نصّت الفقرة الثانية من المادة 49 دستور: "ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الاولى ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي". وعليــه، فان هذه المادة هي مادة انتخاب كون المشترع لم يلحظ فيها أيّ نصاب لانعقاد المجلس النيابي، كما أنّ عبارة "غالبية الثلثين" لا تعني أبدًا أنّ المجلس ينعقد بنصاب الثلثين.

وطالما أنّ المادة 49 المشار إليها أعلاه لم تلحظ نصابًا خاصًا لانعقاد المجلس من أجل انتخاب الرئيس، فإنه ينبغي العودة الى احكام الدستور العامة وبالتحديد نص المادة 34 دستور: "لا يكون اجتماع المجلس قانونيا ما لم تحضره الاكثرية من الاعضاء الذين يؤلفونه وتتخذ القرارات بغالبية الاصوات".

ومن هنا، فانه عندما تحضر الاكثرية المطلقة ينعقد المجلس قانونا وتبدأ عملية الاقتراع لانتخاب الرئيس على أساس غالبية الثلثين من الاكثرية المطلقة (أي 44 نائبا من أصل 65 نائبا) في الدورة الاولى وبالغالبية المطلقة (أي 34 نائبا من أصل 65 نائبا) في الدورات التي تلي. ويستفاد من ذلك ان ديباجة المادة 49 دستور تجبر جميع النواب على الحضور، والا تجري العملية الانتخابية بمعزل عنهم. ولو افترضنا ان جميع النواب قد حضروا (128 نائبا) فان المرشح الذي ينال اكبر عدد من الاصوات تفوق الـ 44 نائبا يفوز بالرئاسة في الدورة الاولى، واذا لم ينل اي من المرشحين نسبة 44 صوتا يكتفى في الدورات التي تلي بالاكثرية المطلقة اي 34 صوتا وما فوق. مثلا اذا كان هناك ثلاثة مرشحين ونال كل منهم من اصل 128 نائبا ما نسبته 52 صوتا و48 صوتا و28 صوتا فيكون الفائز من نال 52 صوتا في الدورة الاولى واذا كان هناك مرشحان ونال احدهما 60 صوتا والآخر 58 صوتا والباقي اوراق بيضاء او ملغاة فاز من نال 60 صوتا في الدورة الاولى، ويستدل من ذلك ان مفهوم المادة 49 دستور يعطي اهمية قصوى للدورة الاولى التي هي الاصل وليس للدورات التي تليها التي هي الاستثناء.

وان المشترع عندما وضع نص المادة 49 دستور قصد من خلالها الحؤول دون تمكين اي كان من تعطيل جلسة انتخاب رئيس البلاد، ثم ان هذه المادة، فضلا عن انها تجبر جميع النواب على الحضور، تحول دون امكانية ممارسة ما يسمى بـ "بيضة القبان". وبكلمة ادق، ان المادة 49 هي مادة حاسمة لا يمكن معها الخروج دون فوز مرشح بمركز رئاسة الجمهورية، فهي مادة عصية على الفراغ مبدئيا الا اذا تعادلت الاصوات بين مرشحين بمعدل 64 من اصل 128 صوتا لكل منهما كون عدد اعضاء المجلس زوجيا، وهذا صعب الحدوث لان نواب الوسط سيضطرون للادلاء باصواتهم لاحد هذين المرشحين بغية تأمين فوزه، وهذا ما يذكرنا بانتخابات الرئاسة في سنة 1970.

ويخطىء من يقول ان النصاب هو الثلثين من اعضاء مجلس النواب، فهذا خرق دستوري يتبعه خيانة عظمى، ولا محل للعرف بوجود النص استنادا الى قاعدة: "لا تفسير في معرض وضوح النص" (L`interprétation cesse lorsque le texte est clair).

ومفيد التذكير، ان عبارة: "من المجلس النيابي" الواردة في نص الفقرة الثانية من المادة 49 دستور تعني: "من قبل المجلس النيابي" (Par la chambre des députés) بحسب النص الفرنسي الأصلي للمادة 49 المذكورة.

وبالتالي، فانه لا يمكن، بل من المستحيل مبدئيا، تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، وان الخوف على الميثاق والدستور سببه تخاذل بعض النواب وضعفهم وترددهم في الدفاع عن القواعد الدستورية، علما، بان الميثاقية تتعطل بعدم انتخاب الرئيس في المهلة المنصوص عنها في المادة 73 دستور، وليس على النواب غير الحاضرين التذرع بعدم ميثاقية جلسة الانتخاب طالما ان باب المجلس مشرع امامهم لكي يحضروا، وإلا جرت العملية الانتخابية بمعزل عنهم بحكم المادة 49 دستور الضامنة لرمز وحدة الوطن ولاحترام الدستور ولاستقـلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه.