في ظل التهديدات الأمنية المرتفعة على أكثر من صعيد، يبدو أنّ لبنان سيكون على موعد مع تهديدات من نوع آخر تتعلق بأمنهم المعيشي على الصعيد المائي، خلال الأشهر القليلة المقبلة، وقد بدأت معالمها بالظهور منذ الآن على نطاق واسع، في ضوء التحذيرات من أزمة مياه تتجلى في غير منطقة من لبنان.

من هذا المنطلق، لن تكون تهديدات "داعش" الأمنية وحدها التي تقلق اللبنانيين خلال فصل الصيف، لأن الخطر القادم من "داعش" المائية سيكون أكبر، خصوصاً في حال لم تنجح السلطات المعنية في ضبط السوق السوداء التي تباع من خلالها المياه عبر الصهاريج التي تجتاح الشوارع، مع العلم أن الأسعار سترتفع أكثر في ظل الحديث عن المخاوف بطريقة مبالغ فيها.

الأوضاع صعبة ولكن

لا يمكن الحديث عن الأوضاع المائية، في هذه الأيام، مع أي من المختصين من دون أن يأتي التأكيد مباشرة على أنّ الأزمة المرتقبة صعبة جداً، لكن معظمهم يشيرون إلى أن البدء بالبحث عن الحلول كان من المفترض أن ينطلق منذ أشهر لا اليوم، خصوصاً أنّ كلّ المؤشرات كانت تدلّ على أنّ الأمور في فصل الصيف لن تكون على أفضل حال، وبالتالي كان من الواجب أن تكون مختلف أجهزة الدولة جاهزة لمواجهة هذه الأزمة.

وفي هذا السياق، يؤكد النائب السابق ​ناصر نصرالله​، في حديث لـ"النشرة"، أن الأوضاع صعبة، خصوصاً أن الكميات المتوفرة لإيصالها إلى المواطنين قليلة جداً بسبب غياب الإجراءات اللازمة لفترة طويلة، بالإضافة إلى التعديات العشوائية الكبيرة على الحوض الجوفي، ويشير إلى أن هذا الأخير كان من المفترض أن يكون خزاناً لنا في الفترات الصعبة، وعلى الساحل هناك نسبة عالية من الملوحة والتكلّس في المياه، وبالتالي فهي غير سليمة من ناحية النوعية.

من وجهة نظر نصرالله، فإنّ لبنان في أزمة كبيرة، وكان المطلوب تشكيل خلية لمتابعة الموضوع منذ 4 أو 5 أشهر لوضع خطط المواجهة، ولذا يعرب عن أسفه لأن هذا الأمر لم يحصل، إلا أنه يؤكد أن خطر فقدان المياه ليس موجودًا، ويعتبر أن الدولة قادرة على القيام بالكثير من الخطوات.

بدوره، يعتبر الأستاذ الجامعي المتخصص بالكوراث الطبيعية الدكتور علي حيدر، في حديث لـ"النشرة"، أن الأوضاع يوماً بعد يوم تزداد سوءًا، لكنه يشير إلى أن ليس هناك أي دراسة واضحة تؤكد أننا سنصل إلى مرحلة لا نجد فيها مياهاً في الآبار، ويرى أن إطلاق الصرخة من اليوم سوف يكون دافعاً لكي تقدم الشركات على رفع الأسعار بشكل كبير، ويلفت إلى أن ما يمكن التأكيد عليه هو أن الأمطار تساقطت هذا العام بنسبة أقل من السنوات العادية ما يعني أن كمية المياه المتوفرة أقل، وبالتالي المشكلة موجودة وصعبة لكن يجب عدم الوقوع في الفخ التجاري.

ويوضح حيدر أن المصدر الأساس للمياه في لبنان هو الأمطار، وبالتالي الموضوع في السنوات المقبلة متوقف على الكمية التي ستتساقط، لكن هناك أزمة هذا العام وهناك واجبات على الدولة يجب القيام بها من أجل تخفيف المعاناة عن كاهل المواطنين.

من جانبه، في ضوء توقع تطور حالة النقص في المياه الى مستوى الكارثة الحقيقية في أواخر شهر آب وصولاً إلى ايلول وتشرين الاول، يؤكد عضو لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه النائب ​محمد الحجار​، في حديث لـ"النشرة"، متابعة الموضوع من قبل اللجنة بشكل جدي، ويتحدث عن إجتماعات تعقد لهذه الغاية، ومنها إجتماع سيعقد بحضور وزير الطاقة والمياه أرتور نظريان والمعنيين يوم الأربعاء المقبل.

