زراعة حديثة للبنان الحديث

المزارعون لا يتسولون دعم البيئة الدولة لانه حق من حقوقهم المقدسة

الحفاظ على الارض والبيئة يعني الحفاظ على لبنان واللبنانيين

هذه هي الخطة الزراعية التي اراها صالحة لتنمية الزراعة في لبنان، للحقبة المقبلة من الزمن...

انها خطة، تعترف بضمور المساحة الزراعية في لبنان، وبالصحّة الظّئزى التي خصّ الله بها اللبناني لجهة المساحة (دونم واحد لكل مواطن، بما فيه مئتا متر مربع فقط من الاراضي المروية)، واستطراداً لجهة متوسّط دخل المزارع الفردي (35% فقط من متوسط دخل العاملين في القطاع التجاري مثلاً)، أو لجهة حصة الزراعة من الدخل القومي (8-10% - سنة 1992) او لجهة متوسط الكفاية الذاتية من السلع الزراعية الاساسية (الامن الغذائي)...

إن وضع خطة زراعية للبنان المستقبل عملية شاقة ومعقّدة وتستوجب معرفة إستراتيجية الدولة العامة لنتمكن من تحديد الإستراتيجية الزراعية من ضمنها وبالإستناد إليها.

ولكن إستراتيجية الدولة العامة الجديدة لمجموعة القطاعات الإقتصادية لم تظهر تظهر بعد. لذلك فإننا محكومون بالإهتمام بالإستراتيجية الزراعية على أساس إستراتيجية الدولة القديمة ونسأل أنفسنا قبل كل شيء السؤالين التاليين (1) ما هي استراتيجية التنمية الزراعية بما يتفق مع الإستراتيجية العامة المتبعة حتّى الآن و(2) ما هو الخيار الأساسي لتحصين الإنتاج الزراعي في المستقبل.

لا يخفى على أحد بان للغابات أهمية بالغة على الأصعدة الإقتصادية (أخشاب – وقود...) والمناخية والمائية والبيئية، وبان هذه الغابات كانت تغطّي في الماضي حوالي 200 ألف هكتار أي 20% من مساحة لبنان، وقد عبثت بها أيدي العثمانيين لغابات عسكرية، ومن بعدها أيدي اللبنانيين أنفسهم من طريق قطعها الفوضوي واستخدمها لصناعة الفحم وبيع الأخشاب واطلاقها قطعان الماعز بما لا ينتفق قط مع صيانة الأحراج ولا سيما تلك الفتية منها والتي أتت عليها أعمال القطع البدائية.

واننا، بتسليمنا الطوعيّ بطبيعة النظام اللبناني القائم على المبادرة الفردية والحرية الاقتصادية، نصّر على تخصيص القطاع الزراعي بالتوجيه الرسمي بالتنسيق مع التعاونيات والنقابات الزراعية، وبالدعم الناتج عن هذا التوجيه، سواء لبعض الزراعات، او لبعض المناطق النائية، وذلك لاعتبارات اجتماعية وغذائية وبيئية ولمواجهة السياسات الاغراقية التي تتبعها بعض الدول الاجنبية في اسواقنا الخارجية المتاحة، وحتى في اسواقنا الداخلية...

وبالمقابل، فاننا نركّز على ضرورة احداث ثورة كاملة في تركيبة انتاجنا الزراعي من خلال إدارة حديثة للأراضي الزراعية، وتغيير الاصناف المزروعة، وتحسين النوعية وتخفيض الكلفة، ليتمكّن هذا الانتاج من مواجهة المستجدات الحالية والمتوقّعة، سواء في علاقته مع الاسواق العالمية او مع المعطيات الاقليمية الناتجة عن الحلول الشرق اوسطية التي قد تفرض على لبنان أو عن المعاهدات المتوسطية والعربية ولا سيما تلك الخاصة بعلاقات لبنان المميزة مع سوريا...

ان طاقة التأقلم اللبناني مع هذه المستجدات، على ضراوتها، متوفرة في ديناميكية شعبنا في مختلف القطاعات، بما فيها القطاع الزراعي ولكنها تفرض، ولهذا القطاع بالذات، عطفاً حكومياً خاصاً ودعماً في أكثر من جانب، ريثما تكون الاحداث السياسية والاقتصادية قد أخذت مسارها النهائي وتمكّن هذا القطاع الفقير اصلاً من التقاط أنفاسه ليحافظ في هذه المرحلة الانتقالية – بالأقل – على أمنه الغذائي ودخله الزراعي الفردي، ووضعه البيئي وريفه الآخذ بالقفز على ان نعمل بالجدية والمسؤولية الكاملتين على ابقاء المزارعين في قراهم ومناطقهم الفقيرة على اعتبارهم سدَنَةَ الطبيعة والخميرة التي لا بدّ منها للمحافظة على التراب والتراث والثروة...

ذلك ان وطنا بدون زراعة وبدون ريف، هو وطن مصطنع وموقت ومعرّض للمجاعة والتوتر والاضطراب والهجرة ولأطماع الاعداء والمتربصين...

لقد قدّمنا للخطة بحث نظري عام، ميّزنا فيه بين الاستراتيجية والسياسة والخطة والبرامج التنفيذية، وألمحنا الى المؤثرات الداخلية والخارجية، بدءاً بالمؤثرات العالمية فالاقليمية المتوسطية فالعربية القديمة والحديثة الوجوه.

اما الخطة بذاتها، فلقد قسمناها الى جزءين، الاول وضمناه نظرتنا العامة الى لبنان الزراعي في المستقبل والثاني وقد ضمنّاه التحسينات الزراعية التحتية المقترحة من ادارة الاراضي الزراعية الى إدارة المياه وإدارة الغابات وخزن الانتاج وتصنيفه وتصريفه وتعديل القوانين والانظمة التي ترعى وزارة الزراعة ومصالحها ومؤسساتها كالبحث العلمي والارشاد والتسليف والمكننة.

اما الجزء الثالث، فلقد عالجنا فيه اوضاع أهم المنتوجات الزراعية كالقمح والحبوب والفاكهة والخضار والزراعات البديلة والبذور والشتول والزراعات الصناعية كالسكر والتبغ والانتاج الحيواني في مختلف مظاهره واقسامه...

ولم نحاول في هذه الاجزاء تقدير كلفة الخطة ولكننا نستطيع الاشارة تخميناً لا تحديداً الى ما لا يقلّ عن ملياري دولار اميركي، وهو رقم يمكن بان يعلو او ينخفض في ضوء التعديلات التي قد تطرأ على الخطة خلال تنفيذها بنتيجة المستجدات والمطبات التي اشرنا اليها أعلاه.

ولم يغب عنّا قط الحديث عن احياء الريف بصورة عامة وتقريبه من المدينة بمدارسها ومستشفياتها وطرقاتها، وانارتها وخدماتها ومراكز الجذب الحاري فيها... مؤثرين ترك كل ذلك الى دراسة مستقلة ومستفيضة لما له من شأن يتصل بابسط حقوق الانسان اللبناني، أينما وُجد فوق هذه الارض الطيبة...

اننا ننهد الى زراعة غنية، تساهم باوفر نسبة من الدخل القومي، واعلى مستوى ممكن من الدخل الفردي وارفع مساهمة ممكنة في استقلالنا الغذائي، وبأقل عدد من الفقراء والبؤساء، وبأدنى ضرر على البيئة والمحيط.

ومن أجل هذا الطموح تهون بنظرنا جميع التضحيات. وبهذه المناسبة نوجه الرجاء الى اخواننا في القطاعات الاقتصادية الاخرى وفي المدن ومناطق الاصطياف – وبكل اسف – الى بعض المسؤولين بمن فيهم بعض الوزراء والنواب، بالاً يعتبروا بعد اليوم – القرش الذي ينفق في سبيل الزراعة هدراً ومالا يذري في الريح...

فلنعتبره جميعاً وبفرح، واجباً نؤديه نحو من يضرب معوله على مدار السنة، في ارض بلادنا لاخصابها، وليستخرج منها ما امكنه من غذائنا غير آبه بقرّ الشتاء وحرّ الصيف والبذل الجسدي والمعيشي والحرمان من متع الحياة في القطاعات الأخرى... وكل ذلك للحفاظ على التراب والبيئة. وهما أهم ركنين لتراث أخذناه عن الآباء ويتعيّن علينا أن نسلّمه للابناء... فالركن الاول، منه أتينا واليه نعود... والركن الثاني هو القصر الذي نعيش فيه والذي يتعيّن ان نبقيه جميلاً وسيما ومصدر عافية وسعادة وهناء...

وبعد...

كيف نحقّق الحداثة في الزراعة بصورة عامة ؟

ارتجال السياسات الزراعية مؤذٍ كغيابها، ومن الخطأ انتهاجها مزاجياً، وتحت وطأة الاعتبارات السياسية والانتخابية، او خضوعاً للتظاهرات الجماهيرية، واذعاناً للاضرابات الشعبية، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً باستراتيجية الدولة الانمائية، وتعتبر جزءاً لا يتجزأ من التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتكاملة، واحدى الادوات الاساسية لتنفيذ هذه الاستراتيجية في مجالي الزراعة والغذاء.

والسياسات الزراعية، شأنها شأن السياسات الاخرى، تشتمل بالعادة، على أهداف محددة، يتم تحقيقها بواسطة وسائل هي ايضاً محددة، ومن الاهمية القصوى وضع تلك الاهداف ووسائل تحقيقها امام متخذي القرار في السلطة التنفيذية، كما تجدر معرفة ودراسة تأثير هذه الوسائل في الآماد القصيرة والمتوسطة والطويلة والاهتمام بتأثيرها على سائر القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في وجوهها المباشرة وغير المباشرة.

وتشتمل السياسات الزراعية، بصورة عامة، على برامج تنفيذية معينة لتحقيق اهدافها، ثم يتم تحديد مشاريع معينة من خلال تلك البرامج، وذلك يعني بأن هذه المشاريع تمثل حجر الاساس في اية سياسة زراعية ابرمت وتقرر نقلها الى حيّز التنفيذ.

واذا ما أخذنا استراتيجية الامن الغذائي، بزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من السلع الزراعية، فان عدة سياسات يصبح من الضروري اتخاذها، كسياسة الحوافز والاسعار، وسياسة الحماية الاقتصادية للزراعة الوطنية، والسياسة الضرائبية، وسياسة تنظيم الحيازة والملكية، وسياسة توفير العمالة المدربة، وسياسة بناء المخزون الغذائي، وغيرها، وغيرها...

وبالنسبة لسياسة الحوافز والاسعار المناسبة كجزء من هذه السياسات، فقد يقع الخيار على تحديد دعم مستلزمات الانتاج ومدخلاتها كالاسمدة والادوية والآلات الزراعية الخ، او على تحديد نظام لاستلام الحصص من المزارعين، او على تحديد برنامج لشراء انواع محددة من الانتاج (الحبوب مثلاً) باسعار معلنة، مع بناء مخزون احتياطي.

وتعتبر البرامج الانتاجية لزيادة المساحة المزروعة، من محاصيل محددة لتحقيق اهداف سياسية وزيادة الانتاج وتوفير الغذاء، مثالاً آخر لارتباط البرامج بالسياسات الزراعية لتحديد الاهداف الاستراتيجية العامة للدولة، وهنا ايضاً تعتبر المشروعات الانتاجية التنفيذية حجر الاساس لهذه البرامج والسياسات.

وفي لبنان،

لم تكن السياسة الزراعية الى اليوم موجودة بمفهومها العلمي المتكامل...كان هنالك حتى الآن، روزنامة زراعية، قلّما استطاع لبنان تطبيقها بسبب الظروف الداخلية والخارجية، وسياسات زراعية مجتزأة ومرتجلة، تمليها ازمات عابرة لا تلبث ان تندثر بانتهائها وقبل بلوغ غاياتها، او تتناول الزراعات الاساسية، كالقمح والشمندر السكري والتبغ، تفرضها النقابات والتعاونيات الزراعية، سرعان ما تفقد دورها وفعاليتها بفعل التقادم، ونتيجة لعدم اعارتها الاهمية الانمائية التي تتفق مع مصلحة القطاع الزراعي، كأن تعطل تفاصيل تنفيذها الهدف المرسوم لها، او تعلن في غير موعدها الطبيعي، او تستمر لسنوات بالصيغة التي وضعت فيها، بالرغم من تطور الظروف الداخلية والخارجية المختلفة، كتبدل الاسعار والمساحات، وأهمية الزراعات التي تشملها في التركيبة الزراعية بكاملها...

واذا كانت الدولة قد شرعت في دراسة خطة زراعية جديدة، قيل بانها عصرية ومتكاملة، فان هذه الخطة لم تظهر بصيغتها النهائية، ولم يجر اقرارها رسمياً، مما يشير الى ان الدولة لا تزال تتثاءَب في الاعتراف بدور الزراعة الجديد في التنمية الاقتصادية بصورة عامة، وفي التنمية الريفية والغذائية والاجتماعية والبيئية بصورة خاصة. وذلك لاسباب عائدة لانصراف المسؤولين الى اولويات أخرى، ولعجزهم عن إجراء التقييم السليم لهذا الدور الجديد، بالرغم من اعتراف جميع الدول المتقدمة والنامية به، ومن بروز الغذاء كسلاح حاسم في السياسة الدولية والبيئية كهم قائم فوق صدور الحكومات والشعوب، ويتربص بمصير الجنس البشري في المرحلة القريبة المقبلة من الزمن.

لهذه الاعتبارات، وفي ضوء خبرتنا اليومية منذ ثلث قرن تقريباً في شؤون الريف والزراعة والمزارعين، وبمقتضى تحسسنا بواجبنا نحو ريف نفتخر بالانتماء اليه، ونعتز بدوره الوطني المسالم، ونحو ارض هي تراثنا الحقيقي والثابت، ومزارعين ندرك اكثر من سوانا حقيقة معاناتهم وحجم صبرهم بانتظار التغيير الموعود، ومدى عنادهم في الاستمرار بخدمة الريف، يتحملون قرّه وحرّه، ويكابدون التغلب في طبيعته ومناخه، ويصرون على معانقة تربته وتقليبها، ومداعبتها، واعتبارها جزءاً حبيباً من وجودهم وكرامتهم ووجدانهم.

ومع دعمنا لاية خطوات تتخذها الدولة في الاتجاه الصحيح، نأمل في ان تكون محاولتنا المتواضعة في وضع خطة زراعية متكاملة في خدمة التنمية في لبنان، فتأتي مكملة للمحاولات الاخرى الرسمية والاهلية، مؤكدين على طرحها على المسؤولين ومعظمهم اصدقاء اعزّاء على قلوبنا، وعلى جمهور المواطنين، وبصورة خاصة المزارعين منهم، عبر نقاباتهم وتعاونياتهم، وفي مناطقهم المختلفة، معتبرين بانها باتت منذ اليوم ملك كل واحد منهم، مع الاحتفاظ بحق الدفاع عنها، وبالموضوعية العلمية الهادئة التي تقتضيها جدية الخطة وخطورتها الوطنية.

والآن، وقبل عرض هذه الخطة، نود بان نشير الى انها تنطلق من ضرورة الاخذ بالمستجدات الحاصلة في الاسواق العربية، وبالاتفاقات الثنائية والمتعددة المعقودة مع واحدة او أكثر من الدول العربية، وبصورة خاصة معاهدة الاخوة والتنسيق والتعاون مع الجمهورية العربية السورية، ويقتضي بان يتتأقلم معها باستمرار فتخضع الى تعديلات دورية وطارئة شأنها شأن كل خطة طويلة الامد، يقع في صلب مفهومها وتحديدها العلميين واجب التطور مع المعطيات المنظورة وغير المنظورة من خلال أجهزة متخصصة تنسق بين الدوائر المختصة في وزارات الزراعة والخارجية والاقتصاد والتجارة الخارجية والصناعة.

كذلك، فبالإضافة الى انتمائه العربي، يعتبر لبنان دولة متوسطية، لا يمكن بان ينعزل عن الدول الاوروبية والعربية المحيطة بحوض البحر الابيض المتوسط، والتنسيق معها بما يضمن مصلحته، والافادة من دول مكملة له اقتصادياً وجغرافياً، ولا بد من التأثر بها والتأثير عليها سواء بسواء.

ومهما يكن الامر، فعلى القيّمين على التخطيط المستقبل لبنان الزراعي والمكلفين بتنفيذه ان يقلعوا عن الروتين والرتابة، وينهدوا بدون كلل الى الجديد والمبتكر، محاذرة منهم في التخلف عن الركب، وان يدركوا مسبقاً بان لبنان، كما غيره من الدول، خضع ويخضع باستمرار لتطور مستمر، ومتسارع في المعطيات الاقتصادية الاقليمية والدولية، وهذا هو جوهر التحدي الدائم الذي يتعين عليه بان يرفعه وينجح في مواجهته.

انه قدر لبنان، ان يبقى مستنفراً للدفاع عن مصالحه، والتخطيط لحمايتها مما يتطلب عبقرية، ما خانته يوماً، ولن تخونه مستقبلاً باذن الله...

وفي منطقة البحر الابيض المتوسط، لقد تبدلت المعطيات الدولية المؤثرة في السياسة الزراعية خلال العقدين الماضيين، وذلك بالنظر للأهمية المتصاعدة للاسواق الزراعية الدولية، التي لا بد وانها انعكست على المنطقة، فتركت آثاراً لا يمكن تجاهلها، على السياسة الزراعية المتوسطية.

وحتى سنة 1970، كانت الدول المتوسطية تتعاطى مع اسواقها الزراعية من ضمن ثنائية واشحة. فمن جهة كانت الاسواق الداخلية، دون التأثر بثقل الاسواق الدولية. ومن جهة ثانية، فان الاسواق الخارجية، التي كانت تستوعب جزءاً من المنتوجات المتوسطية الفائضة من طريق الصادرات، وتوفر جزءاً من السلع الضرورية للاستهلاك المتوسطي، من خلال الواردات، تتأثر بصورة شبه مطلقة بالاعتبارات الخارجية، مما كان يعطي دوراً لعدد من المؤسسات الداخلية في التدخل للحد من تأثير هذه الاعتبارات في الاسواق الداخلية، وهو دور يمكن اختصار اهدافه بعزل الاسواق الداخلية عن الاسواق الخارجية المؤثرة.

أما الزراعة المتوسطية، فلقد كانت تقوم بوظيفتين اساسيتين، الاولى وهي تأمين الغذاء للسكان، والثانية تأمين المواد الاولية للصناعات الغذائية من اصل زراعي. ولم يكن لمساهمة الزراعة في تحقيق التوازن في الميزان التجاري الخارجي أهمية تذكر.

ومنذ سنة 1979، جاء عدد من الاحداث ليبدل هذا الوضع بصورة جذرية، ولا بد من الاشارة الى التغيير الحاصل في التركيبات الاقتصادية بنتيجة الازمة البترولية، سواء في الدول المتوسطية المنتجة وغير المنتجة للنفط لاستخدام عائدات النفط في الفئة الاولى، أو لدفع الفاتورة النفطية في الفئة الثانية.

والى جانب ذلك، فان دخول اليونان سنة 1982، في السوق المشتركة، واسبانيا والبرتغال سنة 1986، وهي دول متوسطية كبيرة شكل خرقاً دولياً لاسواق المنطقة المتوسطية، خصوصاً وان السياسات الزراعية لهذه الدول، باتت خاضعة بحكم علاقتها الجديدة بالسوق الاوروبية المشتركة لعلاقات هذه الأخيرة بالاسواق العالمية.

أما الدول المتوسطية الاخرى، وخصوصاً تلك الواقعة جنوبي وشرقي البحر المتوسط، فانها اكتشفت بسرعة ان سياساتها الاقتصادية ستكون محكومة بعد اليوم، سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة، بعدد من الاعتبارات الاقتصادية العامة، وعلى رأسها ميزان التجارة الخارجية...

وبالاضافة الى ذلك، فان هذه الاسواق شهدت تحولات داخلية عميقة، تمظهرت في زيادة حجم استهلاكها الغذائي، بفعل ظاهرة التفجر السكاني، وانخفاض الانتاج الزراعي، مما زاد من أهمية عجزها التجاري الزراعي، الذي بلغ في الجزائر مثلاً حداّ لا يطاق، وهكذا تكون الاسواق الزراعية العالمية، قد خرقت الاسواق المتوسطية، من باب استيراد السلع الغذائية، بعد دخولها كما ذكرنا من باب بعض الدول المتوسطية، التي انضمت الى السوق الاوروبية المشتركة وبعد ان كان حجم استيراد السلع الغذائية للدول المتوسطية في نهاية الخمسينات في حدود 10% من الانتاج الزراعي، اصبح يتجاوز 50% في منتصف الثمانينات، وبذلك تكون الدول المتوسطية قد انتقلت من وضع المصدّر للمنتوجات الزراعية، الى وضع المستورد لها.

ومما زاد في خطورة هذه الظاهرة، ان الاسواق العالمية قد نظمت نفسها، فحدّت من عرض كمية من منتوجاتها، الامر الذي ادى الى ارتفاع اسعارها وضاعفت بالتالي من عجز الدول المتوسطية التجاري.

أما آثار هذه المعطيات الجديدة على السياسات الزراعية في الدول المتوسطية الجنوبية والشرقية، فانها تباينت بين دولة واخرى. فالتكامل الذي كان سائداً بين الدول المتوسطية الشمالية والدول المتوسطيةالجنوبية، انتهى الى غير رجعة، وحل مكانه التنافس، بدليل ان الدول الشمالية بدأت تتبع سياسة أكثر تشدداً في تجديد الاتفاقات المعقودة بينها وبين الدول الجنوبية، وهذا ما ترك تبدلاً استراتيجياً في سياسات الدول المتوسطية الجنوبية التي راحت تسعى الى توسيع لائحة زبائنها، والشمالية تعمل على سد عجز الدول الجنوبية من السلع الزراعية والغذائية، بزيادة صادراتها اليها ووحدها تركيا، اتجهت نحو ايجاد زبائن جدد، وجدتهم في منطقة الشرق الاوسط، وبصورة خاصة في دول الخليج العربي، بحيث رفعت صادراتها الزراعية اليها من 10% سنة 1965، الى 30% سنة 1990، وذلك بالطبع وخصوصاً على حساب الصادرات اللبنانية الى هذه الدول.

والجديد في هذه التحولات، ان السياسات الزراعية الداخلية في الدول المتوسطية الجنوبية، فقدت من استقلاليتها بالنسبة للسياسات الاقتصادية العامة، واصبحت مساهمتها في تحسين الميزان التجاري الخارجي، ترتدي طابع الاولوية بالنسبة لما كانت عليه في الماضي، حيث كانت تهدف فقط الى تأمين الغذاء للسكان والمواد الاولية للصناعات الغذائية.

كذلك، فان هذه الدول فقدت الكثير من استقلاليتها مع الخارج، فاصبحت مرتبطة بتوجهاته، خصوصاً فيما يتعلق بهبوب الرياح الجديدة لتحرير التجارة الخارجية من الحمايات الوطنية، واصبحت عناصر سياساتها الزراعية القائمة على دعم الاسعار والمساعدات مرتهنة بالمرجعيات الخارجية تحت طائلة العقوبات التجارية الدولية القصوى، التي تذهب في بعض الاحيان الى مقاطعة الدول المناهضة للرياح الجديدة المذكورة.

ولم تقتصر التحولات الجديدة على علاقة الدولة المتوسطية بالخارج، بل تناولت دور حكوماتها في التنمية الزراعية الداخلية، ولقد تجسد ذلك بصورة خاصة في الامور التالية:

1- زوال نظام التخطيط والبرمجة الذي كان سائداً منذ الحرب العالمية الثانية بالنسبة للدول المتوسطية الشمالية، ومنذ حصول الدول الجنوبية والشرقية على استقلالها في تواريخ مختلفة.

واذا كان هذا النظام غير ملزم في حينه، فانه كان يطبق في معظم الدول المتوسطية، وكانت أهميته لا تقتصر على وضع الخطط والبرامج، بل تتناول ايضاً مراقبة تنفيذها ولكنه كان يصطدم بصعوبات كبيرة، فاذا كان التنفيذ يشمل كافة جوانب النظام الاقتصادي، كما في مصر الناصرية، فانه كان معيقاً للتنمية الاقتصادية ككل. اما اذا كان يقتصر على قطاع دون آخر، كما في فرنسا وفي المغرب، فان نتائجه كانت محدودة بأحد القطاعات دون سواها.

ومهما يكن الامر، فان تدخل الدولة كان ينطلق من وضع استراتيجية، تنبثق عنها سياسة، فمخطط، وبرامج او مشاريع، ومن الطبيعي بان يتناول المستوى الاستراتيجي الاهداف العامة في المدى الطويل، بينما كانت السياسة تتناول الوسائل العملية لوضع الاستراتيجية موضع التنفيذ، اما البرنامج – الخطة فانه كان يشتمل على مجموعة مختارة من الوسائل، لتطبيق السياسة المنبثقة عن الاستراتيجية، وتقتصر فاعليته على المدى المتوسط.

ولكن، خلال العقد الاخير من الزمن، تلاشت إلزامية مراقبة الدولة للتنفيذ، بسبب عجزها عن تأمين الوسائل اللازمة، سيما وان التخصصية، واستقلالية المؤسسات التي بدأت تتوسع في المرافق الاقتصادية اخذت من الدولة حقها في اختيار وسائل تنفيذ الخطط، فبات أصحابها المعنيين المباشرين، والعملاء الاقتصاديين المولجين بالتخطيط لتنمية مؤسساتهم. أما الدولة فلقد تراجعت عن ادوارها السابقة. واكتفت بدور الحكم بين هؤلاء العملاء فلم يعد لها دخل في التخطيط والتنفيذ، وانما في وضع الانظمة المناسبة، التي من شأنها حمل العملاء الاقتصاديين على تطبيق سياستها، والعمل على التنسيق فيما بينهم، وحل مشاكلهم ومعالجة تناقضاتهم الناشئة بفعل تضارب اهدافهم ومصالحهم، ولا شك، بان هذه المهام المتروكة للدولة، هي مهام صعبة ومعقدة، ويواجه تنفيذها، ولو على مستوى التحكيم، عوائق بعضها ذو طابع اقتصادي، واكثرها ذو طابع اجتماعي، بين المناطق والنقابات والمصالح السياسية والانتخابية ايضاً.

2- الإهتمام بالمشاريع الصغيرة، التي يضعها ويديرها العملاء الإقتصاديون بأنفسهم، فالمشاريع الكبرى كانت ملازمة لنظام التخطيط الكلي، ومن الطبيعي أن تزول بزوال ذلك التخطيط، الذي كان من مهام الدولة، صياغةً وتمويلاً وتنفيذاً، ولنفترض بأن استراتيجية الدولة هي منع زراعة المخدرات، فإن السياسة المنبثقة عن هذه الإستراتيجية تكون باتجاه زراعة دوار الشمس، أو تمويل مشاريع الري لزراعة الشمندر السكري. وتكلف الإدارة بتشجيع هاتين الزراعتين، على ان يبقى التخطيط للمشاريع الصغيرة وتنفيذها بعد تمويلها للمزارعين أنفسهم، الذين يعملون ما في وسعهم لإختصار النفقات مع حرصهم على أهدافهم في تحقيق أكبر هامش من الأرباح، وهم في غالب الأحيان، أكثر سهرا من الدولة على إنجاز هذه المهمة.

وإذا وجد المزارعون أنفسهم أمام صعوبات فنية، فإن الدولة تقدم لهم خدمات البحث الزراعي والإرشاد، أما إذا واجهوا صعوبات تجارية وعملية، فإنهم يتجمعون في نقابات أو تعاونيات، يستمدون منها القوة اللازمة، ولكن مع الإحتفاظ بحقهم بمراقبة هدر الأموال، وتحديد الأهداف، وتعديلها عند اللزوم.

وهكذا فإن نشوء المشاريع الصغيرة، يؤدي إلى تغيير جذري باعطائه أدوار جديدة للعملاء الإقتصاديين، تبدأ في وضع السياسة الزراعية وتنتهي بتنفيذها.

ولكن ما هي السمات الرئيسية لهذه الصيغة الجديدة التي أصبح بمتقضاها المزارعون أو العملاء الإقتصاديون الجدد، وخلال العقد الأخير من الزمن المشاركين في وضع السياسة الزراعية، والمنفذين لها.

(1) كانت هموم المخططين في دول الشمال خلال الفترة التي غقبت الحرب العالمية الثانية، وفي دول الجنوب، أثر حصولها على الإستقلال، تقتصر على معالجة الضغوط المتأتية من إدارة الأسواق الداخلية بصورة رئيسية، والأسواق الخارجية بصورة ثانوية.

أما اليوم، ومنذ خمس سنوات تقريباً، فأي محلل للسياسة الزراعية، يجب بأن بعين الإعتبار عاملين جديدين هما التوازن "الماكرو – إقتصادي" أي التوازن الإقتصادي بشكل عام، وحاجات المستهلكين.

على أن هذا الواقع الجديد، يضع المحلل الإقتصادي أمام تناقض واضح بين السياسة الإقتصادية والنقدية من جهة، ومشاكل المستهلكين من جهة ثانية.

وضمن المنظار الإقتصادي العام، يميل المحلّل الإقتصادي الى إختيار الزراعات القابلة للتصدير لمساهمتها في تحقيق التوازن في الحسابات الخارجية، ولو كان ذلك على حساب حاجات السوق الاستهلاكية الداخلية، على القاعدة التي تقول بان النقود الحاصلة من عملية التصدير تمكن من التعويض على السوق الداخلية، بشراء السلع الغذائية من الأسواق العالمية، بأسعار أدنى، وهذا ما يتفق مع مصلحة فئات المستهلكين المتوسطة أو المتدنية الدخل.

ولكن هذا المنظار من شأنه أن يصطدم بالسياسة الزراعية التي ترمي الى إتاحة الفرصة للقطاع الزراعي، بأن يلعب دوره كاملاً في تأمين الغذاء للسكان، فاستيراد السلع الغذائية، قد يبعث المزارعين الى اليأس، والخروج من حلبة الإنتاج الزراعي، بانخفاض مداخيلهم وعجزهم عن تحسين إنتاجيتهم.

وهكذا، فان وضع سياسة زراعية، في ظل الصيغة الإنتاجية، يفرض على المسؤولين عنها، أي العملاء الإقتصاديين الجدد وتجمعاتهم معرفة الجوانب الكاملة التي تتحكم بتحديد السياسة الزراعية، وخصوصاً التوثيق بين الإعتبارات الإقتصادية العامة وتأمين استهلاك المواطنين، وهي اعتبارات كانت غائبة من حساباتهم في الماضي ومجهولة منهم تماماً.

(2) ان هذه الصيغة الجديدة، تحمل بذوراً ديموقراطية، وتتسبب بنشوء قوى وسيطة لم تكن معروفة من قبل، وهذه القوى تحدث تغييراً مزدوجاً في آلية السياسة الزراعية والغذائية.

ففي زمن التخطيط الحكومي، كانت الأدوار موزعة بين فريقين، واضعي السياسة ومعاونيهم في وضعها ومحلليها والمكلفين بمتابعتها وتقييم نتائجها، والعملاء الإقتصاديين الذين كانوا يقومون بتنفيذ هذه السياسة... وكان هذا التوزيع واضحاً ومنطقياً من كافة أطراف المجتمع بصورة عامة.

أما في زمن الديموقراطية واللامركزية، أي بمقتضى الصيعة الجديدة، فإننا نلاحظ وجود ظاهرتين كانتا مجهولتين في الماضي، الأولى، وهي ظهور قوى وسيطة، تتشكل تدريجياً لتصبح قوى ضاغطة، يؤخذ برأيها لدى وضعها أي سياسة زراعية جديدة وتعتبر مشاركة في هذه السياسة الى حدّ بعيد... أما الظاهرة الثانية فهي أن السياسة الزراعية والغذائية، هي كناية عن مجموعة من الإجراءات والوسائل الأيلة لتحقيق الأهداف العامة، وبذلك، تصبح القوى الوسيطة شريكة في وضع السياسة الجديدة، وليست منفذة لها ممّا يضع المسؤولين عن السياسة الزراعية والغذائية تحت رحمة قوى المنتجين الوسيطة، لجهة موافقتهم على السياسة الزراعية الجديدة أو رفضها.

وإذا كانت هاتان الظاهرتان قديمتين في دول المتوسط الشمالية، فإنهما حديثتان في الدول الجنوبية والشرقية والملفت للإهتمام، هو أن تلاقي الشمال والجنوب على هاتين الظاهرتين، وإن بتواريخ متفاوتة، قد فتح الباب على شكل جديد من التعاون بين منتجي الشمال ومنتجي الجنوب، وهو ما يستأهل التوقف عنده والتأمل فيه.

(3) ظهور تعاون بين مزارعي الدول المتوسطية الشمالية والدول الجنوبية والشرقية. إن منطقة المتوسط تضم عدداً من الدول الأعضاء في المجموعة الأوروبية (فرنسا، إسبانيا، إيطاليا، اليونان، البرتغال) وعدد آخر من الدول المرتبطة بالمجموعة من خلال صيغة تعاون، أو من خلال إتفاقات مشاركة (تركيا – قبرص – مالطا).

إن هذه الدول تعتبر في عجز تجاري مع المجموعة الأوروبية، سواء بالنسبة للسلع الصناعية أو الزراعية، ولكنها مصدرة لنفس المنتوجات الزراعية إلى أسواق مشبعة أو محمية. ومما لا شك فيه، أن هذه الدول ستحذو حذو الدول المتوسطية الشمالية في إقامة علاقات حوار وتعاون بين التجمعات النقابية والمهنية فيها، ونظيراتها في الدول الشمالية. وذلك يعتبر في حد ذاته وسيلة تقارب وتفاهم بالغي الأهمية، كما حصل فعلاً سنة 1986، في جنوبي فرنسا، على أثر انضمام إسبانيا والبرتغال الى المجموعة الأوروبية، عندما أخذ المركز الوطني الفرنسي للمزارعين (CNJA) المبادرة بانشاء مركز الدراسات والإنجازات لتنمية الزراعة المتوسطية (CERDAM) الذي وضع في رأس إهتماماته فتح حوار بين المهتمين بالزراعة في الذول المحيطة بالبحر المتوسط، سمح له، بتقييم الرهانات الإقتصادية والسياسية الحقيقية لتوسيع المجموعة الأوروبية بضمها إسبانيا والبرتغال، وبالدعوة الى التكامل الإنتاجي والتعاون التنسيق بين ممثلي التجمعات المهنية.

(4) سياسة زراعية باتجاه الزراعة والمزارعين، كانت السياسة الزراعية في الماضي تتجه لحل مشاكل الزراعة في إطار الإنتاج الزراعي، ولم يكن المزارعون ليشكلوا بالنسبة إليها مسألة مستقلة، أما لأنهم كانوا تابعين لمؤسسات حكومية، أو لأن مصيرهم كان مرتبطاً بحل المسائل الزراعية، فلا داعي للإهتمام بهم بصورة مستقلة، إلا إذا تسببوا بمشكلة زراعية من شأنها أن تؤثر في تخفيض الإنتاج، كالهجرة الريفية عند تفاقمها، عند ذاك يصبحون جزءاً من السياسة الزراعية، وبالتالي، موضوع إهتمام المسؤولين.

ولكن، وبعد الأزمة الإقتصادية العالمية، أصبح أمر إستمرار المزارعين في قراهم ومناطقهم أمراً مطروحاً بصورة جدية، ولقد اقترحت لمعالجته حلول عديدة منها تعدد النشاطات الريفية والهجرة الموسمية وغيرهما... على أن القاعدة استمرت واحدة، وهي العناية بالمزارعين، عندما يكون بقاؤهم مهدداً للإنتاج الزراعي، أو ضرورياً للمحافظة على البيئة في المناطق النائية والفقيرة.

الجزء الأوّل

الخطّة الزراعيّة وخياراتها العّامة

إن وضع خطة زراعية للبنان المستقبل عملية شاقة ومعقّدة وتستوجب معرفة إستراتيجية الدولة العامة لنتمكن من تحديد الإستراتيجية الزراعية من ضمنها وبالإستناد إليها.

ولكن إستراتيجية الدولة العامة الجديدة لمجموعة القطاعات الإقتصادية لم تظهر تظهر بعد. لذلك فإننا محكومون بالإهتمام بالإستراتيجية الزراعية على أساس إستراتيجية الدولة القديمة ونسأل أنفسنا قبل كل شيء السؤالين التاليين (1) ماهي استراتيجية التنمية الزراعية بما يتفق مع الإستراتيجية العامة المتبعة حتّى الآن و(2) ما هو الخيار الأساسي لتحصين الإنتاج الزراعي في المستقبل.

1- هل يسوغ تهميش القطاع الزراعي؟ تقتضي الأمانة بإبراز غياب أية سياسة زراعية متكاملة في لبنان، فالسياسة المتبعة في بعض الأحيان هي سياسة ظرفية ومرتجلة، فيما الحاجة هي لسياسة ملبية لخطة إنمائية واضحة محددة الأهداف العامة والأدوات الرئيسية والمبادئ الأساسية، فهذه الخطة التي يجب بأن تكون ثابتة في خطوطها العريضة لفترة لا تقل 10-15 سنة، دون أن يعني ذلك بأن تكون مجمدة غير قابلة للتعديل في ضوء المتغيرات التي تفرض عليها في المستقبل.

وفيما يتعلق بالأهداف العامة، فإن السؤال المركزي الذي يجب بأن يطرح هو التالي: هل ان القطاع الزراعي المتقهقر تدريجياً، كما يتبين من الإحصاءات المتوفرة حتى الآن هو قطاع محكوم بالتهميش بالنسبة للقطاعين الآخرين، وذاهب نحو الإنحسار والتقلص نحو المناطق النائية والفقيرة أم لا؟

وإذا كان الجواب على هذا السؤال بالإيجاب، فان العواقب بنظرنا خطيرة جداً، ذلك مثل هذا الواقع يستتبع خللاً متزايداً على الصعد الإقتصادية والإجتماعية والبيئوية كافة، وهي منازع حياتية هامة جداً، كما يتسبب بتبعيّة غذائية شبه كاملة للأسواق العالمية، وبالتالي للنفوذ السياسي المرتهن للقوى السياسية الإستعمارية المهيمنة على هذه الأسواق.

فتهميش الزراعة إذا، هو كأس يقتضي دفعه عن لبنان، مهما كان الثمن، ونحن نعرف بانه ثمن متعاظم، ولكنه ثمن حتمي، ويتعيّن علينا بأن نعقد العزم على ادائه مرفوقاً بإرادة قاطعة على إعطاء الزراعة دوراً أساسياً في هيكلية الإقتصاد الوطني، من شأنه توفير قسط كاف من الأمن الغذائي وتوجيه الإنتاج نحو تصدير السلع العالية النوعية لتصحيح الميزان التجاري ولتدعيم الوضع النقدي والمساهمة في الحفاظ على الديناميكية اللازمة للحياة الريفية والمحيط الطبيعي السليم.

وإنطلاقاً من هذا الخيار الأساسي، اللا بد منه، يتضح لنا عدد من الأهداف العامة التي يمكن اختصارها بالآتي: توفير الحدّ الممكن من الأمن الغذائي، وانتاج سلع متميزة وأسعار تنافسية لتموين السوق المحلية، ومواجهة المنتوجات الزراعية الأجنبية في أسواق التصدير المتاحة وتأمين دخل زراعي فردي قريب من مستويات الدخول في القطاعات الأخرى والمحافظة على البيئة من جهة، والتوازن في الإزدهار والكثافة السكانية بين المناطق الزراعية والمدن من جهة أخرى.

ومن الطبيعي بأن تكون بعض هذه الأهداف متناقضة، ومجلبة للنزاعات الحادة بين القطاعات الإقتصادية المختلفة، مما يستدعي تدخل الدولة وتحكيمها لتحقيق توازن المصالح بينها، وإيجاد الحلول المتفقة مع هذه المصالح من جهة والمصلحة الوطنية العامة من جهة ثانية.

2- الخيار المفروض: زراعة قادرة على مواجهة المنافسة.

الخيار الأساسي، زراعة قادرة على المنافسة ان تحصين الإنتاج الزراعي، بتحسين نوعيته وتخفيض كلفته، هو الخيار الوحيد الذي يفرض نفسه على الزراعة اللبنانية، التي هي جزء لا يتجزأ من الإقتصاد اللبناني القائم على الحرية الإقتصادية، والتي يتحتم عليها، ان شاءت التفاعل مع القطاعات الأخرى، وكسب الزخم الذي تتميز به هذه القطاعات، ان تخضع له، وهو خيار تفرضه طبيعة المنافسة المتزايدة الحدة في الأسواق الخارجية المتاحة، فضلاً عن هاجس مراعاة مصالح مستهلكي السلع الزراعية بتقديمها نوعية ممتازة وباسعار منخفضة، خصوصاً وان تموين أسواق السلع الزراعيةالأساسية في الداخل يتم عن طريق الاستيراد بنسبة تتراوح بين 80 و90%.

ويفرض هذا الخيار عدداً من المبادئ كما يخضع لشروط ملائمة، ربما كان أبرزها تلبية الحاجة الوطنية لمختلف السلع الزراعية، والحصول على قناعة المزارعين ومشاركتهم الفعلية في اعتماد هذا الخيار.

(1)- أما المبادئ التي يرتكز عليها الخيار الأساسي فهي التالية:

أ- زيادة إنتاجية العمل بتكثيف الإنتاج أي بزيادة المردودات بالنسبة لكل دونم من الزراعات المختلفة أو بالنسبة لكمية مياه الري المستخدمة، وبإدخال الآلة حيث تسمح بذلك الظروف التقنية والاربحية الإقتصادية.

وترتفع هذه الإنتاجية بنتيجة توسيع الأراضي المروية وتأصيل النزروعات واختيار الأنواع الوراثية الملائمة واستخدام المدخلات الزراعية بالنوعية والكمية اللازمة، في ضوء ما تذيعه هيئة الإرشاد الزراعي بالتنسيق مع نتائج الأبحاث العلمية الزراعية.

ب- توزيع الزراعات والمواشي على المناطق على أساس الظروف الطبيعية والبيدولوجية والبشرية التي تهيؤها هذه المناطق لهذه الزراعات والمواشي.

ج- تخصيص المناطق الزراعية في هذه الزراعات والمواشي، بما يسمح استخدام الوسائل اللازمة للإنتاج بصورة تعاونية، وكذلك تصريف هذا الإنتاج أو حفظه أو تصنيفه، وبما يخدم تكثيف الخبرة لدى المزارعين والمربـين، وهو شرط أساسي لزيادة الإنتاج.

وكل ذلك من شأنه أن يوجه نحو منتوجات زراعية عالية النوعية قليلة الكلفة ومضمونة التصريف.

د- اللجوء الى الزراعات الصناعية على اختلافها: الشمندر السكري الزراعات الزيتية.

هـ- التأقلم مع معطيات الأسواق الجديدة في الدول العربية التي كانت تعتبر في الماضي أهم أسواقنا الخارجية المتاحة أمام منتوجاتنا الزراعية، وإعادة النظر في منتوجاتنا الزراعية لتأتت مكملة للمنتوجات العربية المحلية لا منافسة لها.

(2)- وأما الشروط الملائمة للمنافسة، فيقتضي على أهميتها عدم تصادم مصالح الشركات الكبرى مستقلة أو بالتفاهم فيما بينها مع مصالح الضعفاء، فتصبح عبئاً على صغار ومتوسطي المزارعين، لذلك فإنه من الضروري إتخاذ بعض الإجراءات لتحسين شروط تسويق السلع الزراعية وتأمين المنافسة.

أ- تشجيع التعاونيات الزراعية وجمعيات المنتجين على تحسين نوعية الإنتاج المعدّ للسوق باتباع افضل الطرق العصرية في التوضيب والتسويق.

ب- تشديد المراقبة الموسمية على التقيّد بالحد الأدنى من الشروط الصحية والتجارية المتعارف عليها دولياً.

ج- جمع الاحصاءات اللازمة حول الإنتاج الحالي، والتوقعات العائدة لتطوره في المستقبل بما فيها التوقعات المناخية وتوزيعها على العاملين في حقل التجارة الزراعية ليتمكنوا من أخذها بالاعتبار في وضع استراتيجيتهم وخططهم الموسمية.

د- التركيز على مجموعة من المنتوجات ذات الأسواق المستقرة والأسعار المثبّتة. بعد أن أصبحت بعض الزراعات مكلفة وتتطلب رساميل إضافية وثابتة ويستحيل على المزارعين تحمل مخاطرها إذا كانت أسواقها مضطربة وأسعارها متقلبة.

(3)- وحول تأمين الحدّ الأدنى من الأمن الغذائي الوطني، فإنه يتنافى فب بعض الأحيان مع إطلاق العنان لمبدأ الحرية الإقتصادية، فالأسواق العالمية لبعض السلع الأساسية والإجتماعية، كالسكر والقمح واللحوم والحليب والتبغ وغيرها، قد تقضي،مع حرية الاستيراد، على الإنتاج الوطني من هذه المواد فتذهب سياسة الأمن الغذائي معها، وهذا ما يرتب على الدولة واجب حمايتها بتأمين سياسة أسعار مدعومة شرط إتخاذ الإجراءات المناسبة، ليستفيد منها المزارعون الحقيقيون دون سواهم.

