قد يقع المرء ضحيّة كارثة طبيعية غير متوقعة، وقد ينتج عنها أضرار على الصعيدين البشري والمادي، الأمر الذي يستدعي بالطبع تدخلاً سريعاً من قبل المسؤولين والمؤتمنين على السلامة العامة. ولكن، أن يكون خطر هذه الكارثة غير مستبعد، لا بل متوقع جداً، وعدم قيام الحكّام بما يجب للوقاية منه وللعمل على احتوائه بسرعة في حال حدوثها، فهو أمر لا يمكن إلا التوقف عنده، لأن فيه استخفافاً بحياة الناس وبثرواتها وثروات البلد. مسائل من هذا النوع، دفعت عبر التاريخ ببعض الحكومات في الدول الديمقراطية إلى الإستقالة، احتراماً لشعبها، بالطبع في حال كانت الأزمة كبيرة.

مطلع هذا الأسبوع، علت الصرخة، فتوجهت الأنظار إلى قضاء بعبدا، وتحديداً إلى وادي شحرور التي كانت تشتعل تحت ثقل نيران قضت على مساحات خضراء كبيرة فيها، وانتقلت في ما بعد إلى بطشاي ومنها إلى بعبدا.

ودّع لبنان جزءاً آخر من ثروته الحرجية بانتظار أن تنمو تلك الغابات من جديد. وبعد مراسم استهجان واستنكار سريعة، بدأ تقاذف المسؤوليات بعد السيطرة على الحريق: البعض ألقى اللوم على البلديات التي لم تقم بواجباتها ولم تبلغ الدفاع المدني بما يجري منذ بداية انتشار الحريق، فيما آخرون ألقوا اللوم على عناصر الدفاع المدني الذين تأخروا كثيراً في الوصول إلى مكان الحريق. أما البعض الآخر، فاعتبر وجود تقصير من الجيش الذي لم يشغّل الطائرات المعدّة لإخماد ​الحرائق​، وفي نهاية المطاف، التأم مجلس الوزراء، فنتج عنه ما كان يتوقعه الجميع: لجنة وزارية للبحث في ما جرى في بعبدا.

لكن المفارقة تكمن في وجود استراتيجية وطنية لإدارة حرائق الغابات في لبنان، قد صدرت في أيار 2009، أي منذ 5 سنوات تحديداً، وكانت الأولى من نوعها من حيث تحديد مسؤوليات كل جهة من الجهات المعنية بموضوع الحرائق، لكي لا يبقى المخطئ الحقيقي مجهولاً، ولم يقم أحد حتى الآن بتنفيذ أي بند من بنودها.

فإدارة حرائق الغابات عليها أن توزع حكماً على أكثر من وزارة ومؤسسة عامة، إلا ان التنسيق بين هذه المؤسسات والوزارات، ومعرفة دور كل منها، بات واضحاً منذ ذلك التاريخ، ولكن أحداً لا يتابعه. وتجدر الإشارة إلى أنه كان لا بد على الحكومة اللبنانية منذ حينه، أن تشكل بأسرع وقت ممكن لجنة إستشارية، وفق ما توصيه هذه الإستراتيجية، وهي لجنة منصوص عنها في تنظيم الدفاع المدني ولا سيما في المادة العاشرة من المرسوم الإشتراعي رقم 50 الصادر عام 1967. وقد اقترحت الإستراتيجية أن تقوم تلك اللجنة، برئاسة وزير الداخلية والبلديات، بمتابعة تطبيق بنودها.

وبحسب المرسوم، فإن على تلك اللجنة أن تضم: المدراء العامين والمدراء المختصين في الوزارات والمصالح المستقلة والمؤسسات العامة ذات الصفة الحكومية والمنفعة العامة، إلى جانب رئيس الجهاز المركزي للدفاع المدني وضباط ارتباط. إلا أنها لم تشكل حتى الساعة، وما زالت هذه الإستراتيجية التي كلّفت أموالاً طائلة والتي جمعت كلا من وزارة البيئة والداخلية والزراعة إلى جانب الجيش وبالتعاون مع جمعية الثروة الحرجية والتنمية وبمشاركة الإتحاد العالمي لحماية الطبيعية، وبتمويل من الإتحاد الأوروبي... حبراً على ورق.

ليس غريباً على لبنان أن يشهد الحرائق سنوياً. فهو موجود على لائحة الدول المعرّضة لها، ولطالما شكل هذا الأمر بالنسبة إليه، كما في دول أخرى من حوض المتوسط، مشكلة حقيقية. فما زال اللبنانيون يذكرون جيداً الهكتارات الكبيرة التي التُهمت في الـ2007 والتي على إثرها تم شراء طائرات متخصصة بإخماد الحرائق، وما زالوا يتناقلون حتى اليوم، أبا عن جد، عبارة "موسم الحرائق" وكأن ذلك يشكل جزءاً من الدورة الطبيعية في البلاد.

ولكن، لا أمطار دون شجر. وما كان يُسمح به في السابق لا يمكن أن يتم القبول به اليوم خصوصاً مع التمدد العمراني والتقلص الكبير للمساحات الخضراء. وبالتالي، فإن حماية الثروة الحرجية أكثر من واجب بل هو ضرورة ملحّة، لكي لا يصبح لبنان صحراء قاحلة، أو، بأفضل الأحوال، غابة من الباطون. وبدلاً من تشكيل اللجان ومن ثمّ اللجان، لماذا لا تقدم الحكومات، ولو لمرّة، على تطبيق الإستراتيجيات المعدّة إن وجدت، ولماذا تبدأ دائماً من جديد، وتنطلق من الصفر؟