يُخطئ من يظنّ أنّ الولايات المتحدة تفاجأت بأحداث العراق وبتقدّم جيش الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" في الميدان، فالمخابرات التابعة لها والناشطة في العراق منذ عقود أبلغت السفارة الأميركية في بغداد بتفاصيل خطة عمل "داعش"، كما زوّدت الخارجية الأميركية بالتقارير الوافية التي تحدّد مكامن الضعف والقوة لدى الجيش العراقي كما لدى التكفيريين وحذرت من عمل أمني تعدّه "داعش" وتخطط له بشكل لا تنقصه الحرفية، حتى أنّ التقارير المرسلة من قبل المخابرات الأميركية لقادتها شككت بالمبالغ التي استولت عليها التنظيمات المسلحة من مصارف الموصل، ورجّحت أن تكون أضعاف المعلن عنها أو المصرّح بها، عدا عن سبائك الذهب التي كانت مودعة بعلم من الدولة العراقية وحكومتها المركزية، فضلا عن المعدّات العسكرية وماهيتها ونوعيتها وهي أسلحة أميركية الصنع يمكن إدراجها في خانة الأسلحة الاستراتيجية أو الفتاكة.

هذا الكلام جاء على لسان سفير غربي فاعل وناشط على الساحة الاقليمية وقد ساقه خلال مأدبة عشاء خاصة جمعته بسياسي لبناني مخضرم وعدد محدود من زملائه، حيث أعرب عن اعتقاده بأنّ التسوية الأساسية يتمّ إنضاجها على نار "داعشية" بامتياز من دون أن يعني ذلك أنّ الحرب ستنتهي في غضون أسابيع أو أشهر إنما ستتحوّل إلى مادةٍ دسمةٍ تدرج على طاولة المفاوضات وبازار التسويات من خلال عمليات مد وحزر طويلة الأمد ستنتهي بحسب البرنامج الأميركي إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة برمتها. فواشنطن هي التي رسمت حدود اللعبة وأدوار الدول الخليجية الدائرة في فلكها، وما شهدته الأيام الأخيرة من تبديلات في مراكز القرار الرسمي السعودي ليس سوى تلبية لنصائحها، كما أنّ ما تمرّ به الساحة السورية من متغيّرات بدأت مع الحرب على "داعش" في الغوطة الدمشقية والتي يتوقع أن تمتد الى حلب والرقة يتمّ بعلم يقين من إدارة الرئيس باراك اوباما.

ويشير الدبلوماسي المذكور إلى أنّ التبديلات في المواقع السعودية تحمل مؤشرات قد لا يفهمها إلا الخبراء بكيفية التعاطي الأميركي مع الأزمات الطارئة خصوصًا أنّ عودة الأمير بندر بن سلطان إلى دائرة الضوء لا تعني أبدًا عودته إلى مركز القرار، إنما لإبقاء خط تواصل دائم مع واشنطن عبره، فضلا عن تشابه الأسماء بالنسبة لتعيين خالد بن بندر قائدا للمخابرات ما دفع إلى الاعتقاد بعودة بندر بن سلطان فخالد بن بندر هو ابن عم بندر بن سلطان وهو من جماعة ولي العهد الثاني مقرن بن عبد العزيز المتخاصم سياسيًا مع بندر بن سلطان، وبالتالي فإنّ هذا التحول يشير إلى تحولات في طريقة قيادة العمليات الخارجية.

ويشدّد السفير المعني على ضرورة التوقف عند التصريحات الأميركية التي تشدّد على وجوب تحديد تلك المصالح الاستراتيجية التي تتمحور حول النفط فقط لا غير في ظل براغماتية أميركية لا تقيم وزنا سوى للقادرين على حماية هذه المصالح، بيد أنّه يلفت إلى أنّ "داعش" غير مدرجة حتمًا على لائحة الافرقاء القادرين على ضمان الحماية، وبالتالي فإنّ واشنطن ستعمد عاجلا أم آجلا إلى ضرب هذه الحركة عسكريًا من خلال ضربات جوية استراتيجية تمنعها من تحقيق أهداف طويلة الأمد وسياسيًا من خلال تقطيع أوصال الدول الداعمة لدولة الخلافة. وما الدليل على ذلك سوى ما تمّ تسريبه عن لقاء بين الملك الأردني عبد الله الثاني وزعماء العشائر وهو يركز على إخطار داعش بعد أن شارفت الحرب السورية على نهايتها بعد أن توقع أنّ هذه النهاية ستكون في غضون سنة واحدة ما يعني انتقال الخطر إلى دوائر أخرى أكثر ضيقا ولا تتمتع بهوامش واسعة، وكلّ ذلك لإنضاج طبخة الدويلات التي قد لا تبصر النور في ظلّ مواقف روسية وصينية لا تتقاطع مع المصالح الأميركية الاقتصادية والاستراتيجية.