عاد ملف ​التنقيب عن الغاز​ إلى الواجهة من خلال النصائح الأميركية والغربية بضرورة تأمين حزام أمني شديد الفعالية على الساحل اللبناني يسمح للشركات الغربية بالاستثمار الآمن في مجال الغاز بعيدا عن البؤر الأمنية والبيئة الحاضنة للتنظيمات السلفية المتشدّدة معطوفة على التبدلات الحاصلة في عرسال وجرودها لجهة بدء "جبهة النصرة" بالتحرك العلني ومقارعة بيئتها الحاضنة ومنافستها على السيطرة السياسية والاقتصادية، وكلّها أمور تدفع بقوة للتخوف على مستقبل الوضع الأمني في لبنان، خصوصًا أنّ الامن النسبي الذي تعيشه البلاد هو نتيجة قرارات خارجية يمكن أن تتبدّل وفق المصالح الاقليمية وليس حصيلة توافق داخلي يساعد على تحصين الأوضاع في ظلّ الفراغ السياسي المتفاقم والمرشح إلى المزيد من التعميم على أكثر من صعيد.

ما يعزز هذا الاعتقاد بحسب مصادر مواكبة هو سير لبنان والمنطقة على وقع المفاوضات الأميركية الإيرانية من جهة والإيرانية السعودية من جهة ثانية في ظلّ إعلان مباشر عن جولة جديدة من المفاوضات بين واشنطن وطهران في غضون اليومين المقبلين في جنيف، فضلا عن اتصالات سرية تجري على أعلى المستويات في إحدى العواصم الاوروبية من شأنها بلورة الاتفاقات والتسويات المفترضة على صعيد المنطقة برمتها، فحقيقة الأمر أنّ لبنان يسير على وقع المفاوضات الجارية خارج المنطقة ويتأثر بها وينتظر نتائجها، وبالتالي فإنّ الخشية من الوضع الأمني تقع في مكانها الصحيح.

في هذا السياق، كشف سياسي مخضرم عن مضمون تقرير وصله عبر القنوات الدبلوماسية يحذر من التسيب الحاصل في المخيمات الفلسطينية بعد موجة النزوح الفلسطيني من مخيم اليرموك السوري. بيد أنّ الاحصاءات والتقارير تشير إلى نزوح أكثر من سبعين ألف شخص ضمنهم أكثر من ثلاثين ألف بعمر يسمح لهم بحمل السلاح والقتال وهم خضعوا إلى دورات تدريب إضافية داخل المخيمات وانتظموا في خلايا مموّلة من بعض الدول الداعمة للمسلحين السوريين أو الذين يخوضون الحرب ضد الجيش السوري، وهذا وضع يقلق دول الجوار والغرب الراغب في الاستثمار في حقول الغاز المكتشفة لوقوع غالبية المخيمات الفلسطينية خصوصًا عين الحلوة الاكبر والاخطر على الساحل قريبا من بلوكات الغاز، ما ينذر بوضع شروط قاسية متصلة بالحرب على الارهاب قبل الموافقة على فتح ملف الغاز بصورة جادة هادفة إلى البدء الفعلي بالتنقيب والاستخراج وإعداد المنصات التي تشكل أهدافا مباشرة وبمتناول اليد للارهابيين.

ويبدو أنّ الوضع في عرسال وجرودها قارب الخطوط الحمراء في ظلّ ما يُحكى عن بدء "جبهة النصرة" بإقامة حواجز ليلية في الجرود والضغط على البيئة الحاضنة بعد سقوط الآمال بالانسحاب أو الانتقال إلى الجانب السوري بحيث باتت "النصرة" بمكوّناتها وتلاوينها السياسية وأجنحتها العسكرية ضمن فكي كماشة لا يمكن الخروج منها إلا من خلال عرسال نزولا إلى سائر المناطق البقاعية حيث لا بيئة حاضنة ولا دعم مباشر في مشهد يهدّد باندلاع مواجهات انطلاقا من اعتبار "النصرة" أنّها لم تعد تملك شيئا لتخسره ما يفتح الأبواب على الاحتمالات كافة بما فيها فتح جبهات وتوسيع رقعة الانتشار لتشكيل عوامل ضغط سياسية وعسكرية مواكبة للاجواء المشحونة التي تعيشها المخيمات المكتظة بالنازحين والتي باتت تعجّ بخلايا تكفيرية وأخرى سلفية من شأنها إعلادة فتح دفرسوار للخروج التدريجي باتجاه مناطق أكثر قربا من المعابر الاستراتيجية التي يعتمدها "حزب الله" الذي لن يخرج في مطلق الاحوال من زواريب المنطقة الأمنية والسياسية خصوصًا بعد الاعتراف الأميركي بوجوده أولاً وبدوره ثانيا ليس فقط على مستوى لبنان بل المنطقة العربية برمتها.