ولا ينفي النائب الحجار وجود مشكلة كبيرة، ويوضح أن لبنان يعاني من هذا الموضوع منذ سنوات، فكيف الحال هذا العام حيث إنخفضت كمية الأمطار المتساقطة بنسبة كبيرة عن المعدل العام، ويلفت إلى أن الهدف هو السعي إلى الحد من الآثار السلبية لأن الكارثة موجودة.

ماذا عن الحلول؟

وأمام هذا الواقع الصعب، لا يكفي الحديث عن المشكلة، لأن المطلوب البحث جدياً عن حلول على المدى القصير والطويل، خصوصاً أن ترك الأمور لعمليات بيع المياه في السوق السوداء بطريقة يستغل فيها المواطن إلى حد بعيد أمر غير مقبول على الإطلاق، وبالتالي المطلوب بشكل أساسي أن تعمد الدولة إلى التنظيم في حال لم تكن قادرة على وضع الحلول.

حول هذا الموضوع، يؤكد نصرالله أن المطلوب بشكل أساسي أن يكون هناك ترشيد في الإستعمال، لكنه يعرب عن أسفه لعدم وجود أي تحرك جدي يبلسم الجراح على الأقل، ويعتبر أن من الواجب أن يكون هناك إستراتجية مائية، ويشدد على أن التلوث الحاصل هو الخطر الأكبر على المياه في لبنان، ويضيف: "تم إنشاء بحيرة القرعون من أجل تجميع المياه لكن لم يتم منع تلوثها".

ويشير نصرالله إلى أن الحكومة قادرة على تشكيل خلية أزمة تستطيع المواجهة وأخذ القرار، ويلفت إلى ضرورة ضبط بيع المياه عبر الصهاريج إلى المواطنين بطريقة تمنع الإستغلال والإبتزاز، بالإضافة إلى إطلاق برامج توعية وتوجيه تشعر الناس أن هناك من هو مهتم، ومن ثم البدء بالبحث عن حلول على المدى الطويل.

من جانبه، يوضح حيدر أن هناك حلولاً على المدى القصير، تبدأ عبر مراجعة والحد من إستخدام المياه لأهداف زراعية وصناعية، وإقامة البرك والسدود على المدى الطويل، بالرغم من تأكيده على وجود محاذير متعلقة بهذا الموضوع.

كما يدعو حيدر إلى إقامة محطات لتكرير المياه المبتذلة، ويلفت إلى أنها من الممكن أن تستخدم في ري المزروعات، بالإضافة إلى التوجه نحو المزروعات المقاومة للجفاف، أي تلك التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، ويؤكّد وجود ثروة كبيرة تهدر في البحار من ينابيع ونوافير موجودة تحت البحر، ويرى أن الأزمة الكبيرة هي في الأساس بحفر الآبار الجوفية بشكل عشوائي من قبل المواطنين، الأمر الذي أدى إلى صعوبة مراقبتها، وبالتالي قد يكون من الواجب رفع عدد الموظفين في الوزارة من أجل القيام بهذه المهمة.

أما النائب الحجار، فيرى أنّ الحلّ للأزمة الحالية قد يكون من خلال توعية إعلامية وعملية ترشيد في الإستخدام لأن لا حلول جذرية متاحة حالياً، على أن تطال هذه العملية المواطنين والشركات المعنية بالتوزيع.

من ناحية أخرى، يوضح الحجار أن موضوع تنظيم عملية توزيع المياه عبر الصهاريج سيكون مطروحاً في جلسات اللجنة، لمنع إستغلال المواطنين خلال هذه الأزمة، ويؤكد أن اللجنة ستقوم بواجباتها لكن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق السلطة التنفيذية التي لديها سلطة الضبط والمنع والتنفيذ، لكنه يؤكد أنها سترفع الصوت عالياً لحماية الناس، ويضيف: "لا شك لدينا صعوبات لكننا قادرون من خلال التوصيات والإرادة على توعية المواطنين والتخفيف من النتائج السلبية إلى الحد الأدنى".

إذاً، في حال لم تقدّم السلطات المعنيّة على وضع خطةٍ تساعد اللبنانيين على مواجهة هذه الكارثة، سيكون لبنان على موعد مع "داعش" مائية خلال الأشهر القليلة المقبلة، وتداعياتها قد تكون أكبر من "داعش" الإرهابية.