كما هي العادة في كل آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، يحضر "يوم القدس العالمي" الذي كان قد أطلقه قائد ومفجّر الثورة الإسلامية المباركة في إيران، الإمام روح الله الموسوي الخميني، الذي كان أول عمل قامت به هذه الثورة المجيدة، إلغاء سفارة الكيان الصهيوني، وجعْلها سفارة لدولة فلسطين، ومن ثم كان إعلان الإمام الخميني يوم القدس العالمي، كحدث بارز ودائم لتذكير المسلمين والعالم بقضية فلسطين، ومنعها من الدخول في النسيان.

قد يكون ضرورياً هنا التذكير بموعد إعلان هذا اليوم الذي جاء في شهر آب عام 1979، بعد أن أخذت القضية الفلسطينية تتعرض للمخاطر جراء زيارة أنور السادات للقدس المحتلة عام 1977 واعترافه بالكيان الصهيوني، وبعد توقيعه في العام 1979 اتفاقية كامب دايفيد، وبعد إسقاط صدام حسين بعد انقلابه على ابن عمه حسن البكر، "الميثاق القومي" الذي كان قد وقّعه الأخير مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، كردّ على اتفاقية "الكامب" المذلّة.

إذاً، هذا الإعلان في مثل تلك الظروف، جاء ليؤكد أن القدس وفلسطين ستبقى أولى القبلتيْن وبوصلة الشعوب الإسلامية، لأن الامام الخميني ظل على الدوام يؤكد على منسوجات القيَم والمبادئ والمرتكزات حول القدس وفلسطين، وما يراد من خطط شيطانية بالأمتيْن العربية والإسلامية، وبهذا قال في يوم الإعلان الشهير: "وإنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين. لسنوات عديدة، قمت بتحذير المسلمين من الخطر الذي تشكله إسرائيل الغاصبة والتي اليوم تكثف هجماتها الوحشية ضد الإخوة والأخوات الفلسطينيين، والتي هي، في جنوب لبنان على وجه الخصوص، مستمرة في قصف منازل الفلسطينيين على أمل سحق النضال الفلسطيني. وأطلب من جميع المسلمين في العالم والحكومات الإسلامية على العمل معاً لقطع يد هذه الغاصبة ومؤيديها. وإنني أدعو جميع المسلمين في العالم لتحديد واختيار يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة في شهر رمضان الكريم - الذي هو في حد ذاته فترة محددة يمكن أيضاً أن يكون العامل المحدد لمصير الشعب الفلسطيني - وخلال حفل يدل على تضامن المسلمين في جميع أنحاء العالم، تعلن تأييدها للحقوق المشروعة للشعب المسلم. أسأل الله العلي القدير أن ينصر المسلمين على الكافرين".

لقد حدّد إعلان اليوم العالمي للقدس من قبل الإمام الخميني (قدس سره) موقف الثورة الإسلامية في إطار مشروع استراتيجي للتصدي لمخططات الصهاينة التي تستهدف القضاء على الشعب الفلسطيني، وإزالة كل المظاهر الإسلامية في هذه الأرض المقدسة، ولا يخفى أن مثل هذه الخطوة تشير إلى حنكة سياسية لقائد فذ، حيث استطاعت مبادرته هذه أن تنقل تسوية الأزمة وإدارتها من المستوى الحكومي والرسمي إلى أوساط الشعوب والجماهير، والاستحواذ على توجهات الرأي العام العالمي.

يوم القدس العالمي أخرج القضية الفلسطينية من إطارها القومي الضيق، وأضفى عليها بُعداً إسلامياً وعالمياً، فكما هو واضح فإن الكيان الصهيوني كان يحرص دائماً على إظهار الصراع وكأنه صراع عربي - "إسرائيلي"، وفي الفترة الأخيرة حاول جعله صراعاً فلسطينياً - "إسرائيلياً"، غير أنه ومع إعلان الإمام الخميني عن هذا اليوم نُفخت روح جديدة في الجانب الإسلامي، وقد أدى ذلك لأن يفكر المجاهدون الفلسطينيون بالخيار الإسلامي، وبخيار المقاومة بديلاً عن خيار المساومة.

إن دعم الإمام الخميني ومساندته الفلسطينيين علّمتهم أنه بوسع الشعب القيام والنهوض إذا ما استلهم تعاليم الإسلام، وتحقيق النصر، رغم أن تحرير القدس من مخالب الكيان الصهيوني بحاجة إلى وقت ليس أكثر.

ربما كان ضرورياً أخيراً التأكيد على أن الإعلان الإيراني عن دعم فلسطين كأولوية مطلقة لم يكن مجرد شعار وكلام، فهو تُرجم فعلياً وعملياً بدعم المقاومات بمختلف الأشكال والوسائل، فلنتذكر الانتصار الكبير الذي حقّقه لبنان في أيار 2000 على العدو "الإسرائيلي"، وكل المواجهات البطولية العظيمة للمقاومة الإسلامية مع هذا العدو منذ العام 1982.

ولنتذكر الانتصار العظيم لهذه المقاومة في تموز - آب 2006، ولنتذكر المواجهات البطولية للمقاومة الفلسطينية في غزة مع العدو في 2008 - 2009 و2012، وما قبلها وما بعدها.

تابعوا الآن صواريخ المقاومة كيف تدكّ العمق الصهيوني، ولا تنسوا الطائرات من دون طيار.. إنه بعض بركات إعلان الإمام الخميني عن يوم القدس العالمي.. إنه من بركات الثورة الإسلامية.