مثلما أعاقت المملكة العربية السعودية تشكيل حكومة لبنانية لنحو 9 أشهر ربطاً بالحوادث التي تجري في المنطقة وموقفها السلبي منها، ها هي اليوم تكرر نفس التجربة فيما يتعلق بالإنتخابات الرئاسية التي فشل البرلمان في جلسة الإنتخاب الأولى الأسبوع الماضي في إيصال رئيس إلى سدة الحكم، بعدما عبرت أصوات النواب عن استمرار الإنقسام الداخلي معطوفاً على الإنقسام الإقليمي الذي تشكل الرياض رأس حربته.

لا شيئ حتى الآن يوحي بأن الجلسة المقبلة لمجلس النواب اللبناني ستتوصل إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد هذا إذا انعقدت، وسط تسريبات تقول إن النصاب لن يتأمن لانعقادها، ذلك أن التوافق على رئيس لم يجر بعد، كما أن الإتصالات الجارية على هذا الصعيد لم تفض إلى أية نتائج في ظل الرهانات القائمة على حصول تغييرات ميدانية على الساحة السورية التي تشكل عنوان الخلاف الأكبر في هذه المرحلة.

وفي حين أن وتيرة الإتصالات الدبلوماسية الغربية قد انطلقت في محاولة للدفع باتجاه انتخابات رئاسية لبنانية في موعدها، إلا أن دونها عقبات كثيرة أهمها أن الإستحقاق اللبناني بات مرتبطاً بكل تفاصيله بجملة الإستحقاقات من نفس النوع التي تجري في المنطقة. فانتخابات الرئاسة اللبنانية تتزامن مع انتخابات الرئاسة السورية، وانتخابات برلمانية عراقية ستفضي إلى حكومة جديدة لم تتضح معالمها حتى الآن، كما الحال في تركيا التي تتهيأ لخوض انتخابات رئاسية في آب المقبل بعد انتخابات محلية أثارت جدلاً واسعاً في البلاد حول نتائجها، إلى مصر التي دخلت مرحلة انتخابات الرئاسة والتي من المتوقع أن يفوز بها الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي تعول عليه معظم دوائر صنع القرار في المنطقة لإعادة التوازن الذي افتقدته خلال الفترة الماضية التي حفلت بالحوادث الدامية.

لكن الأهم بالنسبة إلى اللبنانيين هو ما ستؤول إليه الأوضاع في سورية لا سيما وأن موعد استحقاقها الرئاسي في 3 حزيران بات على الأبواب ما يعني أن الرئاسة اللبنانية قد يتم تأخيرها إلى ما بعد جلاء الأمور في سورية حيث تتصاعد حدة العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش وحلفاؤه في بعض المناطق الأكثر توتراً لحسم الأوضاع فيها كحلب على سبيل المثال لا الحصر، تمهيداً لإجراء العملية الإنتخابية التي لن يرضى العالم عن نتائجها مهما بلغت شفافيتها، غير أن إصرار الدولة على إجرائها يؤشر إلى ارتياح القيادة السورية للنتائج الميدانية التي تحققت حتى الآن واستعدادها لمواصلة عمليات مكافحة الإرهاب على مستوى البلاد متجاوزة فكرة التقسيم الذي باتت دوائر سياسية دولية تلوح به باعتباره الحل الأنسب للصراع الدائر فيها منذ ثلاث سنوات.

وفي هذا السياق لا بد من التوقف عند هذا النوع من الطروحات التي يحاول دبلوماسيون أجانب استطلاع المواقف حولها وامكانية تحقيقها، لتتم الإشارة إلى أن خطوة تقسيم سورية لن تتوقف عند حدودها بل ستمتد إلى خارجها القريب والبعيد، كما أن القيادة السورية وحلفاءها قد "استعدوا لمواجهة هذا الخطر في داخل البلاد وخارجها من خلال خطة عملية" وصفها بعض المعنيين بأنها "ستكون ناجحة حكماً وستعيق مشروع التقسيم الذي ستستفيد منه "الدولة العبرية" فقط،، لكن من ناحية ثانية سيؤدي إلى تسعير الخلافات بما يؤدي إلى زيادة حدة الإنقسامات واستمرار اللهيب في المنطقة إلى حدوده القصوى.

في المشهد العام لم تتفق الجهات المعنية بالإستحقاق الرئاسي اللبناني على أية صيغة لتنصيب رئيس جديد لأن توافقاً إقليمياً لم يحصل على أي من الملفات الخلافية في المنطقة، كما أن لا تسوية منطقية تلوح في الأفق المسدود على أي حل بانتظار ما سيصدم هذا الواقع والذي تتوقع مصادر سياسية أن تعبر عنه إعادة انتخاب الرئيس السوري بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة وإن تم تأجيلها تقنياً لفترة وجيزة قد لا تتجاوز الشهر لاستكمال "التحضيرات"، في وقت يستمر فيه تحالف العدوان الغربي – العربي بضخ المال والعتاد للجماعات المسلحة المتعددة الجنسيات بهدف وحيد حالياً وهو إعاقة إجراء الإنتخابات الرئاسية السورية بعدما تم رفض طلبات دولية بتأجيلها تحركت من أجلها وساطات على أعلى المستويات شملت طهران وموسكو في آن.

وعليه فإن انتخاب رئيس جديد للبنان بات مرحلاً إلى أيلول المقبل بحسب بعض التقديرات وإن تم تحديد جلسات متتالية في الفترة الفاصلة بعد تعذر التوافق على لبننة الإستحقاق نتيجة ارتهان بعض الأطراف بقرار المملكة السعودية.