شهدت جبهة الجنوب اللبناني في الأيام الماضية تطورات أمنية وعسكرية غير تقليدية، قد تفتح الباب مجدداً أمام عودة التوتر إلى هذه الجهة بين الكيان الصهيوني من جهة ولبنان وحزب الله والمقاومة الإسلامية من جهة أخرى.

فقد قام الجيش الإسرائيلي خلال الأسبوع الماضي بسلسلة انتهاكات على طول الحدود اللبنانية - الفلسطينية، بدأت بمنطقة الوزاني حيث عمد الجيش الإسرائيلي إلى منع بعض الآليات اللبنانية من تنظيف مجرى النهر بحجة انها تابعة لمنطقة الخط الأزرق، ثم امتدت الانتهاكات إلى منطقة الناقورة واللبونة، حيث قامت آليات جيش العدوّ الصهيوني بجرف مناطق لبنانية محاذية للحدود، وخصوصاً المنطقة التي وضعت فيها المقاومة الإسلامية عبوتين ناسفتين وحصل فيها اشتباك مع أحد جنود الجيش اللبناني، وامتدت الانتهاكات الى المنطقة البحرية، حيث انتهكت زوارق الجيش الصهيوني المياه الإقليمية اللبنانية ووضعت بعض العلامات والإشارات في هذه المنطقة.

وقد حذّر المسؤولون اللبنانيون، وخصوصاً الرئيسين ميشال سليمان ونبيه بري، من خطورة هذه الانتهاكات، ودعا بري إلى وقف الاجتماعات الثلاثية التي تُعقَد برعاية القوات الدولية بين ضباط الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي، فيما طالب سليمان بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن.

لكن مصادر مقربة من المقاومة الإسلامية اعتبرت ان هذه الانتهاكات قد يكون لها علاقة بالعبوات الناسفة التي زرعتها المقاومة الإسلامية في اللبونة ومزارع شبعا، وهي تهدف إلى ارسال رسائل للمقاومة بأن الجيش الإسرائيلي على استعداد لمواجهة ما تقوم به المقاومة في المناطق الحدودية.

فما هي أبعاد ودلالات الانتهاكات الاسرائيلية المتجددة للحدود اللبنانية؟ وهل ستؤدي هذه الانتهاكات إلى عودة التوتر الى جبهة الجنوب اللبناني بعد أن ساد الهدوء على هذه الجبهة طوال السنوات الماضية منذ حرب تموز 2006؟

دلالات الانتهاكات وأبعادها

بداية، ما هي أبعاد الانتهاكات الإسرائيلية المتجددة للحدود اللبنانية ودلالاتها؟ وهل لها علاقة بتعاظم دور المقاومة ونشاطاتها المتزايدة في مناطق الحدود؟

مصادر سياسية مطلعة تعتبر «أن الانتهاكات الإسرائيلية المتجددة والمتفاقمة، ليست مسألة روتينية أو عادية، بل هي مؤشر خطير على سياسة جديدة يسعى العدوّ الصهيوني إلى تكريسها من خلال استعادة زمام المبادرة وفرض أمر واقع على الصعيد الجنوبي، بعد أن تراجعت قدرة العدوّ الهجومية منذ حرب تموز 2006.

وإن هذه الانتهاكات هي استكمال لما بدأه الجيش الإسرائيلي منذ عدة أشهر من خلال محاولات اقتحام السياج الحدودي وتغيير بعض المعالم على الحدود وإلغارة التي شنّت على البقاع، وبعد الرد الذي قامت به المقاومة الإسلامية على هذه الانتهاكات من خلال زرع العبوات الناسفة أولاً في منطقة اللبونة، ومن ثم في مزارع شبعا وإعلان حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله تبني المسؤولية عن زرع هذه العبوات.

وتضيف المصادر «ان العدوّ الصهيوني يسعى بين فترة وأخرى إلى القيام بمحاولة جس النبض لمعرفة رد فعل لبنان سواء على الصعيد الرسمي أو على الصعيد المقاوم على انتهاكاته للحدود، وإذا لم تحصل ردود فعل بالمستوى القوي، فإن ذلك سيسهل له ارتكاب المزيد من الانتهاكات، مع احتمال ان تكون هذه المحاولات عملية استهداف غير مبشرة للمقاومة الإسلامية ودفعها إلى الرد على هذه الانتهاكات، ما قد يؤدي الى اشتعال جبهة الجنوب مجدداً، في ظل التطورات الجارية في سوريا وانشغال حزب الله في الصراع السوري، ما يعطي العدوّ الصهيوني القدرة على تحقيق انجازات ميدانية في مواجهة المقاومة».

اشتعال الجبهة الجنوبية؟

لكن هل ستؤدي هذه الانتهاكات إلى اشتعال الجبهة الجنوبية؟ وما هو رد المقاومة على هذه الانتهاكات في ظل العجز الرسمي عن وقفها أو التعاطي معها بفعالية كما صرّح وزير الخارجية جبران باسيل، وبعد أن أصبحت الشكوى لمجلس الأمن عملاً روتينياً كما قال باسيل؟

مصادر مطلعة على أجواء المقاومة تقول «ان المقاومة الإسلامية تواكب وتتابع ما يجري على الجبهة الجنوبية، رغم انخراط حزب الله في الصراع في سوريا، وان مواجهة العدوّ الصهيوني لا تزال الأولوية لدى حزب الله والمقاومة، وان هناك استعدادات متواصلة لدى المقاومة لمواجهة أي عدوان اسرائيلي جديد، بل ان قوى المقاومة أصبحت تمتلك خبرات وامكانات جديدة تؤهلها للتحول من سياسة الدفاع الى سياسة الهجوم إذا اضطرت التطورات لاتخاذ مثل هذا القرار».

وقد عمدت المقاومة الإسلامية سابقاً للرد على الانتهاكات الاسرائيلية التي جرت على الحدود أو بعد الغارة على البقاع، من خلال زرع عبوات ناسفة في منطقة اللبونة وفي مزارع شبعا، ما يؤكد أن المقاومة لن تسكت مستقبلاً على هذه الانتهاكات إذا استمرت، ولكنها تختار عادة التوقيت والشكل المناسب للرد.

لكن هل ستؤدي الانتهاكات الاسرائيلية والرد عليها الى اشتعال جبهة الجنوب بشكل واسع؟

مصادر دبلوماسية غربية ومصادر أمنية لبنانية تعتبر «أن هناك جهداً دولياً - إقليمياً متواصلاً لإبقاء جبهة الجنوب هادئة لأسباب عديدة، وان حصول بعض الانتهاكات والرد عليها من قبل الجيش اللبناني والمقاومة الإسلامية سيظل موضعياً لأن لا مصلحة لأحد بتفجير هذه الجبهة حالياً».

لكن مصادر مطلعة على الأوضاع في الجنوب والمقاومة تقول إنه «لا أحد يستطيع أن يضمن بقاء الهدوء طويلاً على الجهة الجنوبية وان استمرار الانتهاكات الإسرائيلية قد يكون سبباً لاشتعال الجهة مجدداً، وخصوصاً أن الأوضاع في سوريا تتجه اليوم نحو ستاتيكو جديد، وقد تراجعت حدّة المعارك في المناطق الحدودية اللبنانية - السورية، وحزب الله أصبح يمتلك قدرات قتالية كبيرة، ما يؤهله لخوض حرب جديدة، وقد تسهم هذه الحرب في حال اندلاعها في تغيير مسار الأوضاع في لبنان والمنطقة. لذا يجب الحذر والانتباه في متابعة الأوضاع الجنوبية لأن كل الاحتمالات قائمة».