بعد عودة حمص إلى كنف الدولة السورية وخروج المسلحين منها باتت جميع الدوائر السياسية المحلية والإقليمية والدولية مقتنعة بأن الانتخابات الرئاسية في البلاد قد دخلت مرحلة التحقق في ظل التحضيرات القائمة لوجستياً من أجل إنجاز ذلك، وبعد إعلان أن بورصة المرشحين قد رست على 3 أشخاص من بينهم الرئيس بشار حافظ الأسد.

ما تحقق في حمص القابعة في وسط الخريطة الجغرافية لسورية والتي تضم أكثر من أربعين في المئة من عدد سكان البلاد والذين بدأوا عودة مكثفة، يخدم في واقع الحال عملية إجراء الانتخابات التي عمل العالم بأسره على منعها لأنها ستعيد إلى الرئاسة شخصية كان تم الحكم السياسي عليها بالإعدام ما كلف سورية والمنطقة دماراً معنوياً ومادياً من دون القدرة على تحقيق ذلك. فالأميركيون الذين تحركوا أخيراً على خط السعودية في محاولة لتطبيع العلاقات بعد فتور تسبب به التراجع عن قرار شن عدوان على سورية كان يؤمل منه وضع حد لما يصفونه بـ»النظام»، عمدوا إلى بدء مرحلة التحضير لمواجهة تداعيات نتائج تلك الانتخابات عبر استقبال رئيس «الائتلاف السوري المعارض» أحمد الجربا، والإعلان عن أن مكاتب «الائتلاف» في الولايات المتحدة باتت لها صفة دبلوماسية، من أجل الالتفاف على شكل الدولة السورية بعد الانتخابات وفرض مشاركة المعارضة التي تريدها السعودية في هيئات الدولة ووضع ذلك كشرط للاعتراف بقيادة الرئيس الأسد في المرحلة المقبلة.

في هذا السياق تتصرف قوى الممانعة في المنطقة كما القيادة السورية على أساس أنها لن تحصل على أي شكل من الاعتراف بقانونية وشرعية الانتخابات ونتائجها ما سيخلق أزمة من نوع آخر، وهي إذ تدرك ذلك فإنها تتوجه إلى إجراء الانتخابات وجعل نتائجها أمراً واقعاً يستلزم اعتماد استراتيجيات جديدة لفرضها من خلال خطة دبلوماسية إقليمية ودولية ترتكز على الدول الحليفة في إيران والعراق ولبنان وروسيا والأخرى الصديقة.

ولعل ما يجري في لبنان يشكل حجر الزاوية في تلك الخطة لجهة إعادة تشكيل الدولة والسلطة فيه على قواعد تراعي المتغيرات التي طرأت على المنطقة في ظل الأزمة السورية، وفي مقدمة ذلك رئاسة الجمهورية اللبنانية التي تأجلت أكثر من مرة في الفترة الدستورية المخصصة لإجراء الاستحقاق والتي تنتهي في 24 أيار الجاري قبل دخول البلاد في فترة شغور يحيل سلطات الرئاسة على الحكومة ويمكن أن يمتد إلى ما بعد الانتخابات في سورية.

ويقول مطلعون على مسارات النقاش حول الاستحقاق الرئاسي اللبناني، إن الرئيس العتيد يجب أن لا يكون معادياً لا للمقاومة ولا لسورية، كما لا يمكنه أن يحقق «التوافق» بين الأفرقاء في بلده، فيما لو أعلن أنه مع المقاومة وينأى بنفسه عن الأزمة السورية ونتائجها السياسية بعد الإنجازات العسكرية التي تحققت ويشكل لبنان جزءاً أساسياً فيها، في حين أن لبنان المحكوم بعلاقة استراتيجية مع سورية التي تشكل عمقه التاريخي جغرافياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً لا يمكنه الإقرار بأن البحر وحده ملاذه بالانفتاح على العالم، بحسب بعض المقولات التي دعت إلى التحرر من العلاقات المميزة التي تحكم البلدين والشعبين.

ويشير المطلعون أنفسهم إلى أن توافقاً إقليمياً على مقاربة محددة للأزمة السورية ونتائجها لم يحصل بعد، وأن السعودية ما زالت تبحث عن «مخارج مشرفة» بعدما سقطت في حمص، في حين أنها فقدت سيطرتها بعد الضعف الذي أصاب جماعاتها المسلحة إن من خلال ضربات الجيش السوري أو من خلال الاقتتال مع جماعات مسلحة تابعة لدول أخرى، ما يعيق الاتفاق الإقليمي على مرشح توافقي للرئاسة في لبنان ويضع الاستحقاق في خانة المنافسة الحقيقية التي تعكس المواجهة بين المحورين المتنازعين على النفوذ في المنطقة.