هذا ويقتضي التشديد، من خلال أجهزة الإرشاد الزراعي، على تدريب المزارعين على الطرق الحديثة في إدارة حيازاتهم، وفي تمويل مشاريعهم، وفي تنويع مزروعاتهم، لتأتي متأقلمة مع التوجهات الموسمية حول ظروف الطلب المتبدلة، سواء في خارج البلاد أو داخلها.

وقد يكون من المفيد أن يشترك المزارعون مع الدولة في تمويل صندوق لمواجهة الطوارئ الخارجة عن التوقعات العادية، ولدعم بعض المنتوجات الزراعية والحيوانية الواجب إنتاجها محلياً ولمساعدة المناطق الجبلية والنائية والفقيرة، فيخصص المزارعون جزءاً من أرباحهم في المواسمالرابحة، كما تخصص الدولة إعتمادات موازية من أموال الموازنة، وإِما من اقتطاع رسوم خاصة على بعض المستوردات الزراعية، وتستخدم أموال هذا الصندوق في تأمين المدفوعات التعويضية عن الطوارئ المذكورة.

ان اقتطاع رسوم خاصة على بعض المنتوجات الزراعية والغذائية، يساهم في دعم عدد من المنتوجات التي توصي بتنميتها الخطة، والتي تشتمل على السلع الغذائية الأساسية أو التي لها طابع إجتماعي، كما يساهم في تنفيذ بعض المشاريع الإنشائية والإجتماعية في المناطق الريفية كشق الطرق، وتمويل المجمعات السكنية، أو إيصال المياه وبناء المدارس وتجهيز المستشفيات، وإنشاء بعض الأعمال المتعلقة بالري، وهي مشاريع تخدم الطبقتين الفقيرة والمتوسطة وترفع عنها الغبن اللاحق بهما بنتيجة مما أصابهما من إهمال مزمن على مدى عشرات السنين.

ويقتضي التمييز بين نوعين من الزراعات، الزراعات المعروفة بالزراعات الأساسية، لأنها تشكل الغذاء الرئيسي للطبقات الفقيرة والمتوسطة، والتي تعرف أيضاً بالزراعات الإجتماعية لما لها من أهمية شعبيّة وإجتماعية من جهة والزراعات العادية، أما لأنها غير غذائية، وأا لأنها ليست أساسية في هذا المنحى، أو تدخل في جزء بسيط من الغذاء الوطني، وتنتج من أجل التصدير.

وعندما نتحدث عن مساعدة الزراعات، فإنما نحن نعني الزراعات الأولى، أي الزراعات الأساسية والتي هي الحبوب على اختلافها، والزيوت واللحوم البيضاء والحمراء، والحبوب، والحليب والسكر... والمقصود هو بأن تكون هذه المساعدة موقتة، وربما تكون قد اكتسبت من القدرة والإنتاجية ما يجعلها قادرة على التغلب على صعوباتها، وعلى تحصيل أرباح كافية لتأمين وسائل عيش كريمة للعائلات الزراعية الريفية التي تتقاضاها.

(4)- وأخيراً، فان من أولى واجبات الخطة لإنجاح الخيار الأساسي والوصول به إلى زراعة قادرة على المنافسة هو تأمين الموافقة الشعبية عليها والمشاركة الأهلية في إنجاز الخطوات التي تتضمنها، ذلك أن أية خطة تنموية تتطلب تفاعل القمة والقاعدة وتعاونهما، ويعتبر هذا التعاون الشرط الذي لا بد منه من أجل نجاح هذه الخطة، ويتجسد هذا التعاون في مشاركة المزارعين في وع الخطة، وفي إطلاعهم على تفاصيلها عندما تصبح جاهزة، وعلى كل مرحلة من مراحلها، مع الإشارة الى أدوارهم في هذه المراحل، والأخذ بملاحظاتهم ليصار الى إجراء التعديلات التي تفرضها الظروف والمعطيات المستجدة خلال التنفيذ، والتي لم تلحظها الخطة لدى وضعها.

ومن الطبيعي بأن يشمل هذا التعاون أوسع قاعدة ممكنة من المزارعين، ولا يكون ممكناً إلا من خلال إنشاء التعاونيات والجمعيات الزراعية، وتشجيعها لتستطيع ضم أكبر عدد من المزارعين إليها.

كذلك، فلا بد من أن يطاول هذا التعاون أبناء الريف بصورة عامة، والمجتمع الوطني بكامله في مرحلة لاحقة، لما قد يطلب من هؤلاء جميعاً من تقديمات وتضحيات لا تقتصر على المجتمع الزراعي أو الريفي وحسب، بل تتناول القطاعات الإقتصادية الأخرى التي قد يطلب منها مساعدات استثنائية للقطاع الزراعي، وفئات المستهلكين الذين قد يضطرون الى تحمل بعض الزيادات البسيطة والموقتة، على أسعار بعض السلع الزراعية الأساسية.

والآن ما هي الخطوات لتي يجب إعتمادها لتنمية الزراعة على اعتبارها اجزاء متكاملة من السياسة الزراعية التي نراها صالحة للبنان الزراعي في المستقبل؟

لا بد هنا من التمييز بين هذه الخطوات، فبعضها يتناول تحسينات البنية الأساسية التي تشمل على جانب إنشائي وآخر تقني، وبعضها الآخر تحسينات البنية الفوقية أي توزيع المزروعات وتربية الحيوان وإعادة النظر في نوع هذه المزروعات وتعزيز تربية المواشي التي تتواءم مع الموارد اللبنانية ومع الحاجة إليها في ضوء الأسواق الداخلية والخارجية المتاحة.

وفي الحالتين فان تحديد هذه التحسينات وتبديلها تدريجياً في ضوء المعطيات المختلفة الدائمة التطور والتبدل يتطلب جهازاً خاصاً ومتخصصاً بالتخطيط الزراعي وهو ما سنشير إليه كخطوة أولى قبل الإنتقال إلى غيرها من الخطوات.

ان التخطيط للقطاع الزراعي، وان كان يصطدم بعقبات وتعقيدات كبيرة ناتجة عن الظروف المناخية والسياسية والعلاقات الإقتصادية مع الخارج، وطبيعة المزارع بصورة عامة، والمزارع اللبناني بصورة خاصة، المتمردعلى الانخراط في مشروع تنظيمي له قيوده، وتوجهاته، هو ضرورة ملحة، لا يمكن الخروج عليها، وعدم تخصيصها بالاهتمام المناسب لها.

وهو يفرض العمل في الإتجاهات التالية:

1- مسح كامل للموارد والمنتوجات والصادرات والمستوردات والمدخلات الزراعية على اختلافها، وأوضاع الإنتاج والأسواق الزراعية في الخارج وذلك بالتنسيق الكامل مع المديرية العامة للإحصاء المركزي، وباستخدام الوسائل التكنزلوجية المتطورة، والخبراء الإختصاصيين الاكفاء.

2- حفظ هذه الاحصاءات، إضافة الى التقارير الأجنبية واللبنانية القديمة والحديثة، وفقاً للوسائل المعلوماتية والتكنولوجية الحديثة/ ليسهل استخدامها عند الحاجة، وذلك من خلال مركز متخصص بجمع المعلومات، ويتصل بشبكات بنوك المعلومات المتخصصة، بالاحصاءات والمعلومات الزراعية في دول الخارج والمنظمات الإقليمية والعالمية.

3- استثمار هذه الإحصاءات والتقارير والمعلومات المختلفة، كلما دعت الحاجة إلى التخطيط للقطاع الزراعي للإستخدامات الداخلية، أو للتعامل مع الأسواق الخارجية، وذلك بعد تحليلها واستخلاص العبر منها، على أيدي خبراء بالإنتاج الزراعي والمشاريع الإنشائية، والتخطيط الزراعي المتوسط والطويل الأمد.

الجزء الثاني

تحسينات البنية الزراعية

الفصل الأول:

إدارة واستثمار الاراضي الزراعية

ان ضمور المساحة الجغرافية في لبنان، الذي يقابله ارتفاع في عدد السكّان، من جهة، وقضم الأراضي الزراعية بنتيجة الزحف العمراني، من جهة ثانية (15 الف هكتار بين 1960 و1980)، يفرض بما لا مناص ولا مفر منه، توسيع المساحات المزروعة والمروية، كما اشرنا اليه في مكان آخر من هذه الخطة، والى ادارة وتنظيم استثمار الاراضي القابلة للزراعة بالاستناد الى الاسس والطرق العملية والعقلانية المتبعة في الدول المتقدمة.

فحصة الفرد اللبناني الحالية هي في حدود تسعماية متر مربع من الاراضي الزراعية، ومائتا متر مربع فقط من الاراضي المروية، وهي حصة ضئيلة جداً، وتفسّر هزالة الارقام كانخفاض مساهمة الدخل الزراعي في تكوين الدخل القومي (8% - سنة 1992) وانخفاض دخل المزارع الفردي (35% من الدخل الفردي في القطاع الصناعي) وترجع نسبة الصادرات الزراعية من 25 الى 12% بين سنتي 1975 و1989 الخ وانكشاف لبنان بالنسبة للسلع الزراعية الاساسية كالقمح (90%) واللحوم (8%) والحليب (20%) والسكر (90%) الخ...

وعلى هذا الاساس يقتضي العمل على احصاء الاراضي الزراعية والقابلة للزراعة، والاراضي المروية او الممكن ريها، والاراضي الحرجية والقابلة للرعي، وادارة استثمارها في ضوء الاسواق الداخلية والخارجية، وعلى اساس انتاجيتها بتأثير التربة والمناخ وخبرة المزارعين، بحيث تؤدي هذه الادارة العقلانية والمدروسة الى زيادة الانتاج، وتأمين اعلى نسبة من الاسعار والدخل وافضل ظروف التصريف آخذاً بعين الاعتبار المعطيات الواقعية والمتبدلة للعرض والطلب.

ان مثل هذه الادارة تتطلب ما يلي:

1- معرفة طبيعة الاسواق الزراعية واذواق المستهلكين واسعار المنتوجات، في حاضرها وفي مستقبلها، المنظور والمتوقع.

2- مسح الاراضي الزراعية والحرجية والقابلة للزراعة والتحريج ورعي الماشية بالوسائل العلمية الحديثة (احصاءات – تصوير جوي) ووضع خرائط بها تتناول القرى.

3- تحديد نوعية التربة وتصنيفها على اساس خصبها وصلوحها لمختلف المزروعات.

4- تحديد الظروف المناخية وتصنيفها على اساس صلوحها لمختلف المزروعات.

5- تقدير المساحات التي يمكن استصلاحها وريها وتحريجها واعدادها للرعي.

6- دراسة الدورات الزراعية المناسبة للتربة والمناخ والاعراف الزراعية اللبنانية.

7- توزيع الزراعات على الاراضي والمناخات المحلية المناسبة لها بحيث تأتي متوافقة مع حاجات ومتطلبات الاسواق الزراعية، فينصح بزراعة في مكان مناسب لها، وبتحاشيها في مكان آخر الخ.

8- وضع التشريعات اللازمة لانشاء مناطق زراعية، ومنع العمران فيها بما يتجاوز الحاجة الزراعية لهذا العمران. (5% كحدّ أقصى وفقاً لدراسات صادرة عن "الفاو").

9- ايجاد حل لتثبيت وتوزع الحيازة الزراعية تسهيلاً لمكننتها واستثمارها.

10- وضع قانون بالمزارعة يحل مكان العقود السنوية والشفوية الغامضة التي ترعى علاقات مالكي الاراضي بمستثمريها، وتجعل مدة عقود الزراعة موازية للدورة الزراعية الكاملة او لاضعاف هذه الدورة (3 او 6 او 9 سنوات) وذلك لاتاحة الفرصة للمستثمرين باجراء التحسينات اللازمة على الاراضي الزراعية حفاظاً على خصبها، وتسميدها عضوياً وتشجيعاً على تجهيزها بالمعدات والآلات الزراعية الحديثة وضد الرياح عنها الخ...

11- الاستعانة بالتعاونيات والجمعيات الزراعية المحلية لتأمين الشروط اللازمة لحسن إدارة هذه الاراضي وانجاح خطة الدولة بشأنها.

وهكذا تكون إدارة الاراضي العقلانية أداة ناجحة لاستثمار الاراضي الزراعية على أفضل وجه، ورفع نسبة الامن الغذائي بالنسبة للمنتوجات الاساسية والحصول على أحجام المنتوجات القريبة من طاقة الاسواق الزراعية الداخلية والخارجية المتاحة لاستيعابها وتفادي كسادها.

رابعاً: ضم الاراضي واستثمار الاراضي المهملة والشائعة.

الفصل الثاني:

أولاً: ضم الاراضي

ان تشتت الملكية العقارية يؤثر في انتاجية الاراضي الزراعية، بحيث يزيد من كلفة استثمارها ويحول دون مكننة الاعمال الزراعية التي تتطلبها، ويتسبب بهدر الوقت الذي يستغرقه نقل الاشخاص والمدخلات الزراعية اليها.

وعليه، فان تجميع الملكيات الزراعية في ما يعرف بعملية ضم الاراضي تمليه شروط التنمية الزراعية الناجحة، ويكون ذلك بـ:

1- تعديل القوانين الحالية التي ترعى عمليات الضم لجهة التعجيل في الاجراءات التقنية والقانونية العائدة لها، وتخفيف شروط الضم اختياري المتعبة حالياً أو باستبداله بالضم الاجباري مع اختصار مراحله الاجرائية.

2- إعطاء الاولوية في عمليات الضم للمناطق المشمولة بمشاريع الري التي تتضمنها الخطة.

3- تشجيع تبادل الملكية الحبي بين صغار المالكين.

4- النظر في طبيعة الملكية في بعض المناطق اللبنانية وتحريرها من الصفة "الاميرية" المجحفة بحق المالكين، وبيع الاملاك الجمهورية الصالحة في بعض المناطق للمزارعين الذين لا ملكية لهم باسعار مقبولة ومقسطة لآجال متوسطة وطويلة.

ثانياً: استثمار الاراضي المهملة او الشائعة.

ان مساحات زراعية كبيرة هي غير مستثمرة حالياً، اما بسبب شيوعها واما بسبب امتلاكها من المغتربين وورثتهم الموزعين تحت كل سماء وعليه فان الحل هو في تسهيل إدارتها بصورة جماعية من قبل مالكي العقارات المجاورة باشراف ومشاركة السلطات الرسمية الاقليمية، وبما يضمن الاحتفاظ بحقوق المالكين الغائبين.

الفصل الثالث

إدارة المياه:

إذا كانت المساحة المروية حالياً في لبنان هي في حدود 70 الف هكتار، فان حصة الفرد اللبناني من هذه المساحة هي حوالي 200 متر مربع فقط.

