بعد 4 سنوات من الترميم والتأهيل، تتألق ​قلعة الشقيف​ مجدّدًا لتنفض عن حجارتها غبار الاحتلال الاسرائيلي وتعود معلمًا سياحيًا جنوبيًا يحتضن السواح اللبنانيين والعرب والأجانب بعد طول غياب فرضه احتلالها من قبل اسرائيل لما يزيد عن ربع قرن وتدميرها الممنهج من قبل الجنود الاسرائيليين الذين انسحبوا منها فجر 24 ايار من العام 2000، ثم لتعود اسرائيل وتشن عليها المزيد من الغارات الجوية في عدوانها على لبنان والجنوب في تموز من العام 2006 في استهداف دمر القلعة التي بقيت هيكلا من دون حجارة إلى أن تضافرت الجهود لترميمها مجددا في العام 2010.

ففي 20 آب من العام 2010، تمّ وضع الحجر الاساس لترميم وتأهيل قلعة الشقيف برعاية عقيلة رئيس مجلس النواب السيدة رندة بري وبحضور وزير الثقافة حينها سليم وردة بمنحة من دولة الكويت من خلال الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والعربية ومساهمة من وزارة الثقافة ومجلس الانماء والاعمار.

اليوم انتهت مدة العقد المحددة باربع سنوات لهذه العملية وانتهى المال المخصص لترميم وتأهيل القلعة ومن المقرر أن تسلم الشركة المتعهدة "ورد" القلعة للصندوق الكويتي للتنمية ولمجلس الانماء والاعمار وتقوم بسحب آلياتها ومعدّاتها اعتبارا من 30 الجاري ولمدة 15 يومًا لتتسلم وزارة الثقافة القلعة وقد تم تأهيلها بالكامل وحسب ما هو محدد بالعقد.

نقلة نوعية مرتقبة

وفي هذا الاطار، أكد عضو كتلة "التحرير والتنمية" النائب ​ياسين جابر​ أنّ العمل جار في القلعة، متحدثاً عن نقلة نوعية مرتقبة في هذه القلعة الاثرية التي تعد الثروة السياحية الاساسية لمنطقة جبل عامل وخاصة قضاء النبطية وهي قلعة ذات شهرة عالمية، مشيراً إلى أنّ كثيرين من الزوار الأوروبيين الذين يأتون الى لبنان تشدهم القلعة لزيارتها لانها يقرأون عنها في التاريخ خصوصا الحروب التي جرت في المنطقة مع الصليبين وكذلك المعارك التي شهدتها على ارضها بين العدو الاسرائيلي ورجال المقاومة.

وتمنى جابر أن تنتهي الاعمال لتأهيل وترميم القلعة وتعود نقطة جذب سياحي وتؤدي دورها المرسوم لها مستقبلا، وعند انتهاء اعمال الترميم المسؤولة عنها بشكل اساسي وزارة الثقافة وبالتعاون مع الصندوق الكويتي وجمعية الحفاظ على اثار وتراث الجنوب سيكون هناك دور لوزارة السياحة في موضوع تشجيع السياحة الى القلعة ومن المطلوب وبالتأكيد ان يكون هناك قوى امنية تتولى حراسة هذه القلعة ومن يقوم بتأمين ترتيب الزيارات لها كأي موقع سياحي لبناني اخر.

لمرحلة ثانية من التأهيل

بدوره، لفت رئيس بلدية ارنون فواز قاطبي إلى أنّ ملف ترميم القلعة حملته عقيلة رئيس مجلس النواب السيدة رندة بري بصفتها رئيسة جمعية الحفاظ على اثار وتراث الجنوب، وإذ توجّه بالشكر لكل من ساهم باعادة احياء اهمية هذا المعلم السياحي، أكد أنّ البلدية ستطالب المعنيين بمرحلة ثانية من التأهيل تشمل تنظيف محيط القلعة من ردميات وسواتر ترابية تركها العدو الاسرائيلي عند انسحابه منها في ايار من العام 2000، كما ستطالب أيضًا محافظ النبطية القاضي محمود المولى باقامة نقطة ثابتة للدرك في القلعة التي ستكون موئلا للزوار والتي ستضاء خلال الليل، بما فيها ممراتها والطوابق السفلية.

وأكد قاطبي أهمية القلعة واعتبارها من أهم المعالم السياحية في لبنان من حيث موقعها الاستراتيجي الجغرافي المطلّ على الساحل وفلسطين وسوريا وموقعها التاريخي الذي شهد على حروب عدة، وقال: "تعرضت القلعة للتخريب من جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث تمّ قصفها مرات عدّة قبل اجتياح العام 1982، ثم استخدمت كمركز عسكري للعدو، ومن ثم قام الإسرائيليون بتفجيرها في العام 2000، وأعادوا قصفها في حرب 2006، وأدت الغارات والقصف المدفعي إلى تدمير البرج الرئيسي والجدران الخارجية للقلعة، ما أدى إلى تغيير شكلها الهندسي، علمًا أنّ الخندق الذي حفره الصليبيون، والذي يهدف إلى تأمين مركز دفاع عن القلعة ردمه الإسرائيليون أولاً بالاسمنت ثم شيّدوا تحصينات في داخله".

