انتظر 10 نوّاب حتى اليوم الأخير، من المهلة الدستورية، للطعن بقانون الإيجارات الجديد. فعلوها أمس، وما كانوا ليفعلوها لولا أن جال عليهم عدد من المحامين، من الخبراء والعارفين بخطورة القانون، فكان لا بد من حملهم على تقديم الطعن. كان لا بد أن يشرح أحدهم لهؤلاء النواب، أو بالأحرى أكثرهم، ما يُمثّله هذا القانون من خطر على الأمن الاجتماعي.

على كل حال، سُجّل أمس في قلم المجلس الدستوري الطعن الثاني في قانون الإيجارات، بعد الطعن الذي قُدم قبله بيومين من جانب رئيس الجمهورية ميشال سليمان. الطعن الأول كان كافياً، من حيث الشكل، حتى «يجرد» أعضاء المجلس الدستوري مواد القانون برمته، ويحددوا المقبول منها وغير المقبول، لكن طعن النواب يأتي ليزيد في أهمية المسألة، وخاصة أنهم يمثلون السلطة التشريعية.

النواب الذين طعنوا في القانون أمس هم: الوليد سكرية، قاسم هاشم، إيلي ماروني، دوري شمعون، نواف الموسوي، فادي الهبر، نديم الجميّل، زياد أسود، هاغوب بقرادونيان ومروان فارس. ثلاثة نوّاب من «حزب الكتاب»، ونائبان من «كتلة الوفاء للمقاومة». هكذا، المسألة لا علاقة لها بالسياسة، وهي لم تكن كذلك أصلاً، إنما، بحسب أحد النواب المعنيين، كانت «تتسم بطابع طبقي، وذلك منذ أيام دراسة القانون في لجنة الإدارة والعدل، إذ أكثرية النواب آنذاك من المالكين للعقارات، فكان يناسبهم أن يقر القانون انطلاقاً من حساباتهم الشخصية، من دون الالتفات إلى ما يمثله من خطر على المجتمع، بكل ما يعني ذلك من نزوح وتهجير وتشتت أسري».

يُذكر هنا أنه في مقابل تشدد بعض النواب لمصلحة إقرار القانون المذكور، مثل النائب سمير الجسر، الذي كان «يمينياً» في هذا الإطار خلال الجلسة النيابية الشهيرة، كان هناك قلة من النواب الذين عارضوا القانون، وبصوت عال، أبرزهم النائب الوليد سكرية. في تلك الجلسة (يوم إقرار القانون) وقف سكرية وفند الكثير من المواد «الخطيرة» الواردة في النصوص. هو كانت لديه، من قبل، مواقف رافضة للصيغة النهائية حتى أثناء مناقشتها في لجنة الإدارة والعدل. سانده في الجلسة العامة، آنذاك، زميله نواف الموسوي، لكن من دون أن يكون لصوتهما صدى. أثناء كلمة سكرية، انتبه بعض النواب، من مختلف الكتل، إلى خطورة ما يقوله، ليتبيّن أن أكثرهم لم يقرأوا القانون حتى مجرد قراءة عادية! إلى هذا الحد يستخف هؤلاء بحيوات الناس، وهذه من الأشياء التي ما زالت عالقة بذهن سكرية، بحسب ما ذكر لـ«الأخبار». يومها قال النائب نديم الجميّل، الذي وقّع على الطعن أمس، إن كلام سكرية «يستدعي منا التفكير أكثر في الأمر». تلك الجلسة، التي قد تكون من أكثر جلسات مجلس النواب «خفّة» خلال السنوات الماضية، ستبقى تداعياتها، مع أكثر من قانون، لمدة لن تكون قصيرة. لقد أكل النواب يومها الحصرم وسيكون على الناس أن يضرسوا الآن... وإلى ما شاء الله. سيكون الآن أمام المجلس الدستوري مهلة شهر، في حد أقصى، لبتّ الطعنين المقدمين أمامه، وليس على المعنيين اليوم سوى الانتظار.

من جهته، شكر رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، كاسترو عبد الله، النواب الذين طعنوا أمس، وذلك بعد الجهد الذي بذلته اللجان الأهلية في حراكها. ولفت عبد الله في هذا الإطار إلى أن «هذا الطعن يُشكل فرصة للمجلس النيابي لإعادة درس القانون مجدداً، وبالتالي وضع حد للشركات العقارية والسماسرة والمصارف، إضافة إلى ممثلي هؤلاء في المجلس النيابي نفسه... عموماً هي فرصة حتى تنتبه القوى التي تقول إنها تمثل الشعب إلى ما يحدق بالشعب من مخاطر. وهنا أسجل أسفي لعدم رؤية نواب من الحزب التقدمي الاشتراكي يوقعون على الطعن، ويبقى هذا رهن الناس».

أما النائب سكرية، الذي قدم الطعن باسمه، فأشار في حديث مع «الأخبار» إلى أن «ما كان يطبخ في قانون الإيجارات، قبل إقراره، أسوأ بما لا يقاس من نسخته الأخيرة. فلولا أن وقفت في وجههم في اللجنة النيابية أثناء مناقشته لرأينا نسخة أخطر من الحالية. طلبت أن يحال القانون قبل إحالته على الهيئة العامة على اللجان المشتركة، وأن لا يكتفى بمروره بلجنة الإدارة والعدل، وذلك لمزيد من النقاش وأخذ الآراء، ولكن للأسف هذا لم يحصل». يُشار إلى أن النواب طعنوا في دستورية القانون ككل، وذلك في مراجعة من نحو 40 صفحة، وبالتالي سيكون أمام المجلس الدستوري الكثير من العمل والتدقيق في القانون المعقّد أصلاً. يلفت سكرية إلى أنه، فضلاً عن عدم دستورية القانون المذكور، فإنه «كان يُتوقّع أن يتزامن صدوره مع قانون آخر اسمه الإيجار التملكي. كان هذا سيخفف من وطأة القلق بين الناس، ولكنه لم يصدر لسبب غير مفهوم، وبالتالي لا يمكن وليس مسموحاً أن نترك الناس لمصيرهم المجهول. نحن لسنا ضد المالكين، ومع أن يحصلوا على حقهم، ولكن مع هذا القانون، في حال بقائه كما هو، سنكون أمام قضية مهجرين جديدة».