حلّت أمس الذكرى الـ 16 لبدء العمل بتفاهم نيسان واللجنة الدولية لمراقبة تنفيذه. وقبل 3 أشهر، مرت سبع سنوات على أول اجتماع ثلاثي لمراقبة تنفيذ القرار 1701. اللجنة كانت تجتمع عند الحاجة، أما الاجتماع فقد غدا موعداً شهرياً مع العدو من دون تغيير في برنامج اعتداءاته اليومية

لو كانت اللجنة الدولية التي تشكلت قبل 16 عاماً تماماً، لمراقبة تنفيذ تفاهم نيسان الذي أنهى عدوان عناقيد الغضب، لا تزال ذات صلاحية، لكانت اجتمعت بشكل طارئ في مقر قيادة قوات الطوارئ في الناقورة، لبحث الاعتداء الذي قام به جنود إسرائيليون قبل يومين بخرقهم السياج التقني قبالة متنزهات نهر الوزاني. ولكان ممثلو الأعضاء الخمسة في اللجنة، لبنان والعدو الإسرائيلي وفرنسا والولايات المتحدة وسوريا، قد اجتمعوا بالسرعة ذاتها قبل أيام لبحث إطلاق النار على مزارعين في أرضهم في كفركلا وقبل ذلك بسبب محاولة تغيير معالم الحدود في العديسة وعيترون إلخ...

تحرير الجنوب عام 2000، أحال اللجنة على التقاعد. إلا أن قوات اليونيفيل المعززة أحيت فكرة اللجنة بنية التنسيق بين لبنان والعدو وضبط الهدوء ومراقبة تنفيذ القرار 1701. في شباط من عام 2007، دعا قائد اليونيفيل آنذاك كلاوديو غرازيانو، بشكل طارئ، ممثلين عن الجيش اللبناني وجيش العدو إلى اجتماع في مقر الأمم المتحدة في رأس الناقورة لبحث تداعيات اختراق جرافة معادية حدود بلدة مارون الرأس في حادث هو الأول من نوعه منذ عدوان تموز. ما استدعى رداً من الجيش وحصول اشتباك مع جيش العدو. على نحو تدريجي، تحوّل الاجتماع الثلاثي إلى موعد شهري بموافقة حكومة فؤاد السنيورة، والجيش بقيادة ميشال سليمان حينها. عقده لم يعد مرتبطاً بوقوع أحداث طارئة، برغم أنه لم يتمكن من منع أو تقليص حجم الاعتداءات اليومية.

فما جدوى الاجتماع الثلاثي وما الذي يربحه لبنان من السماح لضباط العدو ومرافقيهم المسلحين، بدوس أراضيه المحررة كل شهر ليصلوا إلى موقع الأمم المتحدة في رأس الناقورة حيث يعقد؟ سؤال يتكرر مع كل اعتداء، وخصوصاً أن القرار 1701 الذي يلتزم لبنان بتنفيذه لا ينص على عقد اجتماع ثلاثي، بخلاف عدوان عناقيد الغضب والاحتلال الذي استدعى التزاماً رسمياً بلجنة مراقبة تفاهم نيسان.

«الانسحاب من الشطر الشمالي لبلدة الغجر» لازمة كل بيان يصدر عن الاجتماعات الثلاثية التي تعقد بشكل شهري بين ضباط من الجيش اللبناني وجيش العدو، برعاية قائد اليونيفيل، علماً بأنه في عام 2008، قالت الناطقة الإعلامية السابقة باسم اليونيفيل ياسمينا بوزريان إن «إسرائيل مجبرة على الانسحاب من المنطقة وفقاً للقرار 1701، وتولي الأمم المتحدة أولوية بحيث يسهل تنفيذ القرار 1701 ويسهم كثيراً في بناء الثقة في المنطقة»، في حين أن الانسحاب من الشطر اللبناني المحتل عام 1967، مشمول بالقرار 425. وفي نهاية عام 2010، أقرت حكومة العدو الانسحاب، لكنها لم تنفذه حتى الآن. ضمن ولاية قائد اليونيفيل السابق الجنرال الإسباني ألبرتو أسارتا، تم تأهيل طريق (اس دي 1) الحدودية التي تربط بين الغجر والعباسية وتوفر على المواطنين قطع مسافة طويلة. في أحد الاجتماعات الثلاثية، تعهد العدو بالسماح بفتح الطريق أمام الناس، لكنه لم يحدد الموعد بعد. اليونيفيل ولبنان ينتظران منذ أربع سنوات موافقة العدو على استخدام طريق واقعة ضمن الأراضي المحررة!

الاجتماعات التي تعقد في قاعة هادئة في ظل وضع متوتر محلياً وإقليمياً أحياناً، يعتبرها كثيرون تطبيعاً و«بروفة» لمفاوضات سلام بين لبنان والعدو التي تروج لها الأمم المتحدة واستحضار لطيف اتفاق 17 أيار. لكن قادة اليونيفيل المتعاقبين يشيدون دوماً بنجاحهم في «جمع طرفي النزاع حول طاولة واحدة والتزامهما بإبقاء الوضع الميداني هادئاً». في أحد خطاباته، قال سيرا إن هدفه «الانتقال من حالة وقف الأعمال العدائية إلى وقف دائم لإطلاق نار حتى التوصل إلى سلام على جانبي الحدود». فهل المنتدى الثلاثي أحد العوامل التمهيدية؟

بدبلوماسية عالية، أجاب مصدر مسؤول في الجيش عن جزء من أسئلة «الأخبار» في هذا الشأن. باختصار، قال إن الاجتماعات الثلاثية «اجتماعات عسكرية غير مباشرة تعالج مواضيع تكتيكية تتعلق بتطبيق القرار 1701، وتعقد بشكل دوري بمعدل مرة كل شهر تقريباً، وأحياناً تعقد في حالات استثنائية عند حصول حوادث طارئة تستدعي ذلك». وأوضح أنها بدأت إثر عدوان تموز بطلب من الأمم المتحدة لتسهيل تطبيق القرار 1701، لافتاً إلى عقد أكثر من 80 اجتماعاً منذ ذلك الحين.

