أشار السيد علي فضل الله الى ان "الاسلامرسم قاعدة العلاقة مع المسيحيين استنادا إلى العناصر المشتركة التي تحكم علاقتهما ببعضهما البعض، والتي ينبغي أن تدفعهما إلى بناء مشروع عمل واحد، إن تحقَّق سيساهم في إذابة الجليد أو التوتر الذي ينتجه الخلاف في اللاهوت وغيره"، مؤكداً ان "الإسلام لم يكره المسيحيين على التخلي عن خصوصياتهم العقدية والثقافية، بل دعا إلى تأسيس أفضل الروابط، على قاعدة البر والقسط"، مضيفاً "على ذلك كله، فإنَّ التفاعل الاجتماعي والحضاري بين المسلمين والمسيحيين، كان منذ فجر الإسلام ثمرة من ثمرات التوجيه القرآني، الذي خصّص المسيحيين من أهل الكتاب بأفضل صور العلاقة، والتي ازدهرت وتنامت طوال العهد النبوي الشريف".

وأضاف فضل الله خلال ندوة بعنوان "العلاقات المسيحية ـ الإسلامية والتحديات الراهنة"، بدعوةٍ من ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار"، "كان لا بد من هذه الرؤية التأسيسية لنظرة القرآن الكريم والتي تجسدت غالبا في العلاقات المتينة والدائمة بين المسلمين والمسيحيين، تمهيدا لمقاربة أهم العوامل التاريخية والسياسية التي ضربت تلك العلاقات في صميمها، وصولاً إلى ما اعتراها في العصر الراهن من تحديات وأزمات عميقة سنتناولها في ضوء الملاحظات الآتية:

اولا: يجب أن نضع فاصلا موضوعيا بين المسيحية الدين والكنيسة، التي حرصت على أفضل العلاقات مع المسلمين، والمسيحية الدولة التي أعطت لنفسها عنوان الدين، وواجهت المسلمين بعدوان سياسي وعسكري في بعض المحطات، كانت حروب الفرنجة أبرزها.

ثانيا: لقد اضطربت العلاقات الإسلامية - المسيحية بفعل الأحداث الخطيرة والفتن الكبرى التي أعقبت الخلافة الراشدة، وانتشار فوضى التأويل والتأويل المضاد، والتي أنجبت فرقا إسلامية ذهبت بعيدا بلغة الإقصاء والعنف، كما أنتجت فقه الاستبداد والاضطهاد، ليس ضد المسيحيين فحسب، بل ضد كل من يخالفها في الرأي والاجتهاد أيضا، وقد ساهمت بعض الفتوحات في الإساءة إلى هذه العلاقات، عندما خرجت عن التعاليم الإسلامية.

ثالثا: إن أحداث العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر في بلادنا، وما لابسها من تطورات، دفعت بالمسلمين والمسيحيين إلى أن يكابدوا معا أخطر التحديات الراهنة بحيث انتهى المشهد السياسي إلى سقوط منطقة المشرق العربي، ودخولها تحت مظلة الانتداب الفرنسي والبريطاني، ورسم خرائط طائفية ومذهبية تمزق الجامع العربي والإسلامي لبلادنا، وتأسيس كيان يهودي طائفي عنصري، وبعد ذلك، إنشاء أنظمة وحكومات على أسس طائفية، مرورا بإنعاش كل طموح يتستر بالمذهب أو العرق، لتعميق التناقضات والانقسامات وتغذية كل حالات التشرذم".

وقال: "لقد شهدت بلادنا في ضوء هذه المعطيات تيارات إلغائية إقصائية متطرفة تنتمي إلى هذا الدين أو ذاك المذهب أو تلك الطائفة، لكنها لم تصل إلى المدى الذي وصلت إليه التيارات الراهنة، سواء في حجمها أو في تجسيد رؤاها الإلغائية في استخدام العنف بهذه الضراوة، أو في تناميها وتوسعها في شكل غير مسبوق، بلغ ذروة الخطر بقتل المسيحيين والأيزيديين وغيرهم من الجماعات، وتهجيرهم من مدنهم وقراهم، وممارسة جميع ألوان الترهيب والضغوط والتهديدات والإكراه في حق أولئك الذين لم تسعفهم الظروف بالهروب".

ودعا الى "العمل معا لكسر ظاهرة الصمت واللامبالاة والتجاهل والجهالات وحملات التشويه المستمرة لقيم الدينين الكريمين، والتأسيس لرؤية إيمانية وأخلاقية مشتركة، تخرج المسلمين والمسيحيين من رواسب الماضي، لنواجه معا بالمسؤولية المشتركة والقيم المشتركة، أسئلة المستقبل وتحدياته المقبلة، فلا يكفي أن نكون على أرض واحدة لتكون العلاقات المسيحية ـ الإسلامية سليمة".