رمى رئيس الجمهورية بـ«خطيئة» قانون الإيجارات الجديد على المجلس الدستوري، بعدما رمى مجلس النواب القانون اليه لتوقيعه. المجلس الدستوري الذي لم يُشف بعد من تهشيمه في مسألة «شرعية التمديد لمجلس النواب»، سينظر في دستورية القانون كلّه وليس فقط في بعض مواده. الكل الآن في انتظار قراره ضمن مهلة الشهر، في ظل شارع يغلي بين المستأجرين والمالكين.

قانون الإيجارات الجديد في عهدة المجلس الدستوري رسمياً. العيون الآن على القرار الذي سيتخذه، بعدما غسل النواب أيديهم منه، في ظل احتجاجات شعبية في الشارع من قبل المستأجرين القدامى والمالكين على حد سواء. وصلت إلى المجلس مراجعة (طعن) من رئيس الجمهورية ميشال سليمان في بعض مواد القانون المذكور، أول من أمس، وسُجلّت في القلم رسمياً. مصادر المجلس ذكرت لـ«الأخبار» أنه، بحسب القانون الخاص، سيكون أمام المجلس مهلة شهر لبتّ الطعن الوارد إليه، وذلك اعتباراً من تاريخ 20/5/2014 (يوم تسجيله في القلم).

ما هي المواد التي طعن فيها رئيس الجمهورية؟ وهل هي المواد عينها التي يشكو منها المستأجرون أم هي مواد تُناسب مطالب المالكين، بمعنى أن إلغاءها يرضيهم أكثر؟ رفضت مصادر المجلس تحديد المواد المطعون فيها، وذلك عملاً بمبدأ السرية، لكن اللافت في الموضوع هو ما كشفته المصادر نفسها: «ليس بالضرورة لدى المتابعين أو المنتظرين التوقف كثيراً عند المواد المطعون فيها، لأننا، في المجلس، سوف نعيد قراءة القانون بكل مواده، سواء المطعون فيها أو غير المطعون فيها، وبالتالي لو وجدنا مواد غير دستورية أثناء جردتنا للقانون فإننا سنلغيها، حتى لو لم يكن طُعن فيها من أي جهة». هكذا، أصبح الموضوع برمته في عهدة المجلس الدستوري، بأعضائه العشرة، الذين يتوقع منهم اليوم إصلاح ما أفسده النواب، للخروج بمواد قانونية دستورية «تؤمّن العدالة الاجتماعية» للمواطنين. الحمل ثقيل على المجلس الآن، بلا شك، إذ نجحت الدولة، بداية عبر النواب، ثم عبر رئيس الجمهورية الذي لم يرد القانون، كما لم يوقّعه، بل أحاله على المجلس الدستوري. إذاً، الرهان كله الآن على هذا المجلس، بغية اجتراح حل يوائم دستورياً بين نصوص «حق الملكية» و«الحق بالسكن».

لكن هل سيُترك المجلس الدستوري ليجد الحل وحده، بعيداً عن التدخلات السياسية، هذه التدخلات التي لم ينسها اللبنانيون بعد في مسألة الطعن في شرعية التمديد لمجلس النواب؟ هل يُساء إلى «الدستور» و«العدالة» مجدداً؟ المسألة رهن الأيام المقبلة. سيدخل الجدال ــ الخلاف حول قانون الإيجارات الجديد في مراوحة مدّتها شهر، إلى حين إصدار المجلس قراره النهائي. يُذكر أن المجلس هنا، بحسب مصادره، لم يحتج إلى إصدار قرار بوقف العمل بقانون الإيجارات، من لحظة تلقيه الطعن، وذلك لأن القانون المذكور، وإن كان أصبح ساري المفعول، إلا أنه ينص على مهلة 6 أشهر قبل بدء التنفيذ الفعلي، ولذلك لا حاجة إلى تجميد العمل به... وبالتالي: «على الجميع أن ينتظر مرور الشهر، وبعدها لكل حادث حديث».