مصير الاجتماع كاد يعلق بعد تهديد الوفد اللبناني بمقاطعته بأمر من قائد الجيش جان قهوجي احتجاجاً على الاعتداءات الإسرائيلية. مع ذلك، تمسك المصدر بجدوى التجربة المستنسخة من تجارب أممية في البلقان على سبيل المثال. ولفت إلى أنها «أدت إلى حل مسائل عدة؛ منها تأمين انتشار الجيش اللبناني بالتزامن مع انسحاب جيش العدو عقب عدوان تموز من دون حصول حوادث ووضع ترتيبات تؤمن استثمار بساتين الزيتون العابرة للخط الأزرق في بلدة بليدا من قبل أصحابها واتخاذ تدابير ميدانية لمنع حصول احتكاكات خلال بناء حائط حدودي قبالة كفركلا ومعالجة الحوادث على الخط الأزرق، منها اشتباك العديسة وحادثة إطلاق النار عند رأس الناقورة ومتابعة تعليم الخط الأزرق وتدارك عمليات إطلاق الصواريخ باتجاه فلسطين المحتلة والعمل على إبقائها معزولة». لكنه يقر بفشلها بحل مشكلات أكبر، منها الانسحاب من مزارع شبعا ومن الجزء الشمالي للغجر والمناطق المتحفّظ عليها لبنانياً. والسبب أن حلول تلك المشكلات «تتخطى إمكانات الاجتماعات الثلاثية التي ينحصر دورها في وضع الترتيبات التكتيكية في حال صدور قرارات بهذا الشأن».

وعن آلية الاجتماعات، قال المصدر إن وصول ضباط العدو إلى الموقع على الأرض اللبنانية «يتم وفقاً لإجراءات أمنية خاصة برية وبحرية وجوية على الحدود تتخذ من قبل اليونيفيل طوال فترة انعقاده تحت مراقبة من الجيش اللبناني من مركزه المجاور». ورداً على الخشية من التواصل بين ضباط لبنانيين وضباط العدو، أكد المصدر أن «التعاطي لا يتم بشكل مباشر بينهما، بل تتم المحادثات عبر قائد اليونيفيل حول الطاولة التي يتحلقون حولها وتأخذ شكل (U)». ضباط لبنانيون شاركوا في الاجتماعات أكدوا أن ممثلي الجيشين يجلسون يميناً ويساراً، ويديرون ظهورهم بعضهم لبعض وينظرون إلى قائد اليونيفيل. لكنهم لم ينفوا حصول بعض الأحاديث المتبادلة التي تفلت منهم داخل القاعة أو في خلال الاستراحة.

لماذا يلتقي ضباط الجيش مع ضباط العدو؟

إذا سلمنا بجدوى الاجتماعات الثلاثية وضرورة تعاون لبنان مع قرارات الأمم المتحدة صاحبة الفكرة، فلا شيء يبرر اجتماع ضباط الجيش اللبناني مع ضباط العدو في مكان واحد. فكيف إذا كانت الاجتماعات الخمسة الأولى، تعقد في غرفتين منفصلتين، كان خلالها قائد اليونيفيل يتنقل بينهما لتبادل الردود على ملفات البحث، قبل أن تدمج في غرفة واحدة. لماذا يلتقي أصحاب البزة الخضراء وجهاً لوجه بضباط العدو الذي كان يقصفهم ويقتلهم؟ إنها قيادة اليونيفيل مجدداً. لكن، لماذا لم يلق الاقتراح اعتراضاً لبنانياً؟ إنه التعاون مع المجتمع الدولي مجدداً. بعض ضباط الجيش رفعوا اقتراحات إلى قيادتهم برئاسة سليمان آنذاك، بنقل مكان الاجتماعات من رأس الناقورة إلى منطقة حدودية أخرى تتداخل فيها الأراضي اللبنانية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن تُعقد الاجتماعات مباشرة على خط الحدود، بطريقة تمنع أن تطأ أقدام العدو أرض الناقورة المحررة، بحيث تستحدث غرفة جاهزة، نصفها الأول في الجانب اللبناني حيث يجلس الضباط اللبنانيون ونصفها الآخر في الجانب المحتل حيث يجلس ضباط العدو، بإدارة قائد اليونيفيل. هذه الاقتراحات لم تصبح عملانية بسبب الشطر الشمالي لبلدة الغجر المحتل. إذ بحسب مصادر عسكرية مواكبة، فإن شمال الغجر هو المكان المناسب لعقد اجتماعات ثلاثية أو ثنائية، وفق تلك الآلية. لكن الفكرة لم تطرح بجدية، خوفاً من تكريس واقع احتلال شمال الغجر عندما يوافق لبنان على جلوس العدو فيه. لكن الحدود المترامية تملك احتمالات أخرى كاللبونة على سبيل المثال. لماذا لا تناقش؟