واذا ما علمنا بان لبنان يتلقى في سنة "ماطرة" حوالي 9 مليارات متر مكعب من المياه، وفي سنة الشحاح حوالي 4،5 مليارات متر مكعب، يستخدم منها قرابة 700 مليون متر مكعب في الري، والباقي يذهب هدراً الى البحر (30-35%) او يتبخر او يتجه الى عمق الطبقة الجوفية (30-35%) فيحصل معنا باننا نستطيع بان نطمح الى استخدام ما لا يقل عن 1،6 مليار متر مكعب، اي ما يكفي لري حوالي 160 الف هكتار، وهو طموح قابل للتحقيق بالرغم من انه مكلف، ويتطلب مدة طويلة قدرته تقارير خبراء الفاو بـ15 الى 30 سنة، وهو يؤمن للفرد بنهاية هذه المدة التي يكون قد اصبح عدد اللبنانيين فيها 7 ملايين نسمة حوالي 220 متر مربع، بمقابل 100 متر مربع فقط بدون تلك الخطة – الطموح المتواضعة.

ولا بد من الاشارة هنا، الى ان حوالي 45000 هكتار من المساحة المروية حالياً تروى من المياه السطحية وحوالي 25000 هكتار من المياه الجوفية عبر ما لا يقل عن 2500 بئر ارتوازي.

اما عن آفاق المستقبل وفقاً لدراسة منظمة الفاو والخطة التي يجب العمل على تنفيذها لبلوغ هذه الآفاق فهي التالية:

1- إعادة تأهيل الشبكات الحالية لجر المياه السطحية 50،000 هكتار.

2- مشاريع مائية جوفية 28،1000 هكتار

3- مشاريع مائية متوسطة الحجم 11،000 هكتار (منها ما هو سطحي 8300) (ومنها ما هو جوفي 2700 هكتار).

4- مشاريع مائية كبيرة الحجم 74000 هكتار (منها ما هو سطحي 64800 هكتار) (ومنها ما هو جوفي 9200 هكتار).

المجموع: 163100

منها ما هو سطحي: 123،100 هكتار

ومنها ما هو جوفي: 40،000 هكتار

وهكذا تكون الرقعة المروية قد ارتفعت مساحتها من 70،000 هكتار الى 163،100 هكتار اي 93100 هكتار.

5- العودة الى مشروع البحيرات الجبلية التي كانت اقترحتها بعثة الاب لوبره سنة 1962، والتي وضعت خططها إدارة المشروع الاخضر والرامية الى تجميع مياه الشتاء في منخفضات جبلية تسمح طبيعة تربتها بتلقي المياه وحفظها وذلك بالنظر لأهمية هذه البحيرات في إنماء الاراضي الجبلية البعلية والخصبة لإنماء المناطق الفقيرة في البقاع والجنوب والشمال بصورة خاصة.

6- ان المشاريع المائية التي يقتضي تنفيذها لتحقيق هذه الزيادة والمتضمنة حلولاً تقنية كإنشاء السدود والخزانات والسراديب والاقنية الضخمة والمضخات الثقيلة هي مشاريع مكلفة وتقدر بمئات الملايين من الدولارات مما يجعل اللجوء الى المؤسسات الاجنبية المقرضة كالبنك الدولي والصناديق العربية وضندوق التنمية الزراعية أمراً محتماً.

7- ان التعرج الطوبوغرافي لبعض المساحات المعدة للري يجعل من جر المياه بالجاذبية عملية مستحيلة، ويتعين استبداله بطريقة الري برش المياه بعد ضخها وهي طريقة تساعد على مكننة الاعمال الزراعية، وخفض كلفة الايدي العاملة، وتحسين الانتاجية، ولكنها تتطلب دراسات دقيقة ومفصلة ومكلّفة.

8- وحدها الزراعة الكثيفة والمركزة على المنتوجات العالية القيمة من شأنها ان تبرر الكلفة المرتفعة التي اشرنا اليها، وهي بدورها تتطلب تدخلاً حكومياً قوياً ومستمراً ومنسقاً لتأمين الدعم الضروري للمزارعين وذلكعلى صعيد التسليف الزراعيوالابحاث العلمية والارشاد الزراعي الخ.

وهو ما اشرنا وسنشير اليه لدى حديثنا لاحقاً.

9- انالاصلاحيات العقارية التي تتناول مساحات الحيازات العقارية وتشتتها وضرورة ضمها بالطرق الحبية المناسبة بعد تعديل القوانين الحالية، وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر هي من أولويات الشروط لنجاح هذه المشاريع إذا ما اريد لها أن تكون فاعلة في عملية التنمية الزراعية.

10- يجب التنبه الى الخطر الذي تشكله المراهنات العقارية على هذه المشاريع بحيث يستفيد من الأموال المنفقة في سبيلها عدد محدود من المواطنين على حساب جمهور المزارعين، أي خلافاً لأهداف الخطة.

11- يجب التركيز على المشاريع التي لا تتجاوز مساحتها 1500 – 2500 هكتار لتسهيل عملية تضامن المستدينين من جهة، وعمليتي التمويل والدعم الحكومي من جهة ثانية وهي مشاكل أساسية تعترض، ولقد اعترضت فعلاً حتى الآن – تنفيذ المشاريع الكبيرة.

12- ان إدارة هذه المشاريع بعد تنفيذها يجب أن تكون عقلانية وعصرية، بحيث توفر معالجة مشاكل معقدة كثيرة كتأمين الطاقة، وقطع الغيار والصيانة الدائمة وذلك يفترض مساهمة جادة من قبل المزارعين أنفسهم من خلال اشتراكهم في إدارة هذه المشاريع مباشرة أو من طريق التعاونيات الزراعية التي ينتمون إليها.

13- وإذا كان هنالك من مراحل يجب اعتمادها لتنفيذ هذه الخطة، فانها تبدأ باعادة تأهيل المساحة المروية التقليدية وتحديث شبكاتها، وتأمين ادارة أهلية لها الى تنظيم وتشجيع استثمار المياه الجوفية ومد أصحابها بالقروض المناسبة الى تعميم طرق الري الحديثة التي تخصص أكبر عدد ممكن من المهندسين الشباب بإدارة مشاريع الري الى وضع القناة 900 في القاع موضع التنفيذ الى إعادة النظر بالمشاريع المائية الكبرى في ضوء التحولات المالية والإقتصادية والإجتماعية المتجسدة بعد وضعها في فترة ما قبل الحرب.

وفي أثناء ذلك يجب العمل على إنشاء مجلس أعلى للمياه يجمع المسؤولين عن المؤسسات والمصالح المعنية بالمياه وممثلين عن القطاع الخاص، وجعله مسؤولاً عن وضع البرامج المائية وتحديد سياسة المياه وتحديث القوانين العائدة لها.

الفصل الرابع

إدارة الغابات "والخدمة الحرجية الإجبارية"

لا يخفى على أحد بان للغابات أهمية بالغة على الأصعدة الإقتصادية (أخشاب – وقود...) والمناخية والمائية والبيئية، وبان هذه الغابات كانت تغطّي في الماضي حوالي 200 ألف هكتار أي 20% من مساحة لبنان، وقد عبثت بها أيدي العثمانيين لغابات عسكرية، ومن بعدها أيدي اللبنانيين أنفسهم من طريق قطعها الفوضوي واستخدمها لصناعة الفحم وبيع الأخشاب واطلاقها قطعان الماعز بما لا ينتفق قط مع صيانة الأحراج ولا سيما تلك الفتية منها والتي أتت عليها أعمال القطع البدائية.

وعليه، وحفاظاً على هذه التروة الوطنية الغالية، وتأمينا للحد الأدنى من الكفاية الذاتية من الأخشاب (يقدر الإنتاج بـ200 ألف سنوياً مقابل 1,500,000 طن من الاستهلاك السنوي) يتعين وضع خطة وطنية متكاملة لإعادة تحريج لبنان وصيانة الاحراج الحالية، وتأمين المراعي في ضوء ما تسمح به طبيعة الأراضي الصالحة لها وصيانتها، ومن المفترض أن تشمل الخطة العناوين التالية:

1- يجب بان يكون الهدف إعادة تحريج لبنانلتغطّي 15 – 20% من مساحته الإجمالية أي بين 150 و200 ألف هكتار بعد أن إنخفض الى ما دون 10%.

وهذه المساحة تشمل إعادة تحريج حوالي 25 ألف هكتار من الفراغات ضمن الغابات الحالية. إضافة ألى 125 – 175 ألف هكتار من الأراضي الجبلية المهملة وغير قابلة للزراعات الغذائية مما يؤدي الى إنتاج ما لا يقل عن 500 ألف هكتار مكعب من الأخشاب أي حوالي 35% من حاجة لبنان المقدرة في نهاية هذا القرن بمليون ونصف مليون متر مكعب.

ومن الطبيعي، بان المساحة المطلوب تحريجها، تتحدد بنتيجة إدارة الأراضي على النحو المبين في مكان آخر من هذه الخطة، وبعد تصنيف الأراضي الزراعية الى ثلاث فئات، فئة الأراضي الخصبة القابلة للزراعات الغذائية، وفئة الأراضي القابلة للتحريج، وفئة الأراضي اقابلة لاعدادها كمراع للمواشي بصورة خاصة للأغنام والماعز.

2- وبما ان خطة التحريج هذه قد تستغرق مدة طويلة تتراوح بين 20 و 40 سنة، حسبما تسمح ظروف البلاد المالية بتخصيص الاعتمادات اللازمة، فان ما يجب انجازه في المرحلة المقبلة، ومع البدء بتنفيذ هذه الخطة املاء الفراغات الحرجية الحالية، وصيانتها، واستثمارها وفقاً للطرق العلمية والعقلانية المتبعة في بلدان العالم المتقدمة.

3- إعادة تأهيل مديرية الاحراج، وتزويدها بالمهندسين والمساعدين المتخصصين فضلا عن سرية الاحراج التي يجب بان تضم عناصر من درجة علمية كافية لتلقي القواعد الفنية الضرورية للمهام التي ستسند اليها.

وفي هذا المجال لا بد من تدبر منح لدورات فنية في الخارج، واستقدام خبراء اجانب، وإقامة مراكز تعليم وتدريب لكافة العناصر المولجة بالتعاطي مع الاحراج، كحقل اختصاص زراعي متمايز عن الحقول الأخرى.

4- تعديلالقوانين والأنظمة الحرجية، الحالية، لتأتي متوافقة مع الخطة الجديدة ومع ضرورات حماية وصيانة الغابات القائمة واللاحقة لجهة الطرق الحرجية الفنية الحديثة، وتشديد العقوبات على المخالفية والعابثين بهذه الثروة الوطنية.

5- إحياء المشاتل الحرجية بالاصناف الملائمة للتربة والمناخ في مختلف المناطق اللبنانية، والمساحة المتوافقة مع مراحل الخطة الحرجية المقررّة.

6- إضافة الى الخرائط التفصيلية الملحقة بمراحل التحريج المتعاقبة، والشاملة مرة واحدة جميع المناطق اللبنانية يقتضي وضع خرائط تفصيلية أخرى لطرقات جبلية يمكن استعمالها لخدمة الاحراج من جهة، وللغابات الزراعية العامة من جهة ثانية.

7- لا بد من الاستعانة، لتنفيذ هذه الخطة، توفيرا لنفقاتها المرتفعة، واسهاماً من جميع المواطنين في تحمل مسؤولية نجاحها ورعايتها وحمايتها بالمدارس الرسمية والخاصة وبالجمعيات والتعاونيات والاندية، فضلاً عن القوات المسلحة، وذلك من ضمن ما يمكن تسميته "بالخدمة الحرجية" الاجبارية التي يطالب جميع المواطنين بادائها.

8- ان تنفيذ الخطة الزراعية والحرجية، باستصلاح الاراضي والبحث عن وسائل ريها،وتحريج الاراضي المخصصة للغابات وشق الطرقات إلخ، يتم في مختلف المناطق وفي آن معاً، مما يحدث، في كل منطقة "ثورة خضراء" ترتفع وتيرتها، تدريجياً مع الوقت، وتنتهي بانجاز الخطة على الوجه المرسوم لها.

9- تكثيف استثمار المراعي في الأراضي غير القابلة للزراعات الغذائية والواقعة بمعظمها في المناطق المتوسطة العلو عن سطح البحر، وادخال أنواع النباتات العلفية البعلية المناسبة عليها وتنظيم رعيها بما لا يؤثر في نموها، ويتفق مع أفضل صيغة لتغذية العدد المناسب من قطعان الماشية التي تستطيع تحملها.

10- إرشاد مربي قطعان المواشي (أغنام وماعز) الى الطرق العقلانية في استثمار هذه المراعي، بما يؤمن مصالحهم وفي الوقت نفسه الحفاظ على المراعي كثروة وطنية هامة ووضع الأنظمة اللازمة التي تسمح للدولة بمراقبة هذا الاستثمار وحمايته.

الفصل الخامس

خزن الانتاج واعداده للإستهلاك

ان السلع الزراعية المتداولة في لبنان، سواء المستوردة منها أو المنتجة محلياً، تحتاج لتنظيم حفظها حتى استعمالها أو تصديرها.

وهذا الحفظ يمكن بأن يكون من خلال المسالخ والمستودعات العادية أو المبرّدة أو المثلّجة أو السيلوهات فيما يعود للقمح والحبوب الأخرى.

1- المسالخ: يجب تعميم هذه المسالخ، وتنظيم مراقبتها واستخدام نفاياتها، وذلك بالتعاون مع البلديات واتحاداتها ومع وزارة البيئة والصحة حفاظاً على الصحة والسلامة العامتين.

2- المستودعات العادية: ويجب تشجيع إنشائها وتعميمها وتجهيزها بالمعدات اللازمة، وربطها بمؤسسات التسليف الخاصة والرسمية، بحيث تشكل ضماناً لتسهيلاتها وقروضها.

3- المستودعات المبردة والمثلجة:تحدد مساحة وسعة هذه المستودعات وتوزع على المناطق في ضوء حجم الانتاج، ووجهة استهلاكه أو تصديره.

ويقتضي الأخذ بالاعتبار حفظ الخضار واللحوم بتبريدها أو بتثليجها في ضوء التوقعات العائدة لاستهلاكها في الداخل والخارج.

4- السيلوهات:في بلد مكشوف غذائياً وبصورة خاصة من القمح والحبوب بحجم الكشف الغذائي اللبناني، يقتضي اتخاذ الاجراءات الضرورية لخزن ما لا يقل عن حاجة البلاد الى 6 أشهر، علماً بان بعض الدول تنشئ سيلوهات لاختزان حاجاتها لأكثر من سنة في ضوء إمكاناتها المالية.

لذلك، فإن لبنان مدعو لإنشاء سيلوهات تتسع 250 – 300 ألف طن من القمح (نصف الاستهلاك السنوي في العشر سنوات المقبلة) و150 – 200 ألف طن من الحبوب الأخرى، مع الإشارة الى أن طاقة الحكومة التخزينية الحالية هي فقط 120 ألف طن من القمح (95 ألف في بيروت و5 في طرابلس و20 البقاع).

وذلك يعني بأننا بحاجة الى ثلاثة أو أربعة أضعاف الطاقة الحالية مع التشديد على توزيع الطاقة التخزينية الإضافية على المحافظات في ضوء حجم انتاجها واستهلاكها للحبوب على اختلافها (150 ألف طن في بيروت 75 – 100 ألف طن في الشمال و75 – 100 ألف طن في الجنوب و75 الى 100 ألف طن في البقاع.

