لم يفاجأ أحد بعدم اكتمال النصاب في مجلس النواب اللبناني في جلسته الثانية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. هذا ما كان متوقعاً في ظل عدم الإتفاق على اسم محدد يستطيع اجتياز كافة التحفظات لدى فرقاء من جهة، وتأمين "ضمانات" لآخرين من جهة ثانية. في حين أن من يطلب تلك الضمانات يريد بشكل صريح ممن سيؤيده للرئاسة أن يخوض معركته ومن وراءه ضد أخصامه في البلد على قضايا تمتد من عمق الداخل إلى المحيط الخارجي الواسع.

من أحد مقرات منفاه الإختياري في باريس حيث اجتمع بوزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل موفداً من رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، سرب رئيس "حزب المستقبل" انه لن يدعم "الجنرال" في ترشحه للرئاسة ذلك أن الأخير لم يستطع تقديم ضمانات حيال "سلاح" حزب الله كما لم يقدم رؤية موضوعية حيال التعاطي مع الأزمة في سورية التي تشكل عنوان الخلاف الإقليمي وأبعد من ذلك. إلا أن ما هو شديد الوضوح أن الحريري الإبن لا يملك أية امكانية فعلية لجهة أخذ القرار في دعم هذا المرشح أو ذاك باعتبار ان قراره مربوط بقرار الممكلة السعودية التي لم تحسم حتى الآن خياراتها في ظل أمرين:

الأول: أنها لم تستكمل بعد تشكيلاتها داخل جهاز الحكم الذي تعرض في الآونة الأخيرة للعديد من التغييرات والخضات على خلفيات متعددة منها الفساد المالي والإداري ناهيك عن الصراعات بين أقطاب السلطة الحاكمة وأفراد العائلة.

الثاني: أن المملكة لم تحدد بعد شكل التعاطي مع الأزمة السورية حيث تلقت العديد من الضربات الموجعة على مدى أكثر من عام منذ تسلمها الملف مباشرة، وقبل ذلك عندما تولته دولة قطر وفشلت في ايصاله إلى نهايته المتوخاة.

لم يكن الحريري ليقرر في الإستحقاق الرئاسي بمفرده عندما تطلع اللبنانيون ومنهم حزب الله والتيار الحر ودعوه إلى لبننته لأول مرة في تاريخ البلاد، بعدما جرت العادة أن يحصل توافق إقليمي قوامه السعودية وسورية، ويباركه الغرب ممثلا بالولايات المتحدة الأميركية وجزئياً فرنسا، لكن مسار الحوادث في سورية وتاليا لبنان وما حققه هذا البلد من تموضع أساسي في المنطقة منذ انتصاره على إسرائيل في 2006 وفي الأزمة السورية عبر مشاركة حزب الله في القتال الدائر فيها، إلى جانب قوات الحكومة السورية في حربها على الإرهاب، سيعيد حكماً لسورية دورها الطبيعي والرئيسي في صياغة الرئاسة اللبنانية وهذه المرة ربما بشكل أقوى من خلال تواجد حزب الله القوي على الساحة اللبنانية ومنظومة التحالفات التي يقيمها في الداخل ناهيك عن امتداده الخارجي لا سيما بعد الإنجازات التي حققها مع حليفه الجيش السوري ميدانياً في بقعة واسعة من الأرض السورية ما يمهد بشكل واضح لإعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة في بلاده.

ربما هذا هو السبب الرئيس الذي يعيق اتخاذ القرار السعودي في تسهيل وصول رئيس جديد للبنان لا يمكن توظيفه في معركة الرياض وحلفائها في سورية وفي المنطقة ضد حلف الممانعة، ومن هنا تأتي عدم قدرة الحريري وفريقه السياسي داخلياً على المشاركة في صياغة الرئاسة ولبننتها قبل أن تحل بركة المملكة على الإستحقاق والتي لم تتوفر حتى الآن، ما يعني أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال وتحديداً هذه المرة أن يتم السعي إلى انجازها خارج المؤثرات الإقليمية.

وعليه فإن الأنظار مسلطة على ما سيستجد في سورية ميدانياً في ظل الحديث مجدداً لدى دوائر الإستخبارات الأميركية والأوروبية حول امكانية التدخل العسكري المباشر المدفوع الثمن سعودياً في القتال في سورية - بحسب مصادر سياسية واسعة الإطلاع – وذلك على خلفية الأنباء عن استخدام غاز الكلور في سيناريو مشابه للتحقيقات التي جرت باستخدام غاز السارين والتي أدت إلى رفع التهديد بشن عدوان عسكري تصدرته الولايات المتحدة وأفضى إلى الإتفاق الدولي على سحب جميع الأسلحة الكيميائية من البلاد.

وتشير المصادر إلى أن التحرك الجديد الذي تتولاه بريطانيا وفرنسا يتمحور حول استغلال الإتهامات من دون الإستناد إلى لجنة تقصي الحقائق التي وافقت الحكومة السورية على مباشرتها التحقيقات، وذلك في محاولة لقلب موازين القوى على الأرض لمنع تنفيذ الإستحقاق الدستوري السوري الذي بات على قاب قوسين أو أدنى ذلك أنه لو حصل وفاز به الرئيس الأسد فإن أزمة من نوع آخر ستنشأ لمدة لا يعلم إلا الله مداها وسيكون لها مفاعيلها على محور الممانعة بما يغيّر اتجاه خارطة الشرق الأوسط التي وضعها الغرب وحلفاؤه له.