في موازاة ذلك، شهد الشارع، أمس، اعتصامين في منطقتين، بالتوقيت نفسه، الأول للمستأجرين القدامى في منطقة رياض الصلح والثاني للمالكين في منطقة المتحف. كانت السماء تمطر، عند الساعة الخامسة عصر أمس، لكن المعتصمين، من كلا الفريقين، أصرّوا على البقاء في الشارع. التحدي بين الفريقين بات يغلف تحركاتهما، ويكمن القول إن مستوى الخطاب يرقى أحياناً إلى حدّ العداء المعلن، ولم يعد مستغرباً إبداء الطرفين استعداداً لاستخدام العنف في حال «الظلم» أو في حال «عدم الإنصات إلى المطالب». كان المشهد مؤسفاً، أمس، في الشارع. مواطنون ابتلّت ثيابهم بماء المطر، وكانوا يصرخون، بين المتحف ورياض الصلح، في حين كان «نواب الأمة» يجلسون في بيوتهم الدافئة. النواب الذين جنوا على المستأجرين والمالكين، بعدما فشلوا في الخروج بقانون يؤمّن العدالة الاجتماعية، رغم استغراقهم سنوات في دراسته في اللجان النيابية المعنية.

ثمّة أصوات، ما زال صداها منخفضاً، بين المعتصمين، بدأت تنتبه إلى أن كلا الفريقين (المالكين والمستأجرين) هما ضحايا «العبث النيابي». يحاولون التصويب على النواب، واليوم يتوجهون بالخطاب إلى المجلس الدستوري، لاجتراح حل يُجنّبهم الويلات وجولات العنف المرتقب. لكن، في الواقع، أصحاب هذه الأصوات قلة، إذ إن أكثرية المعتصمين ما زالوا ينطلقون من حسابات «المصلحة الخاصة». هؤلاء يجهدون في إسكات كل خطاب، على المنبر أو في الجلسات الخاصة، يريد أن يحمّل النواب مسؤولية «الجريمة» المقترفة، ليرتفع صوت «الغوغاء» أكثر فأكثر. المالكون اليوم غاضبون جداً من الطعن في القانون وإحالته على المجلس الدستوري. هذا الغضب كان عنوان تحركهم أمس في منطقة المتحف، إذ قطعوا الطريق العام لبعض الوقت بواسطة الإطارات المطاطية المشتعلة. هذا أول الغيث، فهذا النوع من الاحتجاج، بواسطة الإطارات المشتعلة، يعدّ تطوراً في تحركات هؤلاء، وهذا ما كان حذّر منه كثيرون في مرحلة سابقة، وبالتالي على الجميع توقّع الأسوأ لاحقاً في حال استمرت الدولة، عبر نوابها، في لعبة «النأي عن الشعب».

في المقابل، كان المستأجرون يصرخون بصوت عال في وسط بيروت، تحت المطر، في ظل حضور لافت لقوى الأمن الداخلي. لم يحصل هناك أي صدام، ولم تقطع الطرقات، لكن النبرة كانت مرتفعة كما في السابق. كتبوا على بعض لافتاتهم كلمات الشكر لرئيس الجمهورية لأنه طعن في القانون، مع عدم معرفتهم بطبيعة المواد المطعون فيها، ولكنهم «يتمسكون بأي أمل لتجميد القانون». حضر في الاعتصام وجيه الدامرجي، وهو أحد المنسقين لهذه التحركات، إلى جانب رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله. المستأجرون ليسوا فريقاً سياسياً، ولا حتى من لون طائفي واحد، لهذا لم يكن غريباً اجتماع أبناء حي اللجا في بيروت بالقادمين من باب التبانة في طرابلس في اعتصام واحد. خلال الفترة الماضية، حاول فريق المالكين وصم فريق المستأجرين بـ«الشيوعية». حاول البعض «شيطنة» تحرك المستأجرين من خلال هذه «التهمة» على فرض أنها تهمة! لهذا، ربما، تعمدت سيدة في الاعتصام أمس أن تتحدث، مشيرة إلى حجابها، ولافتة إلى «إيمانها وصلاتها وصومها». إلى هذا الحد من «الكوميديا السوداء» توصل الدولة مواطنيها!