عادت دولة الخلافة الإسلامية بعد سقوطها الأخير منذ أكثر من قرن لتطرح أكثر من مفارقة إقليمية ودولية في ظلّ علامات استفهام حول عمرها المفترض وما إذا كانت ستتمتّع بمقوّمات دولة وما إذا كانت ستحظى باعتراف الدول العربية والاجنبية وما إلى ذلك من أسئلة متعلقة بمقوّمات الدولة.

ولكن، وبرأي دبلوماسي شرقي، فإنّ أكثر ما يمكن أن ينتجه إعلان دولة الخلافة هو التأسيس للاعتراف بالدولة الكردية الجديدة بعد أن نجحت في ضمّ كركوك إلى حدودها بما يعني أنها باتت تتمتع بمقوّمات دولة تستطيع أن تبني اقتصاداتها على منظومة النفط، فضلا عن إزكاء نار الخلافات المذهبية والاتنية في العالمين العربي والاسلامي، باعتبار أنّ ما يحصل في العراق اليوم هو تكرار للمشهد المصري حين تمكن "​الإخوان المسلمون​" من الوصول إلى الحكم بعد جهود استمرّت منذ عشرينات القرن الماضي إلا لم يصمدوا لأكثر من سنةٍ واحدة بعدما عجزوا عن تقديم البدائل الشعبية والسياسية التي تتماشى مع العولمتين السياسية والاقتصادية.

وفي سياق متصل، يكشف الدبلوماسي أنّ واشنطن بدأت بتشكيل رأس حربة عربية خليجية لضرب منظومة الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" وهي تتواصل بشكل جدي مع حلفائها الأوروبيين والغربيين لتحديد الأطر والخطوط العريضة لاعادة رسم الخطوط الحمراء والسقوف المسموح بالعمل تحتها لابقاء الخطر في معاقله وعدم اتساعه باتجاه الدول الاوروبية المتاخمة لتركيا، إضافة إلى البحث في كيفية العمل على استئصال آفة الارهاب بعد أن خرجت من معاقلها وبدأت تضرب دولاً عربية حليفة للغرب. بيد أنّ واشنطن سارعت إلى إيفاد مستشارين وخبراء امنيين بلغ عددهم أكثر من ثلاثمئة خبير وضابط للعمل على إبعاد الخطر "الداعشي" عن الأردن والمملكة العربية السعودية لأسبابٍ استراتيجية تتعلق بأمن إسرائيل من خلال المحافظة على الستاتيكو بين عمان وتل ابيب، وكون الثانية تمتلك احتياطيا نفطيا استراتيجيا لا يمكن رميه بين أيدي منظمات متطرفة وتكفيرية لا تقيم وزنا لمصالح الغرب ولا للعالم المسيحي الممتد على طول الخريطتين الاميركية والاوروبية.

إلا أنّ هذا لا يعني، بحسب المصدر، أنّ واشنطن تعمل بمعزل عن ​روسيا​ أقله في هذا الملف تحديدًا، بدليل غضّ النظر عن سرعة تسليم موسكو لخمس طائرات سوخوي لسلاح الجو العراقي تنفيذا لعقد بلغت قيمته خمسين مليون دولار، بحيث أنّ سرعة التسليم غير المعهودة في عالم تجارة السلاح تؤكد على مطلب السرعة للحد من تفاقم الدولة الاسلامية وسرعة اتساعها وامتداداتها في ظل صمت خليجي ينمّ إما عن موافقة ضمنية لما يحصل أو خوفًا على المستقبل القريب، أو أنها تعد نفسها للانخراط في حرب ضد الارهاب مع ترجيح الفرضية الاخيرة، لاسيما أنّ خطر "داعش" بدأ يتوسع باتجاه الدول الاسلامية السنية بعيدا عن الجغراقيا الشيعية المتصلة بايران ومنظومتها والمحور الذي تعمل على تأسيسه.

ويؤسّس هذا الواقع إلى واحد من احتمالين، أولهما إطلاق حرب جديدة على الارهاب وحصر الدولة الاسلامية في حدود جيوسياسية معزولة عن منابع النفط من جهة وعن المعابر البحرية من جهة ثانية ومثل هذه الدولة لا يمكن لها ان تعيش طويلا بل تكتفي باشعال فتنة محدودة التداعيات تقتصر على حروب استنزاف طويلة الامد تشغل الدول العربية ولا تغير في موازين القوى الاقليمية والدولية. أما الاحتمال الثاني فيتركز على تسوية أميركية روسية إيرانية يتمّ الاعداد لها على نار حامية على أن تنتج في نهايتها مشهدا جديدا بالكامل يتصل بمستقبل الخريطتين السياسية والعسكرية للعالمين العربي والاسلامي على قاعدة إنتاج تحالف أقليات توازي بقوتها المعنوية والسياسية حجم الانفلاش الاقتصادي والديمغرافي السني للابقاء على التوازنات القديمة مع تعديلات طفيفة تصب في خانة الحفاظ على المصالح الدولية المشتركة.