لم يكن عيد شهداء الصحافة منفصلاً عن شهداء الحرية في 6 أيار الذين أُعدموا شنقاً في ساحة البرج ـ ساحة الشهداء وسط بيروت وفي ساحة المرجة وسط دمشق على يد المستعمر العثماني بقيادة جمال باشا السفاح الذي لقّب بهذا الاسم لكثرة ما ارتكب من مجازر بحق رجال المقاومة في ذلك الزمن الغابر.
المناسبة تفرض التطرّق إلى هذا اليوم من تاريخ هذه الأمة، لأن الحكومة السابقة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة اتخذت قراراً من جملة قرارات، بإلغاء عيد شهداء 6 أيار كيوم عطلة، تماماً كما ألغت عطلة عيد المقاومة والتحرير، وكان القرار المشؤوم يندرج في سياق المشروع الساعي إلى التخلّص من كل تاريخ المقاومة حاضراً وماضياً، فالاحتفال بذكرى شهداء 6 أيار يذكّر بدورهم في مقاومة المستعمر ويعرّف الأجيال الطالعة إلى تاريخها المقاوم ضد الاستعمار العثماني ومن ثم ضد الاستعمار الفرنسي وصولاً إلى الاحتلال الصهيوني، وأريد بذلك العمل على تجهيل الأمة بتاريخها الناصع، وبتاريخ المستعمر العثماني ودوره الخطير في إبقاء الأمة ترزح تحت نير التخلف لمئات آلاف السنين، خاضعة تحت سيطرة السلطان القابع في الأستانة التي كانت تنمو وتترعرع وتتطور من الضرائب المجباة بقوة حراب الجيش الإنكشاري الذي كان يتحكّم برقاب العرب مسلمين ومسيحيين.
ويبدو أن الهدف من إلغاء هذا اليوم من سجل العطل الرسمية، هو محو هذا التاريخ من الذاكرة والعمل على تعبيد الطريق أمام عودة تسلّل العثمانية القديمة الجديدة بثوب أردوغاني ـ إخواني، يوظف الدين في خدمة استعادة لقب السلطان العثماني، وإلى جانب ذلك يستخدم إرهابيي «القاعدة» لإسقاط الدولة السورية التي يشكل تدميرها والسيطرة عليها ممراً إلزامياً لتحقيق الحلم الأردوغاني بإعادة إخضاع المنطقة لعصر الاستعمار التركي الجديد تحت عنوان حكم الإخوان المسلمين.
إلا أن المقاومين البواسل الذين صنعوا النصر المجيد والتاريخي عام 2006 مسقطين أحلام «إسرائيل» وأميركا بتعويم مشروعهم الشرق أوسطي الجديد المتداعي في العراق، يصنعون اليوم نصراً جديداً من خلال تلاحمهم مع ضباط وجنود الجيش السوري في مواجهة قوى الإرهاب والتكفير التي وظفها التحالف المعادي بقيادة أميركا لتكون حصانه الذي راهن عليه لإنقاذ مشروعه من السقوط.
فشهداء 6 أيار لم ولن يمحوا من الذاكرة، تماماً كما شهداء المقاومة عبر تاريخ هذه الأمة وحتى اليوم، فهم يعانقون اليوم شهداء الجيش السوري وشهداء المقاومة للحفاظ على حرية الأمة وحماية استقلال سورية ولبنان بعيداً عن أي هيمنة استعمارية غربية كانت أم تركية، أم «إسرائيلية»… الخ.
فالحرية تصنعها اليوم دماء سورية والمقاومة كما صنعتها دماء شهداء 6 أيار التي ستبقى شاهدة على تاريخ المستعمر العثماني ومجازره الوحشية بحق أبناء شعبنا ومفكريه وقادته ممّن كانوا يرفضون الذل والخنوع للمستعمر ويناضلون في سبيل حرية وطنهم، تماماً كما هي دماء شهداء سورية والمقاومة ستبقى شاهدة على الجرائم التي ارتكبها الإرهابيون المدعومون من قِبل حكومة أردوغان التي راهنت على استعادة أمجاد العثمانية الغابرة وفشلت، لكنها نجحت في الوقت نفسه في إحياء صورة جمال باشا السفاح وتذكير السوريين واللبنانيين به عبر دعم المجازر الإرهابية التي قامت بها عصابات الإرهاب القاعدي في حلب وريف اللاذقية ضد المواطنين وضد صناعة سورية وحضارتها