واذا كان إنشاء السيلوهات لكامل الطاقة المذكورة مكلف للغاية واعتماداته غير متوفرة في الوقت الحاضر، فيمكن تشجيع شركات القطاع الخاص على تأمينها، ولو اقتضى ذلك تقديم الكفالات المالية لها شرط خضوعها لتوجيهات إدارة مكتب الحبوب والشمندر السكري وإشرافها.

5- ويمكن هنا إدراج مشاغل توضيب الفاكهة والخضار ووضع أنظمة حاسمة بها تسمح للدولة بالإشراف على طرق التوضيب والحفظ والتسويق، وبالحفاظ على حقوق المزارعين من خلال ضمانات عقارية وعينية، يتعين على أصحاب المشاغل تقديمها، تغطية كاملة أو جزئية لقيمة الإنتاج الزراعي الذي يتداولونه.

إن هذا الإشراف هو ضروري في الوقت الحاضر، بانتظار إنشاء المؤسسة الوطنية لتوضيب وحفظ وتصنيع وتسويق الانتاج طبقاً لمواصفات موحدة (Label) ومنطبقة مع المواصفات المعتمدة دولياً في الأسواق المستوردة.

ان إنشاء مثل هذه المؤسسة الذي سبق ان وضعنا مشروعاً بها سنة 1985 بالتعاون مع نقابة الفلاحين وعدد من التعاونيات اللبنانية، ومؤسسة جرمينال الفرنسية التي تضم 1800 تعاونية،وبموافقة وزيري الزراعة والإقتصاد آنذاك، يفرض نفسه في المرحلة المقبلة لما يؤمنه من ديناميكية، وقدرات مالية وفنية وتجارية، باتت ضرورية لمواجهة المنافسة الأجنبية، وذلك باشراك القطاعات التعاونية والنقابية والمزارعين والتجار بما فبهم أصحاب المشاغل الحالية وبدعم الدولة وإشرافها.

ومن الضروري بأن تشرف هذه المؤسسة على جميع الإنتاج وتوضيبه وحفظه وتصنيعه (الجزء الذي يجب حفظه وتصنيعه) وتسويقه في الخارج وتنظيم عملية دفع الأثمان للمزارعين، أو تقديم كفالات للشركات التي تتعاطى في تأمين المداخلات الزراعية (أسمدة – أدوية – آلات....) وعلى الدولة بأن تقدم القروض اللازمة لهذه المؤسسة، كما عليها تحمل جزء من أعبائها، أو من خسائرها عند حصولها، ولها من أجل ذلك ان تنشئ صندوقاً خاصاًيجري تمويله من ضرائب ورسوم على السلع الزراعية والغذائية المستوردة، ومن أرباح يمكن أن تحققها بعض المصالح المستقلة كمكتب الحبوب والشمندر السكري، ومن صناديق أخرى يمكن إنشاؤها لاحقاً.

6- كذلك، يمكن في هذا الإطار إدراج تنظيم أسواق الجملة للمواد الزراعية، كأن تكون إدارة واحدة لعدد من الأسواق في مختلف أنحاء العاصمة، وفي المحافظات وذلك بقصد توحيد الأسعار، ومنع إستغلال التجار للمزارعين والمستهلكين وتوحيد التوضيب، وتجهيز هذه الأسواق بالمعلومات السريعة واللازمة، وبالآلات والمحاسبة الحديثة، وبالتنسيق مع التعاونيات الانتاجية والإستهلاكية، وتجار الصنف.

الفصل السادس

إعادة النظر في القوانين والأنظمة العقارية والزراعية والمائية

إن معظم القوانين والأنظمة التي ترعى الثورة العقارية والزراعية والمائية، هي اما قديمة أو مبعثرة.وعليه، فإن إعادة النظر بهذه القوانين والأنظمة وتوحيدها، هما ضرورتان ملحتان تفرضهما الخطة الزراعية الشاملة ومعطيات الفنية والإقتصادية والإجتماعية المستجدة.

ويأتي في طليعة هذه القوانين والأنظمة تلك التي تنظم المساحة وملكية الزراعية، وتوزيع المزروعات على الأراضي الزراعية، وحماية هذه الأراضي والغابات، وعمليات الضم والعقودالزراعية والإستثمار الجماعي للأراضي المهملة الخ...

ولا شك بأن هذا العمل يتطلب وقتاً طويلاً ومساهمة لجنة من الخبراء القانونيين والزراعيين والإقتصاديين، ولكنه شرط أساسي من شروط نجاح الخطة، وإطلاق عملية التنمية الزراعية.

ولا بد من الإشارة هنا، إلى وجوب حسم ملف مشكلة كانت ولا تزال أحد أركان مبادئ الحركة المطلبية الزراعية وهو ملف ضمن العاملين في القطاع الزراعي، ومسثمرين كانوا أو عملاء. ذلك ان إنشاء مؤسسة وطنية للضمان الزراعي يشترك في تمويلها المزارعون والعمال والدولة من خلال رسوم جمركية بسيطة على بعص السلع الزراعية المستوردة من شأنها أن تلقي بعض الطمأنينة في نفوس المزارعين فيقبلون على الإنتاج بدون هاجس الخوف من المرض ونفقات الطبابة والإستشفاء من جهة وتقلبات الطبيعة وكوارثها، من جهة ثانية علماً بأن الجانب الأول من هذه المخاطر يمكن بأن توكل الى إدارة الضمان الإجتماعي بعد دراسة وفيّة تشترك في وضعها الدولة وأرباب العمل من المزارعين والعمال أنفسهم.

الفصل السابع

إعادة النظر في تنظيم وزارة الزراعة

إعادة النظر في تنظيم وزارة الزراعة والمصالح المستقلة التابعة لها بهدف تفعيلها وتعزيز طاقاتها التنفيذية، من طريق تعديل القوانين والأنظمة التي ترعاها، وإستقطاب الكوادر الفنية التي تحتاجها، واعدادهم أعداداً فنياً تطبيقياً، واخضاعهم إلى دورات علمية داخل البلاد وخارجها ورفع رواتبهم بما يؤمن لهم مستوى لائق من العيش ويصرفهم بكليتهم إلى تنفيذ المهمات الموكلة إليهم، والتنسيق مع كليات الزراعة العاملة في لبنان، بحيث تأتي برامجها والإختصاصات التي توفرها متطابقة مع الحاجة العملية التي يفرضها التطور الذي يشمل القطاعات الزراعية في ضوء المعطيات المتبادلة باستمرار مع ظروف العرض والطلب على السلع الزراعية والغذائية في الأسواق الداخلية والخارجية بعد توسيع اطرها الجغرافية والنوعية بما يضمن أكثر الأجواء مؤاتاة لتصريفها.

الفصل الثامن

إعادة النظر في طبيعة الأبحاث الزراعية

إن الدور الجديد، للأبحاث العلمية الزراعية كمرجع علمي وعملي للمرشدين الزراعيين والمزارعين الذي خطوا في مجال التقديم الزراعي أشواطاً كبيرة، يفرض تغييراً جزرياً في مفهوم الأبحاث العلمية الزراعية، يميل بها باتجاه الأبحاث التطبيقية التي تلبّي طلبات المرشدين الزراعيين وتواكب حاجات القطاع الزراعي الدائمة التطور، ولك بعد أن كانت متوجهة في الماضي نحو الأبحاث النظرية وهي أبحاث مكلفة، وتستغرق وقتاً طويلاً، ولا تتواءم مع حاجات بلد صغير كلبنان.

والأبحاث العلمية الزراعية اللبنانية، هي من القطاعات التي دمّرت الحرب معداتها ومختبراتها وهجّرت علماءها، فارتفعت هموم ونفقات إعادة تأهيلها، مما يستوجب اليوم اختيار البحاثين من مختلف الاختصاصات واغرائهم بالرواتب والتعويضات والخدمات الاجتماعية المناسبة، لما يتطلبه عملهم من انصراف كلي الى مختبراتهم، ووفق دوام عمل يومي خاص، كما يتوجب إعادة تجهيز المختبرات وشبكات الري والمعدات التكنولوجية في مختلف المحطات التابعة لمصلحة الابحاث العلمية الزراعية، وانشاء محطات ومختبرات جديدة لها، وإعداد البحاثين الجدد وتدريبهم وانتدابهم الى دورات عملية واختصاصات جامعية في الخارج، لا تقتصر على الميادين التي كانت مواضيع اهتمام المصلحة، قبل الحرب، والتي قد يخرج بعضها من دائرة هذا الاهتمام، كما يقتضي إضافة ميادين أخرى اليها، كالابحاث الاقتصادية والحرجية والنباتية المستحدثة، الطبية منها والتزيينية والزراعات البديلة التي نوّهنا بأهميتها في أكثر مكان من هذه الخطة الخ...

الفصل التاسع

إعادة النظر في مهام وأساليب عمل الارشاد الزراعي

بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، على العمل الارشادي الزراعي في نطاق وزارة الزراعة، وبعد سنوات الحرب الاهلية التي فصلت المرشدين عن وظائفهم وعن المزارعين الذين قطع بعضهم اشواطاً بعيدة في التقدم الزراعي والتمرس بالتقنيات الزراعية الحديثة، بات على الدولة إعادة النظر في مهام واساليب عمل الارشاد الزراعي المتبعة حتى الآن.

وعلى الارشاد الزراعي اليوم ان يتوجه لفئتين متباينتي المستوى والحاجات: الفئة الاولى، وهي فئة متطورة، وتتطلب ارشادات فنية عالية، بالاضافة الى الدراسات والبرمجة الاقتصادية والبحث عن الربحية بعد احتساب الكلفة، وامتلاك الرأسمال التقني ودراسة الموازنات الاكثر من سنوية. والفئة الثانية، وهي فئة لا تزال في مستواها ما قبل الحرب، وتتطلب نصائح فنية واقتصادية بسيطة.

ومع الفئتين، يجب بأن يوجه الانتاج نحو الزراعات المكثفة والسلع المطلوبة والمتفقة مع توجهات الدولة ومخططاتها وذلك بالتنسيق الكامل مع التعاونيات والنقابات الزراعية على اعتبارها الحلقة الضرورية لتعزيز التعاون بين الدولة وجمهور المزارعين.

ولبلوغ هذه الغايات، يجب البحث عن صيغة ارشادية جديدة، تستند الى مشاريع حكومية واضحة ومتكاملة، والى مرشدين زراعيين متخصصين في الاقتصاد الزراعي،وفي الزراعات السائدة في المناطق التي يكلفون بها، فيكون لهم من الكفاءة المهنية، فضلاً عن المواصفات الاخلاقية والمعلومات القانونية والادارية، ما يسمح لهم باكتساب ثقة واحترام المزارعين، وهما الشرطان الاساسيان لفعالية دورهم وانجاز مهامهم على النحو المطلوب.

ومن أجل ذلك، يقتضي على المرشدين الزراعيين بان يخضعوا الى دورات تدريبية مكثفة ومتلاحقة في الدخل، وخصوصاً في الخارج، وان يكونوا على اتصال مباشر بمراكز الابحاثالزراعية التطبيقية، فيكونون من كوادرها، او تكون مرجعيتهم الفنية، فينقلون اليها هواجس ومشاكل المزارعين الحقيقية، يعالجونها معاً، ويستخلصون من خلالها، البرامج الواقية والمفيدة لابحاثهم.

وهكذا، يصبح الارشاد الزراعي الحلقة العصرية التي كانت مفقودة في الماضي، بين مراكز الابحاث والمراجع العلمية الرفيعة، والمستفيدين الطبيعيين من هذه المراكز والمراجع العلمية الرفيعة، والمستفيدين الطبيعيين من هذه المراكز والمراجع، وهم المزارعون من مستثمرين وعمال ومسؤولين عن الحيازات الزراعية.

الفصل العاشر

التسليف الزراعي والعمل التعاوني

ان أفضل وسيلة يمكن للدولة اعتمادها، لمقاومة "الفرديّة" السائدة في صفوف المزارعين، ولا سيما المتوسطي الحال والفقراء منهم، والموزعين على كامل التراب الوطني، ولتوجههم لتطبيق خططها الزراعية، هي التسليف الزراعي، الذي تتزايد حاجة المزارعين اليه، بتزايد لجوئهم الى الماكينات الزراعية والمعدات والتجهيزات الحديثة والتحسينات الزراعية المختلفة، فضلاً عن المدخلات الزراعية التي توفرها لهم القطاعات الاقتصادية الاخرى.

والتسليف الزراعي الرسمي موجود في لبنان منذ سنة 1955 من خلال بنكالتسليف الزراعي والصناعي والعقاري (BCAIF) الذي كان يوفر قروضاً موسمية ومتوسطة وطويلة الآجال، مقابل ضمانات صعبة لصغار المزارعين، والمشروع الاخضر (1963) الذي كان يقدم قروضاً لاستصلاح الاراضي، والاتحاد العام للتسليف التعاوني (1972) الذي يقصر قروضه – المتواضعة – على التعاونيات الزراعية، وأخيراً المصرف الوطني للتنمية الزراعية (1977) الذي بقي حتى الآن حبراً على ورق، بالرغم من تمويله سنة 1983 والحديث عن إعادة النظر في قانون انشائه منذ سنة 1991.

وفي نظرنا ان التسليف الزراعي في لبنان اليوم هو حاجة ملحة، ليس فقط لتأمين القروض اللازمة للمزارعين، لتحديث زراعتهم، وتأمين السيولة الضرورية، وانما ايضاً لتنفيذ الخطة الزراعية التي تعمل الدولة على اقرارها، من ضمن الخطة الانمائية العشرية التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة.

أما الادوات التي يجب التركيز عليها، فهي التالية:

1- المشروع الاخضر

2- الاتحاد العام للتسليف التعاوني

3- المصرف الوطني للتنمية الزراعية

أما المشروع الأخضر، الذي تحولت قروضه في المدة الأخيرة الى هبات، بفضل صيغة ذكية ابتكرتها ادارته، فيقتضي تكثيف اعماله، بتوفير الاعتمادات اللازمة له، ليتمكن من استصلاح المساحات التي يجتاحها "السيمنتو" وتوفيراً للغذاء التي تحتاجه افواه اللبنانيين الجديدة، بنتيجة التفجير السكاني، الذي لم تستطع الدولة ضبطه حتى الآن.

واما الاتحاد العام للتسليف التعاوني، فانه الوسيلة المعطاة لصغار المزارعين لتأمين حاجاتهم من القروض المختلفة الاجال سيما وان صيغة العمل التعاوني تسمح لمجلس ادارة التعاونية، وهو هيئة محلية منبثقة من المزارعين انفسهم التخفيف من تعقيدات ضماناتها، ومعرفة وجهة تعاملها الحقيقية المنطبقة مع الخطة الزراعية الرسمية، وتقدير فوائدها في ضوء فوائد السوق الحالية، وعدم ارهاقها لمستخدميها، وتأمين تحصيلها في اوقاتها.

