يذهب البعض إلى القول أنّ رئيس الجمهورية لا يستطيع ممارسة صلاحياته اذا لم يكن لديه كتلة برلمانية، فهذا صحيح في زمن ما قبل وثيقة الوفاق الوطني في الطائف والتعديل الدستوري الاخير في سنة 1990. أما اليوم، فاصبح الرئيس، عملا بالمادة 49 دستور المتعلقة بانتخابه، "رمز وحدة الوطن يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه"، وبدليل ان هذه العبارة لم تكن واردة في النص القديم للمادة 49 دستور.

وبالتالي، فان هذه المادة كما المادة 50 دستور المتعلقة بيمين الرئيس المعظمة، كما المبادئ الدستورية (مقدمة الدستور)، لا تسمح بمجيء رئيس متحيز لخط سياسي معين. أضف الى ذلك أنّ الرئيس المرشح ليس مخوّلا وضع السياسة العامة للدولة التي تدخل في صلب اختصاص مجلس الوزراء عمـلا بالمادة 65 دستور، وبكلمة أوضح أنّ رئيسي الجمهورية والحكومة بحكم تلازم وتواصل صلاحياتهما الدستورية لا يجوز أن يكون لاي منهما كتلة برلمانية.

هذا هو الدستور اللبناني (بعد الطائف) والمبادئ التي يرتكز اليها، وينبغي القبول بها وإطاعتها وتقديم جميع التضحيات من اجل صونها ورعايتها من قبل رؤساء الكتل النيابية حفاظا على استمرارية الوحدة الوطنية وميثاقية العيش المشترك.

وعليه، ان السادة المرشحين لمركز رئاسة الجمهورية، وبكل احترام، يجب ان يدركوا ان هذا المركز هو لجميع الشعب اللبناني، كما ان رئاستي الحكومة ومجلس النواب هما لجميع فئات الشعب اللبناني دون استثناء وليس لحزب طائفي. هذا ما قررته وثيقة الوفاق الوطني في المادة 95 دستور المعدلة: "على مجلس النواب المنتخب على اساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية"...

ومن هنا لا يجوز ان يكون رئيس الجمهورية رئيسا لحزب طائفي على الاطلاق، وذلك بحكم القواعد والمبادئ الدستورية الآنفة الذكر، وهذا ما يسمى بالاهلية الدستورية لتولي منصب رئاسة الجمهورية.

ويتحصل من ذلك، ان الاختلاف الدائر حول تطبيق المادة 49 دستور مرده، على الرغم من وضوحها، الى الحذر والخوف الشديدين، حتى من قبل رؤساء الكتل الطائفية انفسهم، من مجيء رئيس لا يتمتع بالتجرد والحيادية والذكاء والعلم والثقافة العميقة والادراك الرصين لطبيعة التركيبة اللبنانية العصية، رغم الحروب والنزاعات والتدخلات الغريبة، على الايادي والمحاولات الرامية الى العبث بها. ولا يسوغ، تبعا لذلك، الاصرار في التمادي بالترشح تحديا للواقع الدستوري والمصالح العليا للشعب والوطن.