ألح وفد من "سعاة الخير"، يضم مطراناً على الأقل، على رئيس الجمهورية ميشال سليمان كي ينزل عند إصرار البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الرافض فراغ موقع الرئاسة إذا لم يتم الإنتخاب قبل انتهاء المهلة الدستورية في 25 هذا الشهر.

أبلغ الوفد إلى الرئيس اقتناع البطريرك بفكرة نقلها إليه نائب عكار هادي حبيش قبل نحو شهرين، فحواها أن الفراغ في موقع الرئاسة هو إخلال بالميثاق وبالتوازن المسيحي – الإسلامي في سيبة الحكم يوجب تعديلاً دستوريا لمنعه، بما يتيح لرئيس الجمهورية المنتهية ولايته متابعة مهماته والبقاء في القصر لتصريف الأعمال حتى انتخاب خلف له، على غرار رئيس الحكومة، وأيضاً رئيس مجلس النواب الذي يتولى نائبه أو الأكبر سناً مهماته.

لم يرغب الرئيس سليمان في رد الوفد خائباً، لياقةً ومراعاةً لخاطرمرسله البطريرك الراعي الذي زاره في بعبدا الخميس الماضي، لكنه وضع شروطاً للقبول بالفكرة أقل ما توصف به أنها "موسكوبية":

- يكون التعديل لمرة واحدة، ولانتخاب الرئيس الحالي من جديد، وليس تمديد ولايته أو تجديدها.

- الولاية الرئاسية الجديدة تكون لثلاث سنوات.

- ينتخب الرئيس سليمان 120 نائباً على الأقل، بمن فيهم جميع النواب المسيحيين، وفي مقدمهم رئيس "تكتل التغيير والإصلاح " النائب ميشال عون.

- تستمر الحكومة التي ستتألف في العهد الجديد ثلاث سنوات، وتكون وفق تشكيلة حكومة الرئيس تمّام سلام الحالية.

أفهم الرئيس الوفد أنه يستحيل أن يكون رئيس تصريف أعمال للحكومة. وقال ما مفاده: "وما دمنا نكون قد فتحنا باب التعديل الدستوري فليعدل مجلس النواب قانون المهل أيضاً"، أي القانون الذي يحدد مهلة 15 يوما ليرد الرئيس القانون وإلا أصبح نافذاً، فيتساوى بذلك في الصلاحيات أقله مع رئيسي مجلس النواب والحكومة.

النائب حبيش كان طرح فكرة بقاء الرئيس في الموقع حتى انتخاب خلف له ولم يقدم إلى رئاسة المجلس اقتراحاً بتعديل المادة 62 من الدستور المتعلقة بانتهاء ولاية الرئيس، وذلك لغياب توافق سياسي عليها بين فريقي 8 و14 آذار. تتضمن الفكرة حضاً للمنزعجين من بقاء سليمان ممارساً مهماته على التوجه إلى البرلمان وانتخاب رئيس يخلفه. لكنها بقيت فكرة وإن تلقى الفريق السياسي الذي ينتمي إليه نائب عكار ("تيار المستقبل") اتهامات بالسعي إلى التمديد هو منها براء.

تماماً كما هو براء من أخبار تنتشر منذ مدة في البيئة السياسية لـ"التيار الوطني الحر" وحلفائه، مضمونها أن محادثات الرئيس سعد الحريري، بالواسطة أو بالمباشر، مع النائب ميشال عون ستفضي في نهاية المطاف إلى تأييد ترشيح "الجنرال" للرئاسة. ثقة عالية بالوصول إلى هذه الخاتمة يلمسها بوضوح من يزورون الرابية، ومن بينهم الرئيس أمين الجميل الذي التقى عون في سياق مبادرته الإنفتاحية، تحمل على ظنون كانت قد ساورت أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط الذي أشاع مدى أيام، قبل أسابيع، أن المسألة انتهت ("أميركا والسعودية تريدان عون رئيساً") قبل أن يتبين له خطأ هذا الإعتقاد.

الواقع أن الرئيس سعد الحريري، الذي شرح للنائب الكتائبي سامي الجميّل حقيقة الموقف خلال لقائهما السبت الماضي في باريس، لا يريد أن يترك أي مجال، بحسب معلومات "النهار"، ليزعم قيادي مسيحي أن السُنّة يضعون "فيتو" على وصول مرشح ماروني قوي إلى الرئاسة. قال لمن سألوه من قادة - ينتمون إلى مذاهب أخرى - حسماً للوضع وإبلاغ موفدي "الجنرال" صراحة أنه لن يؤيد ترشيحه، "إفعلوا أنتم ذلك. أعلنوا أنتم موقفكم من هذا الترشيح". في المقابل أفهم من يجب إفهامهم حراجة موقفه حيال حلفائه المسيحيين. لعلّ عون يتمكن من إقناعهم بأنه مرشح توافقي "وبعد ذلك احكوني في الموضوع". في الإنتظار ستبقى الخطوط مفتوحة بين عون والحريري والمحادثات بين الرجلين تتناول كل المواضيع الوطنية، من الكبيرة إلى الصغيرة. أي ضرر يمكن أن ينتج من حديث اللبنانيين بعضهم مع بعض؟

بالطبع لم يتوجه عون بأي مبادرة حيال مسيحيي قوى 14 آذار، لكنه أبدى ارتياحاً كبيراً إلى الزيارة التي قام بها الرئيس الجميّل للرابية. ولا تزال الأمور واقفة عند هذه الحدود والآمال.

إلى أين من هنا؟

تتقاطع معلومات عن احتمال قوي برسو الإتصالات البعيدة عن الأضواء قبل 25 أيار على مرشح يحظى بقبول 14 و8 آذار، أو الأكثرية في كل منهما، مع عدم ممانعة شديدة من الأقلية. مرشح سياسي لا يحتاج انتخابه إلى تعديل دستوري، نسج خيوطاً متعددة الوصف ولا يثير اسمه نقمة عند أي طرف، بما يؤهله كي يكون - ربما - "فلتة شوط" في اللحظة المناسبة.