موقع استراتيجي وأهمية تاريخية

تبعد قلعة الشقيف كيلومترًا واحدًا عن أرنون، وهي تشرف على نهر الليطاني وسهل مرجعيون ومنطقة النبطية، وتطل على سوريا وتشرف من الشمال على فلسطين، وهي كغيرها من القلاع، بدأت كبرج صغير في عهد الفينيقيين قبل الميلاد وتطورت على يد الرومان والصليبيين ورممها الامير فخر الدين المعني الثاني في عهده، إلى أن أصبحت قلعة حصينة.

وتعتبر قلعة الشقيف واحدة من اهم القلاع في لبنان لناحية موقعها الاستراتيجي وتركيبها البنيوي المعقد اضافة الى اهميتها التاريخية والاثرية لتعاقب العديد من الحضارات عليها.

تتربع قلعة الشقيف على كتف بلدة ارنون وتطل على شمال فلسطين ومنطقة مرجعيون ونهر الليطاني بما يعرف بمنطقة الخردلي مرورا باقليم التفاح ومنطقة النبطية وصولا الى الساحل الجنوبي.

في أواخر آب من العام 2010 تم وضع حجر الاساس لمشروع ترميم وتاهيل القلعة بمنحة من دولة الكويت ومساهمة لبنان من خلال وزارة الثقافة ومجلس الانماء والاعمار ويهدف المشروع الى اعادة كشف معالم القلعة من جهة وترميمها من جهة أخرى. وتتكون قلعة الشقيف بالأساس من ستة طوابق أربعة منها ما زالت موجودة والطابق الخامس لم يتبق منه سوى بعض الجدران والطابق السادس لا وجود له اضافة الى بعض الابراج المحيطة بها.

معايير علمية محدّدة

وقال رئيس جمعية "قريتي للتنمية والبيئة" في أرنون علي حنون أنّ أبشع ما تعرضت له قلعة الشقيف من تشويه وتخريب هو خلال احتلالها من قبل العدوالاسرائيلي حيث ساهم تحرك الآليات العسكرية في باحتها بتشقق جدرانها اضافة الى العبث بمحتوياتها الاثرية وكذلك ابان قصفها خلال التحرير عام 2000 وخلال عدوان تموز عام 2006، لافتاً إلى أنّ أخطر ما قام به العدو الاسرائيلي في القلعة هو ردم الخندق الاثري المحيط بها واخفاء معالمه بالاسمنت المسلح وبناء الدشم العسكرية عليه.

ومن هنا، رأى أنّ عملية اعادة ترميم القلعة وتأهيلها ليست بالمهمة السهلة، موضحاً أنها خضعت الى معايير علمية محددة، فعملية رفع الانقاض من الطوابق الاربعة واعادة كشف معالمها وغرفها كانت بشكل يدوي اعتمد على الثبر والتنقيب وترافق مع تصوير وتوثيق كل ما يتم ازالته وغالبا ما تم اكتشاف بعض القطع الاثرية خلال عملية التنقيب اضافة الى الاسلحة والذخائر القديمة.

اما الجدران والابراج فتم العمل على اعادة تاهيلها وبنائها من احجار القلعة المتوفرة والتي يبلغ وزن بعضها الـ 2500 كلغ بعد دراسة شكلها وحجمها واعتمادا على بعض الصور القديمة المتوفرة للقلعة، وجميع الفرق العاملة في المشروع هي فرق متخصصة يواكبها خبراء آثار لبنانيون يتواجدون بشكل يومي ويعملون على توثيق كل ما يتم اكتشافه بالتنسيق مع مديرية الآثار ووزارة الثقافة.

هل تأخذ القلعة حقها؟

وفي معلومات خاصة لـ"النشرة" أنّ مشروع الترميم والتأهيل تضمّن اقامة ممرات آمنة للزوار داخل القلعة وتشييد مبنى جانبي لاستقبال الزوار وقاعة لعرض اللوحات والمقتنيات الاثرية التي تؤرخ للقلعة وما تعاقب عليها من أحداث وحضارات ومواقف للسيارات والباصات اضافة الى انارة القلعة ومحيطها بنظام اضاءة يعتمد على الطاقة الشمسية.

وفور انجاز المشروع سيتم تسليم القلعة لوزارة الثقافة في 30-6-2014. وهنا يأمل أهالي المنطقة بشكل عام وأهالي بلدة أرنون بشكل خاص أن تاخذ قلعة الشقيف حقها وتدخل في كتب الجغرافيا كواحدة من المواقع الاثرية في لبنان وأن توليها وزارة السياحة اضافة الى وزارة الثقافة الاهتمام الكافي لتصبح مقصدا للسياحة الداخلية وللسواح العرب والاجانب لما في ذلك من تاثيرات ايجابية على المنطقة.

ويبقى السؤال: هل فعلا ستصبح قلعة الشقيف بعد الانتهاء كليا من ترميمها وتأهيلها واحدة من المواقع الاثرية المقصودة في لبنان تروي لزائريها قصصا عن التاريخ والبطولة وعن بربرية عدو اسرائيلي وطأت قدماه ارضها فعاث فيها خرابا وظلما وعن شهداء سقطوا وهم يدافعون عنها قاتلوا المحتل بالسلاح الابيض؟