والمهم هو تعديل القوانين والانظمة التي ترعى العمل التعاوني في لبنان، بما يوفق بين ديموقراطيتها من جهة، وتشديد الرقابة والتوجيه الرسميين عليها ولها، وابعادها عن التأثيرات السياسية والانتخابية، وتشجيع صغار المزارعين على الانتساب اليها، لتأتي خدماتها شاملة لأكثر نسبة من صغار المزارعين ومتوسطيهم.

ومن الطبيعي بأن تقوم الى جانب التعاونيات الزراعية الحالية وبالتنسيق مع الاتحاد العام للتسليف التعاوني، تعاونيات متخصصة بالتوفير، لتحريك الادخار الريفي والسيولة الموسمية وإعادة تثميرها في التسليف الزراعي، علماً بأن الدولة مدعوة لدعم مسيرة هذه التعاونيات بالهبات والقروض خصوصاً في مرحلة انطلاقها.

وآخراً، فان للمصرف الوطني للتنمية الزراعية دوراً كبيراً في تطبيق الخطة الزراعية، وتأمين القروض اللازمة للمزارعين، سواء الموسمية منها، او المتوسطةوالطويلة الأجل.

وهنا ايضاً، يعتبر عزل هذا المصرف عن المؤثرات السياسية شرطاً ضرورياً لنجاحه، وذلك يوجب الامعان في دراسة انظمته وتعديلها لتتسع الى تقبل الودائع العادية، وفي ضوء الخبرة المكتسبة في الخارج، خصوصاً في الدول التي تشابه اوضاعها الاوضاع اللبنانية، كما يوجب الحرص على ايلاء ادارتها الى شخصيات نشيطة وكفؤة.

ان تقدير مساهمة الدولة في تمويل هذه المؤسسات وحجم القروض الممنوحة لمنحها، يجب ان ينطبق مع مقتضيات الخطة الزراعية ومتطلبات مراحلها التنفيذية، وذلك يفترض انشاء هيئة عليا للتسليف الزراعي، تجمع ممثلين من وزارتي المالية والزراعة والاسكان والتعاونيات والمصرف المركزي والقطاعين التعاوني والنقابي وعلماء اقتصاد، ويطلب منها تحديد الحاجات الحقيقية لتنفيذ الخطة، وتأمين الاموال اللازمة لتحديث الزراعة اللبنانية، سواء من الاموال العمومية او من قروض الخارجية، والسهر على ان تحدد الفوائد المعتمدة لمختلف انواع القروض، والضمانات العينية والشخصية المطلوبة، وتوزيع المهام بين هذه المؤسسات لتكون متكاملة، فتشمل جميع الحقول والنشاطات وجميع المزارعين من جميع المناطق، وبصورة خاصة الجبلية منها والنائية والفقيرة الصغار منهم ( التسليف التعاوني بصورة رئيسية، والمصرف الوطني للتنمية الزراعية عندما تكون الضمانات ممكنة) والكبار (المصرف الوطني) كما تشمل الشركات الزراعية التي تؤمن المعدات والمداخلات للمزارعين ووحدات التوضيب والتبريد والتخزين والصناعات الزراعية.

ان التسليف الزراعي هو الاداة الفضلى لتنفيذ الخطة الانمائية الزراعية، وتوجيه الزراعة نحو الحلول المناسبة لمشاكلها الكبرى، فلا يجوز الضن بتشجيعها، ولو كان ذلك مكلفاً للدولة، ولا نخال هذه الكلفة تتعدى الفارق بين الفائدة التجارية والفائدة التشجيعية للزراعات والمشاريع التي تشير الخطة الى ضرورة دعمها.

الفصل الحادي عشر

الاهتمام بالمناطق الريفية النائية والفقيرة

يجب التسليم بواجب الدولة في رعاية المناطق الزراعية والريفية الجبلية النائية والفقيرة، بعيداً عن منطق الربح والخسارة وانطلاقاً من اعتبارات اجتماعية ووطنية، ذلك ان المحافظة على هذه المناطق، يتّصل بتثبيت ابنائه فوق ارضهم، وعدم دفعهم الى الهجرة بوجهيها الداخلي والخارجي وكلاهما مكلف للوطن، كما يتصل بالحفاظ على الطبيعة والبيئة، وعلى جانب من الانتاج القومي الزراعي. والمزارعون في هذه المناطق هم حراس البيئة، وليس هدراً لمال الدولة بأن تنفق عليهم الاعتمادات التي توفر لهم مداخيل كافية للعيش المحترم، وتسمح لهم بالبقاء فوق ارضهم.

لهذه الغاية، فإن على الدولة، من خلال إدارة متخصصة في وزارة الزراعة، وضع خطة متكاملة لتنمية هذه المناطق، تشتمل على تشجيع الزراعات المتفقة مع خبرة ابنائها وظروفها الطبيعية والبيولوجية إضافة الى تشجيع السياحة والصناعات الخفيفة والحرفية البسيطة التي تستقطب بدورها نشاطات ريفية أخرى، من شأنها الارتداد ايجابياً على اوضاع الاهالي الاقتصادية والاجتماعية.

ولا بد لهذه الادارة من التنسيق مع لجان انمائية، في المناطق المذكورة لتأتي الخطط التنموية الموضوعة لها، متكاملة وحائزة على قناعة ومشاركة الاهالي، تأميناً لنجاحها وبلوغها الاهداف المعقودة عليها.

كذلك، فإن تخصيص هذه المناطق بمراكز للتأهيل المهني والحرفي وبمدارس موسمية لتدريب المزارعين والايدي العاملة البسيطة على الآلات الزراعية الحديثة، والاعمال الزراعية البسيطة، يساعدان على ترقية مستوياتها العلمية والعملية كما يساعدانها على الدخول في عملية التنمية الذاتية، وعلى رفع مستوى العمال الزراعيين، ومحو الامية والتوعية الاجتماعية، واشراك المرأة في عملية التنمية بوجهيها الزراعي والاجتماعي.

ولابد من الاشارة في هذا النطاق الى التجربة غير المكتملة، التي بدأناها شخصياً في بلدة المحيدثة قضاء راشيا، عندما كنا مسؤولين عن مصلحة زراعة البقاع بين 1966 و1971، والتي كانت ترمي الى تحديد المساحة اللازمة لتأمين دخل زراعي كافٍ لعائلة ريفيّة متوسطة مقيمة في إحدى المناطق الجبليّة النائية والفقيرة، مستخدمة الايدي العاملة العائلية والزراعات البعليّة الشجرية، والسنوية ونوع وعدد المواشي الممكنة في الظروف المناخية والبيدولوجية السائدة في هذه المناطق، وذلك بدعم من الدولة منذ إطلاق المشروع، وخلال عملية تصنيع وتسويق الانتاج التعاونيين.

التجربة لم تكتمل ولكنها تستحق الاهتمام من منظار تنمية المناطق الجبلية الفقيرة.

الفصل الثاني عشر

المكننة الزراعية

التركيز على تخفيض كلفة الانتاج، وهو امر باتت تفرضه ضرورات السوق الداخلية لكبح اسعار السلع الغذائية من اصل زراعي، والخارجية لمجابهة المنافسة الشرسة التي تواجهها صادراتنا الزراعية، يفترض في ما يفترضه مكننة معظم الاعمال الزراعية، خصوصاً وان اجور الايدي العاملة الزراعية ترتفع سنة بعد سنة بالاضافة الى ندرتها.

والمكننة الزراعية، التي تساهم في تحويل النمط الزراعي، ليست يسيرة التنفيذ، ويتعيّن على الدولة بأن ترعاها وتعمل على تعميمها بالوسائل التالية:

1- ادراجها في لائحة اولويات التسليف الزراعي الرسمي.

2- تشجيع التعاونيات المتخصصة في المكننة الزراعية لتجاوز العائق الذي يحول دون مكننة الحيازات الزراعية الصغيرة والمتوسطة.

3- انشاء مراكز تدريب حكومية في مختلف المناطق الزراعية، تلحق بمصلحة الابحاث العلمية الزراعية وبمراكز الارشاد الزراعي، وتكون مهمتها اجراء التجارب التطبيقية على استخدام الآلات الزراعية في مختلف الاعمال الزراعية.

4- البحث على الآلات الزراعية، التي تحتاجها الزراعة الجبلية، والاستئناف بالحلول التي وجدتها دول أخرى في مناطق مشابهة للمناطق الجبلية اللبنانية، كإيطاليا وسويسرا وغيرهما...

الفصل الثالث عشر

الصناعات الزراعية

ان الصناعات الزراعية هي النشاط المكمل للانتاج الزراعي والحيواني، وأهميتها نابعة من كونها تحوّل الفوائض الزراعية والحيوانية الى سلع جديدة يسهل حفظها ولمدة طويلة، وتلبي حاجات استهلاك الاسواق المحلية والخارجية مع الاشارة الى القيمة المضافة الناتجة عن استخدام الخبرة الفنية والايدي العاملة والرساميل الخاصة، وتساهم في تصحيح الميزان التجاري وتوفير العملات الصعبة الضرورية، لاستيراد السلع المماثلة والبديلة من الخارج.

الا ان تشجيع هذه الصناعات، يجب أن يكون جزءاً من خطة زراعية متكاملة، لاستيعاب الفوائض الإنتاجية الزراعية والحيوانية الحالية، او المنوي انتاجها في ضوء تنظيم استثمار الاراضي وحتى فرص التصدير (الاعلاف والمركزات العلفية...) وتوزيع الزراعات والمواشي على المناطق الملائمة لها.

يُبدأ اذا في توزيع الزراعات على المناطق وتقدر كمية انتاجها، والجزء السهل تصريفه في الدخل والخارج، وتنشأ الصناعات لتحويل الرصيد الباقي الى سلع مصنّعة مطلوبة في الداخل والخارج، وذلك في مناطق الانتاج او في أماكن قريبة منها بعد تأمين البنى التحتية اللازمة، بما يساهم في خلق نشاطات ريفية اضافية تساعد على تنمية الريف المتكاملة وترقية ابنائه.

ومن الطبيعي، بأن تتضمن الخطة الآيلة الى تنمية هذه الصناعات، حماية بعض المنتوجات الوطنية، بمنع السلع المماثلة أو البديلة لها، او تنظيم استيرادها، سواء لجهة الترخيص او لجهة اخضاعه الى رسوم جمركية، يمكن استخدامها في تشجيع الزراعة والصناعة الوطنية المتصلة بها، كالسكن والحليب ومشتقاته والزيوت الخ...

كذلك، يجب ان تنشأ في بنك التنمية الصناعية، او في بنك التنمية الزراعية، ادارة خاصة لتمويل الصناعات الزراعية ومدها بالقروض الميسّرة، ودعم الصادرات من منتوجاتها كما يجب أن تنشأ في وزارة الزراعة أو في وزارة الاقتصاد أو في وزارة الخارجية إدارة خاصة تعنى بالترويج لهذه المنتوجات، وفي ايجار اسواق خارجية لها، وجمع الاحصاءات العائدة لها سواء لجهة الاسعار او لجهة حجم الطلب او لجهة الشروط الخاصة لتصديرها، آخذاً بالاعتبار الاذواق المحلية والتوضيب واوقات التصدير الخ...

ان الصناعات الزراعية هي من الاهمية، بحيث يتوجب دعمها، في المراحل الاولى على الاقل، لما تقدمه من مساهمة في حل المشاكل الزراعية، وايجاد فرص العمل لأهل الريف وتصحيح الميزان التجاري وزيادة الصادرات.

الجزء الثالث

تحسينات البنية الجوفية

الفصل الأول

زراعة الحبوب

ان انكشاف لبنان بالنسبة للقمح والحبوب العلفية الاخرى، بما فيها القرنيات، اخذ في المدة الاخيرة منحى خطيراً، فلقد بلغ استهلاك القمح في لبنان مثلاً سنة 1992، قرابة 450 الف طن، فيما قدر انتاجه من هذه المادة بـ60 الف طن اي بنسبة 14.8% من الاستهلاك، ولا شيء ينبىء بارتفاع هذه النسبة في وقت قريب، خصوصاً اذا ما استمرت المساحة المخصصة للقمح في تراجع، علماً بأن هذا التراجع عائد الى انخفاض اسعار القمح، وبالتالي مردود الوحدة المساحية بالمقارنة مع الزراعات الاخرى في الاراضي المروية، والى تحولالمزارعين في المناطق البعلية الجافة الى زراعات أخرى ممنوعة وسط عدم تخصيص هذه الزراعة بالدعم الرسمي الكافي وفي الاوقات المناسبة.

لذلك، فإنه من الضروري العمل على تشجيع هذه الزراعة، وغيرها من زراعات الحبوب والقرنيات (العدس – الحمص – البامية...) باتخاذ الاجراءات التالية:

1- اعتماد سعر مضمون للقمح مثلاً، بما يتجاوز الاسعار العالمية بنسبة 50%، مع الإشارة الى أن الكمية التي يمكن تسليمها لن تتجاوز ضمن معطيات الانتاج الحالية الـ10،000 طن سنوياً.

2- التأكيد على هذا السعر المضمونسنوياً، وقبل موسم الزرع في فترة تتراوح بين شهري آب وايلول.

3- تسهيل عمليتي تسليم الانتاج ودفع اثمانه.

4- توجيه الابحاث الزراعية الى ايجاد اصناف جديدة منتجة، وملائمة للمناطق الفقيرة البعلية والجافة، ولا بأس ان خصصت هذه المناطق بدعم إضافي لما يمكن بأن يتركه هذا الدعم من آثار اجتماعية واقتصادية ايجابية.

5- التركيز على اهمية ري الحبوب، وبصورة خاصة القمح، حيث كان ذلك ممكناً.

6- العمل بالتنسيق بين المديرية العامة للزراعة، ومصلحة الابحاث العلمية الزراعية والتعاونيات الزراعية المختصة على انتاج بذور الحبوب المؤصلة لتلبية حاجة الداخل والتصدير الى الخارج، وذلك للاستفادة من فارق الاسعار من جهة، ولاحياء بعض الاراضي الجبلية الغنية والمروية من جهة ثانية.

7- العمل على ايجاد خليط من النجيليات والقرنيات يتناسب مع الاراضي الجافة والبعلية، في المناطق الجبلية والسهلية على حد سواء لتنمية الاعلاف اللازمة لتربية المواشي، وبخاصة الاغنام منها، وذلك اما بوضعها الخضري او كحبوب.

8- وضع رسوم على الحبوب المستوردة، تتناسب مع الحاجة الى تمويل سياسة الدعم المذكورة أعلاه.

9- نبذ المنطق السائد حالياً في بعض الوزارات والقائل بأن لبنان يستطيع شراء كامل حاجته من الحبوب والسلع الزراعية الاساسية الاخرى من الخارج وبأسعار مخفوضة لأنه يجهل او يتجاهل الاعتبارات الاجتماعية والبيئية وقواعد سياسة الامن الغذائي المتبعة في جميع دول العالم.

الفصل الثاني

انتاج الفاكهة

من الثابت ان لفاكهة لبنان شهرة ذائعة في الاسواق العربية كافة، الا ان نمو الانتاج المحلي في الدول العربية المستوردة، وكذلك المنافسة التي يواجهها انتاجنا في هذه الدول، تحملنا، كما بالنسبة للخضار، على الاخذ بالاعتبار، المعطيات منذ سنوات، والتفكير ملياً باجراءات جديدة للتكيف مع الواقع الجديد، ومن هذه الاجراءات.

