تُطرح مجموعة من الأسئلة، في هذه الأيام، حول الأسباب التي أدّت إلى إنتشار الأفكار الإسلامية المتطرفة بشكل واسع، لا سيما في منطقة المشرق العربي ذات التنوّع الثقافي والديني الكبير، في ظل انعدام للمرجعية الدينية الفاعلة، ما يؤدي إلى سيطرة حالة من اللاوعي عند البعض توصلهم إلى مرحلة الإنضمام لجماعات كـ"​جبهة النصرة​" و"داعش".

وفي ظل المخاوف التي تسيطر على المجتمعات المجاورة، بات من الضروري البحث عن أي حل يؤمن لأي مواطن الحق في حياة طبيعية، بعيداً عن التهديد بالقتل لمجرد الإختلاف مع الآخر بالإنتماء الديني أو الثقافي.

غياب المرجعية

على رأس العوامل التي تؤدّي إلى الفوضى في أي بيئة، يأتي غياب المرجعية الفاعلة، سواء كانت دينية أم سياسية أم إجتماعية أم إدارية، وفي هذا السياق، يعتبر إمام مسجد القدس الشيخ ​ماهر حمود​ أنّ غياب المرجعية هو سببٌ أساسيٌ من أسباب الحالة القائمة حالياً على الساحة الإسلامية، ويرى أنه لو كان هناك شخصية أو مؤسسة لها رأيها الفاعل لتمكنت من لجم "التهريج" الحاصل، ويشير إلى أنّ من الأسباب أيضاً الهزائم العربية المتتالية وهزيمة القومية العربية واليسار الذي ترك فراغاً كبيراً، بالإضافة إلى تقدم الفكر الشيعي على صعيد تبني قضايا الأمة العادلة، نظراً إلى أنه لدى بعض الجماعات المتطرفة "عقدة" بسبب ثقافتها التي تمنعها من الإعتراف بأي إسلام آخر سواء كان ذلك سنياً أم شيعياً.

ولا يهمل الشيخ حمود، في حديث لـ"النشرة"، عامل الدعم المخابراتي من قبل بعض الدول، السرّي أو العلني، ويؤكد أنّ هذه الظاهرة ما كانت لتظهر لولا هذا الدعم الكبير الذي بات واضحاً، بالإضافة إلى أخطاء الحكومات التي تعطي مبرراً لمثل هذه الجماعات.

من جانبه، يوافق الكاتب والمحلل السياسي ​قاسم قصير​ على أنّ غياب المرجعية عاملٌ أساسيٌ في بروز هذه الظاهرة، ويلفت إلى أنّ هذا الأمر يؤدي إلى بروز الكثير من الجماعات التي لكل منها أمير يعتبر نفسه مرجعاً صالحاً لإصدار الفتاوى والأحكام.

بالإضافة إلى ذلك، يشير قصير، في حديث لـ"النشرة"، إلى غياب الشرعية بالنسبة إلى بعض الدول والمؤسسات، حيث هناك تنازعٌ على الشرعية الدينية والسياسية في أكثر من مكان، الأمر الذي من الممكن إستغلاله من قبل بعض الجماعات التي تذهب إلى تأمين حاجات الأفراد الضرورية، وتصبح بالتالي الشرعيتان الدينية والسياسية مرتبطتين بها.

الإصلاح ضرورة

أمام هذا الواقع، لا يبدو أن هناك من سبيل لمعالجة الأزمة القائمة إلا من خلال البحث الجدي عن حلول جذرية، من المفترض أن تكون رداً واضحاً على المفاهيم التي تغزو المجتمعات المتعددة.

وفي هذا الإطار، يشير الشيخ حمود إلى أن المرجعيات الأساسية عند السنّة هي الأزهر والسعودية، ويوضح أن الأول تعرّض لتحجيم دوره مع إقرار قانون تحديث الأزهر في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، في حين أن الثانية التي تمثل الفكر الوهابي تعتمد على المال من أجل نشر تعاليمها.

ولا يرى الشيخ حمود أن هناك علاجاً قادراً على وضع حدّ للحالة القائمة في الوقت الحالي، بسبب غياب المرجعية القادرة على القيام بذلك، ويلفت إلى أن "الإخوان المسلمين" كان من الممكن أن يشكلوا رافعة على هذا الصعيد لكنهم فشلوا، ويعتبر أن الموضوع بات بحاجة إلى معجزة إلهية تؤدي إلى عملية إصلاح أو إنتفاضة، ويشير إلى أن الواقع الحالي من الممكن أن يكون دافعاً لها.

بدوره، يلفت قصير إلى أن هناك محاولات عديدة برزت من أجل إصلاح الأمور وإيجاد مرجعية مركزية، لكنه يشير إلى أن كل هذه المحاولات إصطدمت بالصراع على الشرعية، ويعتبر أن الحل يمكن أن يكون من خلال إجراء مراجعة دقيقية والفصل بين الشقين السياسي والديني، ويرى أن هناك حاجة لإصلاح ديني.

ويشير قصير إلى أنه عبر ذلك تكون إدارة شؤون المواطنين من خلال الدولة العادلة التي تؤمن الحاجات الضرورية لكل فرد.

في المحصلة، الأسباب التي أدت إلى بروز "داعش" وإخوتها لا تقتصر على مؤامرة خارجية فقط، فهم نتيجة عوامل متعددة أبرزها غياب الهوية الوطنية الموحدة والجامعة وغياب المرجعية الدينية والمدنية التي تحمي المواطنين، فهل من سبيل للخروج من الأزمة بأقل قدر من الخسائر؟