هل سمعت يا صديقي القارئ بكلمة برجزة؟ وهل تدرك أنها موجودة في القاموس اللغوي؟ وهل تعلم انها نوع من أنواع الامراض النفسية المتفشية بين البشر؟ بل تكاد تكون مرض العصر كونها تصيب الافراد والجماعات على حدٍ سواء.

فإذا كنت لم تسمع بهذا المفرد الطبي اللغوي يوماً ؟ فعليك أن تفتش حواليك عن اثار الكلمة وتأثيرها على معظم المحيطين بك وبالتالي على حياتك اليومية؟ فما ادراك يا صديقي ما هي البرجزة ؟ ....

هو حالة مرضية تخرق الافراد وتضرب الجماعات، كما يخرق الزيت القطن، وتتمدد بهدوء،وطمأنينة، وبدون استئذان، وتصبح عصية على الشفاء في حال عدم معالجتها في مهدها...

هو فيروس يصاب به المرء عادة مع تقدمه في السلم الاجتماعي (سلم أوجده اصلاً مجتمع مريض بالمراكز) ويترسخ فيه مع ازدياد ثروته ونفوذه، فينسى ماضيه أو يتناساه، وتتبدل طريقة تعاطيه مع ناسه وأهله وأصدقائه، وخصوصاً طريقة تعاطيه مع رفاق دربه.... ومن عوارض هذا المرض تبدل في نمط حياة المريض من الملبس إلى المأكل، وطريقة نظرته إلى الامور، فينتقم المصاب به من ماضيه، عبر اعتماده نمط حياة جديد لا يشبه ابدا ذلك الماضي، نمط يقوده من فراع إلى فراغ. فيصاب المتبرجز بحالات من التواضع الكاذب تظهر بتصرفاته المصطنعة الزائفة، والمصاب به يطرب حينما يسمع اطراءً كاذباً من مجتمعه الجديد فيتبجح به مع علمه بكذب مطلقه، ويرتاح حينما يقمع من دون وجه حق متكلم في شأن او امر لا يفهم فيهما المتبرجز، ويصاب بمرض الكذب واطلاق الوعود الكبيرة الكاذبة كما ينقلب على مبادئه وافكاره، التي بشر بها للوصول إلى المركز الذي وصل اليه.

والبرجزة تصيب الفقير والغني، الأمي والمتعلم، ويمكنها أن تفتك بالملحد والمؤمن ولا تستثني رجال الدين، ويصاب بها الملتزم والعبثي، المثقف والمتفلسف، وهي خصوصاً ما تصيب الطارئين على الشأن العام من ساسة واعلاميين.

وفي حال تفشيها داخل جماعة أو مؤسسة تتأكل من الداخل، فتنقسم المجموعة إلى مجموعات والمؤسسة الى مؤسسات متخاصمة متناحرة، وكل جماعة تعطي لنفسها حق الامرة والقيادة وتعمل عى فرض رأيها على غيرها، بحسب تبرجزها وقوتها.

في حال كنت لا تصدق صديقي القارئ خطورة هذا المرض على الجماعات والافراد على حد سواء،راجع أسباب انهيار الامبراطوريات القديمة منها والحديثة، وتابع حواليك سقوط بعض المرجعيات المستجدة عليك، وانكشاف فراغها وكذبها كونها فقدت قيمها ومبادئها وطريقة تعاطيها مع ناسها ومجتمعها.... لتبرجزها...اذ ان المصاب عادة ما ينكشف مرضه سريعا على الملىء فينبذ ولو كان ممسكا بسلطات مهمة.

اما الشفاء من هذا المرض الخبيث، فيتطلب علاجا مكثفا ومتنوعا ويختلف باختلاف المصاب به، فيحتاج عند المؤمنين الى كثير من الصلاة والصوم، وعند الناس اجمعين للعودة الى الاصول، الى الجذور اي الى المبادىء الاساسية التي تقوم عليها العلاقات بين البشر. وادراك لا لبس فيه ان القيادة انما هي اولا واخيرا خدمة اساسها تواضع حقيقي، ومعرفة حدود الافراد والجماعات. وان المبادىء السياسية التي تنسب الى مكيافيلي في كتابه الامير لم تعد تنطبق على واقعنا الحالي...