كـ"الطير يرقص مذبوحاً من الألم".. هكذا بدا الرئيس اللبناني الآفل ميشال سليمان أثناء زيارته بلدة بريح الشوفية وتلاوة بيان انجازاته على مدى 43 عاماً قضاها بين الجيش وموقع المسؤولية الأول في البلاد، فهو لا يريد أن يكتفي بالسنوات الست الأخيرة التي قضاها في موقع رئاسة الجمهورية، بل آثر أن يعيدنا إلى فترة خدمته الطويلة في الدولة اللبنانية على قاعدة "ضم الخدمات"، المعروفة وظيفياً.

عرضُ سليمان في بريح كان مؤثراً.. أصر الرجل على تذكيرنا بكل شاردة وواردة وبالتفصيل الممل، لكنه للأسف لم يورد أي شيئ حول كيفية تسلمه الرئاسة وعلى أية قاعدة جرى ذلك، كما أعلن قبل زيارته الشوف أنه ينتظر بفارغ الصبر انتهاء مدة ولايته غير آبه بتمديد سعى إليه خفية بأسلوب "جس النبض" الذي اعتمده في كل مرحلة من مراحل ولايته، حتى إذا يئس، أعلن موقفه جهارة بعد علمه بأنه لن يربح ولن يحقق أهدافه.

لم ينجح "ذكاء" سليمان أو دبلوماسيته ولا حتى مواقفه الجريئة في إقناع أي من الأطراف للحصول على تأييدهم في تمديد أو تجديد، فقد كان وضع كل "بيضه" في سلة واحدة إقليمية قبل أن تكون محلية، وهو أتى من الخارج وإلى الخارج يعود. والشهادة لله، كان سليمان وفياً عندما اقدم على ذلك، في حين أن "البيضتين" اللتين تحدث عنهما في مقاربته لـ"ثقل" رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط و"طائفته"، اعتبر نفسه إحداها ظاناً أنه من "الزعامات" التي لها مكانتها بين أقرانها على الساحة المسيحية في حين أن معايير ذلك لا تنطبق عليه لا سياسياً وشعبياً.

كان لافتاً اهتمام رئيس التقدمي بانتهاء عهد سليمان، فيما بدا حريصاً على إظهار كل تفاصيل رعايته لحفل الوداع، فـ جنبلاط الذي رتب مع قطر والسعودية والأميركيين مجيئه إلى سدة الرئاسة لن يلتقي بعده برئيس مؤمن بقدره بـ"بيضته" الناظمة للعقد الإجتماعي بين اللبنانيين في بلد بات يحتاج بصورة فعلية إلى التغيير بعد سقوط "اتفاق الطائف" بمطبات كبرى اضطر معه العديد من القيادات الأساسية إلى الدعوة لعقد و"نظام تأسيسي" جديدين يراعيان كل المتغيرات التي طرأت على شكل المنظومة السياسية على امتداد المنطقة، وهو ما سعى الأميركيون إلى تحقيقه ولكن من وجهة نظرهم وبما يتماشى مع مصالحهم من خلال ما عرف بـ"مشروع الشرق الأوسط الجديد" الذي يلحظ إعادة تقسيم المنطقة وفقاً لتلك المتغيرات التي انقلبت معها موزاين القوى الدولية والإقليمية والمحلية.

لم يأت سليمان على ذكر إنجازاته حيال سورية والعلاقة معها واصر على "النأي بالنفس" الذي نأى به عن استمراره بالسلطة، كما لم يعد منتظرا لإتصال هاتفي من الرئيس السوري بشار الأسد الذي يستعد لمهاتفة خلفه. لقد حاول الرئيس اللبناني في بريح أن يورث سياسته إلى من سيخلفه في المنصب المتنازع عليه بين أقطاب السياسة في الداخل والخارج عبر تأكيده على ما أنجزه لا سيما "إعلان بعبدا" الذي توج عهده به وأفضى بالرئيس إلى الإنقلاب على كل ما أنجزه غيره لكامل الوطن اللبناني وبذل في سبيله الدماء، معلناً مرة أخرى مراهنته عليه تمهيداً لمساحة سياسية يسعى إلى إشغالها في الفترة المقبلة، في وقت يعرف ان هذا "الإعلان" يشكل عناوين جذابة للغرب والعرب من حلفائه الذين اثنوا وشدوا على يده أحياناً بسببه، وصفعوه عليها في أخرى عندما لم يكن "رجلاً" في إدارة الأمور بما يتناسب مع تطلعاتهم كما حصل معه لدى زيارته الأخيرة إلى السعودية في تشرين الثاني 2013 بعدما كانت الرياض ألغت له زيارة كانت مقررة لعدم "الحسم" مع "حزب الله" فيما يخص مشاركة الأخير في القتال في سورية وعدم الإقدام على منعه من ذلك.

لم تكن زيارة الرئيس لبريح المنكوبة منذ نحو ثلاثين عاماً إلا استغلالاً للنكبات وإطلاقاً لجوقة النويح والمديح لعهد ما زال أمامه بضع خطوات ليتنهي، منها "مرسوم التجنيس" الموعود والمثير للجدل، وتثبيت موظفين في القصر الجمهوري، إلى تأمين أكثر من ستين عنصراً وضابطاً للحماية ما بعد 25 أيار. وبالرغم مما عصف بهذا العهد من أزمات إلا أنه استطاع أن يؤمن لرئيسه دخول ساحة السياسة على قاعدة "المال والسلطة"، ورحم الله من قال "مادح نفسه يقرؤك السلام".