندها أتاح التعديل للمحكمة إجراء محاكمات غيابية وهو الامر الذي لم يحصل سابقا في أي محكمة دولية".

من منا لا يذكر ما بثته قناة "cbc" الكندية في تشرين الثاني من عام 2010، والذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" وتضمن ما وصفته القناة بأنه مبني على "معلومات ووثائق حصلت عليها القناة من مصادر في الأمم المتحدة على علاقة بالتحقيقات الخاصة بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري"؟ ومن منّا لا يذكر أيضًا تسريبات الصحيفة الالمانية "دير شبيغل" عام 2009 عندما نشرت كامل البيان الاتهامي وذلك بعد شهر واحد على إقرار النظام الداخلي للمحكمة؟ وهنا لا بد من الاشارة الى ان اياً من هاتين الوسيلتين الاعلاميتين المذكورتين لم يطلها التحقيق ولم تسائلها المحكمة.

وعلى هذا الامر يجيب مارتن يوسف بأن القضيتين مختلفتان تماماً بحيث ان ما نُشر عبر "cbc" او "ديرشبيغل" هو اسماء المتهمين في قضية اغتيال الحريري، بينما ما نُشر عبر "الجديد" و"الاخبار" هو أسماء الشهود، مشدّدًا على أنّ التحقيق أكد أنّ اسماء الشهود المنشورة لم تُسرّب من داخل المحكمة. وفي نفس الاطار يرى سلامة ان التسريبات التي نُشرت في "ديرشبيغل" هي اخطر بكثير من اي تسريبات اخرى وان عدم ملاحقة الصحيفة من قبل المحكمة يؤكد ان القضية استنسابية وهي استهداف للحرية الاعلامية اللبنانية التي يجب ان "ندافع عنها جميعا سواء في لبنان او في اي دولة تنادي بالحرية الاعلامية".

اذا هي بداية معركة جديدة يخوضها الاعلام اللبناني في سبيل الحفاظ على حريته ومبادئه، معركة يشارك فيها كل مؤمن بالحرية الاعلامية بغض النظر من موقفه السياسي تجاه المحكمة الدولية، فاليوم قد يكون المستهدف جهة معينة، لكن الحقيقة هي ان الإعلام اللبناني بأكمله، هو المستهدف.