1- إعادة توزيع أصناف الفاكهة على المناطق الموائمة لها تماماً من الوجهات المناخية والبيدولوجية والبشرية، وذلك بهدف الحصول على أعلى إنتاجية وأفضل نوعية، وتخفيض الكلفة، للتمكن من مواجهة ظروف السوق الجديدة.

وهذا يعني، استبعاد شجرة التفاح مثلاً من المناطق السهلية وحصرها بالمناطق الجبلية، كما يعني ايضاً حصر زراعة الكرمة في البطاح البقاعية المعرضة للشمس وذات المناخ الجاف غير المؤاتي لتفشي بعض الامراض ومنها الميلديو الخ.. مما يؤدي بالنتيجة الى خفض حجم الانتاج بصورة عامة، وتقليصه من المناطق غير المؤاتية له، والحصول على إنتاجية عالية ونوعية مميزة.

2- ضبط الاحصاءات العائدة لعرض وطلب كل من أصناف الفاكهة في الدول المستوردةوالمنافسة ايضاً للتمكن من توجيه الانتاج في السمتقبل.

3- البحث عن اشجار بديلة تكون ملائمة لكل من المناطق الزراعية التي تكلمنا عن تصنيفها في مكان آخر.

4- تعزيز الابحاث الزراعية ومراقبة المشاتل للحصول على أصناف منتجة وسليمة وبنوعية جيدة، ولتخفيض سعر الكلفة، باعتماد الطرق الزراعية المختلفة، بما فيها الوقاية ضد الامراض واآفات الزراعية، وتصنيف الادوية الزراعية المستوردة على اساس جودتها وفعاليتها وآثارها الصحية والبيئية وخطر استيراد واستعمال الضّار منها والمؤذي للتربة والانتاج والصحة العامة، وتنظيم بيعها وتوزيعها.

5- تشجيع التعاونيات الزراعية لتأمين المدخلات بأسعار منخفضة، وتوحيد نوعية الانتاج والمساهمة في تحسين شروط توضيب الانتاج وتصريفه بأفضل الظروف وهذا ما سنتكلم عنه في مكان آخر.

الفصل الثالث

انتاج الخضار

ان مناخ لبنان وتربته، يؤهلانه لانتاج افضل انواع الخضار، وبكلفة مقبولة، خصوصاً اذا ما قيس بالدول العربية المجاورة،

وبالرغم من النهضة الزراعية التي عرفتها الدول العربية، وبصورة خاصة الجمهورية العربية السورية وبعض دول الخليج، فإن ظروف لبنان المناخية، وخبرة ابنائه المزارعين يبقى الاكثر مؤاتاة للزراعات الخضرية والثمرية.

غير ان المنتوجات اللبنانية، اخذت منذ مدة تواجه منافسة شرسة في اسواقها العربية المتاحة حتى الآن، وتأتي هذه المنافسة، ليس فقط من الانتاج العربي الذاتي، وانما ايضاً من المنتوجات الاجنبية، وبصورة خاصة التركية، ذات الكلفة المنخفضة بالنسبة لكلفة المنتوجات الزراعية اللبنانية، والمدعومة من قبل الحكومة التركية.

لذلك وجب الاعتراف بهذا الواقع، على اعتباره معطى جديداً، غير قابل للتعديل في مصلحة الانتاج اللبناني، والتوجه نحو الخضار الملبية لحاجات السوق المحلية، والبحث عن زراعات بديلة (كلياً أو جزئياً) سنتكلم عنها فيما بعد، مع التشديد على حصتنا في الاسواق العربية، وايجاد اسواق خارجية، وذلك بتحسين النوعية وبتخفيض الكلفة في آن معاً.

ان ذلك يتطلب:

1- تنويع الزراعات الخضرية المتبعة حالياً في لبنان، وايجاد الزراعات البديلة لها.

2- تحسين نوعية هذه الزراعات.

3- تخفيض كلفة الانتاج، بتأصيل النباتات والإرشاد الى أفضل الطرق الزراعية والوقائية وبادخال الآلة الزراعية الى معظم الاعمال الزراعية.

4- تنظيم وتوحيد وتوضيب الخضار ليأتي منطبقاً مع الشروط المتبعة دولياً وجمع الاحصاءات المتعلقة بالعرض والطلب في الاسواق الداخلية والخارجية، وفي الدول المنافسة لنا، او التي يمكن بأن تنافسنا في المستقبل.

5- توجيه الابحاث الزراعية نحو مشاكل الانتاج المحلية، واحتمالات تطويرها.

6- الاستفادة من التسليف الزراعي الرسمي الموسمي والمتوسط الأجل.

7- تطوير الزراعات ضمن البيوت المكيفة بما يتلاءم مع الاسواق المتاحة.

8- العمل على توسيع المساحة المخصصة لانتاج الخضار الباكوري، وهو ما تقوم به بعض المناطق، ومنها منطقة القاع البقاعية.

الفصل الرابع

الزراعات البديلة

كان الحديث عن هذه الزراعات قبل الحرب اللبنانية ذا طابع نظري، ومن باب التمني يفتح آفاقاً جديدة لتنمية القطاع الزراعي المزدهر،

أما اليوم، فلقد بات حاجة ضرورية بل وملحّة بالنظر للمعطيات الجديدة، التي كما أشرنا في مكان آخر، أخذت تطرح بثقلها على القطاع الزراعي، وتهدده بالتقهقر والضعف...

ذلك أن الاسواق الزراعية التي كانت متاحة لمنتوجاتنا حتى نهاية الثمانينات، أخذت تقفل الواحدة بعد الاخرى بوجه مصدّرينا لاسباب سبق ان فصلناها ولم يعد أمام اللبناني، الذي يرفض الطرق المسدودة، الاّ البحث عن بدائل للزراعات الحالية، تتناسب مع طبيعة ارضنا ومناخنا وطاقة مزارعينا على اقتباس الخبرات الجديدة وتطبيقها من جهة، والتي يسهل تصريفها بأسعار رابحة بدون منافسة كبيرة، من جهة ثانية.

اما عن هذه الزراعات، فيمكن الاشارة اليها بالاستناد للتجارب الحاصلة في دول مشابهة لبلادنا، ارضا ومناخا، على الوجه التالي:

1- زراعة التوت وتربية دود الحرير، (موسمان سنوياً) ليست الزراعة جديدة على اللبنانيين، بل ربما كانت احدى زراعاتهم الريفية لنصف قرن خلا، ولكن الاهتمام بها كان قد اخذ بالتراجع ويقتضي تشجيعها، احياء للمناطق الجبلية والفقيرة والجافة، وذلك بضمان اسعار تشجيعية مرتفعة، وتحسين الاصناف المستعملة وتصنيع الانتاج وتصريفه، وتوفير الحماية الجمركية اللازمة له.

2- الزراعات الطبية، مع الاشارة الى ان هذه الزراعات تعيش في جبالنا، ويعرفها عدد من المزارعين، ويبقى بأن تشجع زراعتها في المناطق الجبلية، وتتقن صناعتها، ولو اقتضى ذلك دعماً مالياً مؤقتاً، علماً بأن 25% من الادوية الزراعية المستعملة حالياً في العالم على الأقل هي من اصل زراعي.

ويمكن هنا ايضاً، كما بالنسبة للحبوب والسكر، وضع رسوم بسيطة على الادوية الزراعية المستوردة لتأمين الدعم المالي اللازم، كلياً او جزئياً.

3- الزراعات التزينية، وهي على ثلاثة انواع، الزراعات الحية والمستخدمة في المنازل والحدائق الخاصة والعامة، وزراعات الازهار المقطوعة والمطلوبة جداً في معظم الدول الاوروبية، خارج فصل الصيف بصورة خاصة، مع الاشارة الى ان اسرائيل تصدر منها ما لا تقل قيمته عن 500 مليون دولار اميركي، وأخيراً الزراعات العطرية، التي تستخدم لاستخراج العطور المفتخرة والتدريب على صناعة استخراجها.

هذا، الى جانب ان هذه الزراعات كما الزراعات الطبية، ترتدي في البلدان المتشابهة لبلادنا طابعاً عائلياً بحيث يدرب أفراد العائلات على اتقانها، فيصرفون وقتهم المهدور في الاهتمام بها، الأمر الذي يعني امتصاص البطالة الريفية المقنعة وبالتالي استثمار فراغات الوقت لدى رب وربة العائلات والأعضاء الآخرين، على أن تقوم تعاونيات متخصصة بالازهار والزراعات التزينية بتأمين المدخلات الزراعية اللازمة،وجمع الانتاج وتوضيبه وتصنيعه وتصريفه.

4- البذور والشتول المؤصلة، التي تكلمنا عنها سابقاً، والتي تتميز بندرتها وارتفاع أسعارها، وان تطلبت خبرة سابقة يمكن تأمينها بالتنسيق مع الأبحاث الزراعية والإرشاد الزراعي، ومراقبة شديدة من قبل المؤسسات والدوائر الرسمية المتخصصة.

5- الزراعات البديلة الجديدة ومنها:

أ- الزراعات الزيتية.

- الكولزا – والصويا – وكلنا يعلم أهميتها البروتينية والزيتية.

- الكوفيا – (CUPHEA) وتعتبر زيوتها من نوعية عالية جديدة، وتستخدم في الاستهلاك المحلي في صناعة الصابون والمنظفات، والمواد التجميلية ومحركات السيارات إلخ...

- الاوفوربيا (EUPHORBIA) وتعتبر زيوتها غنيّة ومطلوبة جداً في الصناعات الكيماوية لإرتفاع نسبة حامض الاولييك فيها (80 – 90%) وتستخدم في صناعة المنظفات والدهانات والتجميل وربما كبديل للفيول.

- زراعة الصويا (SOYA) وهذه زراعة اثبتت التجارب التي اجريت في حقول تجارب الجامعة الأميركية كلية الزراعة – في حوش (سنيد) البقاع – نجاحها وهي المعروفة بإنتاج زيت الصويا المعروف الصالح للغذاء الإنساني وبإنتاج البروتينات النباتية الضرورية للغذاء الحيواني والتي تدخل في تركيب معظم الاعلاف المستخدمة في تربية المواشي على اختلافها.

- الليمنتس: وهي زراعة سنوية شتوية/ وزيوتها صالحة للصناعات المذكورةاعلاه، وبصورة خاصة لصناعة التجميل.

- الكرمب: وتزرع مرتين في السنة، أما زيوتها فتستعمل كشحوم ولتثبيت الرائحة.

- اللسكريلا: وتصلح للأراضي الكلسية الفقيرة، وهي زراعة شتوية تعيش في المناطق الجافة، وزيوتها تصلح للصناعات المذكورة اعلاه.

- الجو بجوبا: وهي زراعة تعيش في المناخات المشابهة لمناخ بلادنا، ولكنها تطلب الري، وتعتبر زراعة ناجحة في معظم الدول المتوسطية الشمالية منها والجنوبية.

ب- زراعة الغايّول: هي شجيرة منتجة للكاوتشوك، وتعيش في الأراضي الجافة 200 – 400 م.م. القليلة الخصب والكلسية. وتستعمل أوراقها وأزهارها وأغصانها وجذورها إنتاج الكاوتشوك الطبيعي:

ج- الزراعات الثمرية: ومنها الافاوكادور، والـ(GOYAUF والـANANE) وغيرها. وجميعها تعيش في المناخات المشابهة لمناخ بلادنا.

وبصورة عامة، فان هذه الزراعات اثبتت جدواها في الدول المتوسطية، وبعضها يعطي مردودات عالية تفوق المردودات التي تعطيها معظم الزراعات المتبعة حالياً.

الفصل الخامس

تنظيم إنتاج البذور والشتول

يعتبر هذا الإنتاج الأكثر كثافة واستخداماً للخبرة والتقنية الزراعية التي يجيدها اللبناني، ويستطيع التفوق فيها بالمقارنة مع المزارعين في باقي دول المنطقة، فضلاً عن انه يتلاءم مع المناخ والتربة اللبنانيين، ويشكل صمّام أمان بالنسبة لبعض المناطق الريفية النائية الغنيّة بالأيدي العاملة.

وعليه فان تشجيع هذا الإنتاج تفرضه المصلحة الزراعية العليا، ويجب بأن تتناول.

1- وضع قانون ينظم انتاج مختلف البذور والشتول آخذاً بعين الإعتبار خصوصياتها الفنية.

2- فرض اشراف فني على مراكز الإنتاج من قبل مهندسين زراعيين متخصصين.

3- مراقبة مشددة من قبل الدوائر الفنية المختصة.

4- منح شهادات إنتاج تتمتع بالمصداقية الفنية اللازمة.

5- توجيه الإنتاج نحو حاجة البلاد الحالية والمستقبلية، وحاجة الدول المجاورة: قمح – حبوب – أعلاف – خضار – أشجار مثمرة – كرمة إلخ...

6- ربط المشاتل ومراكز البذور بمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية والتنسيق فيما بينها، ضماناً لسلامة الإنتاج ولتحسين الإنتاجية بفعل طرق التأصيل العلمية.

الفصل السادس

وضع سياسة سكرية واضحة

ان السكر هو من السلع الصناعية والغذائية الأساسية من أصل زراعي. ولقد أثبتت بأن الشمندر السكري، الإنتاج الزراعي الوحيد الذي يستخرج منه السكر في لبنان، هو من الزراعات الناجحة في لبنان، وفي سهل البقاع بصورة خاصة، والتي ساهمت منذ مطلع الخمسينات وحتى سنة 1974، بتأمين نسبة من الأمن الغذائي بلغت 20% تقريباً، الى أن توقفت خلال الحرب، وهي تتأهب منذ سنة 1992 لإستعادة دورها.

وأية سياسة سكرية يجب بأن ترتكز على الإجراءات التالية.

1- اعتبار زراعة الشمندر السكري صمام أمان بالنسبة للزراعات المروية الأخرى وتوسيعها بنسبة ما تفرضه الأسواق الزراعية المتاحة لهذه الزراعات وبهدف أكبر نسبة ممكنة من الكفاية الذاتية من السكر.

2- تمليك مصنع استخراج السكر الشمندري الحالي، كلياً أو جزئياً لتعاونية مزارعي الشمندر السكري، وللمزارعين وعدم البحث بإنشاء معمل آخر، إلاّ في ضوء ما تسمح به المساحات المروية التي يمكن تخصيصها لهذه الزراعة.

3- تحسين بذور الشمندر السكري، ومكننة الزراعة وتطوير طرق الإنتاج بغية الحصول على أفضل إنتاجية من السكر في الوحدة المساحية المزروعة، بأقل كلفة ممكنة.

4- التركيز على سعر مضمون للشمندر السكري يأخذ بعين الإعتبار كلفة إنتاجه ونسبة حلاوته، على أن يجري الإعلان رسمياً عن هذا السعر لفترة طويلة مع ضمان عدم تأثره بالتضخم النقدي أما إذا كان تحديد السعر سنوياً، فينبغي إعلانه خلال صيف كل سنة للسنة التالية، لخلق أجواء من الإستقرار تسمح للمزارعين بتقرير المساحات التي ينوون زراعتها بثقة وإطمئنان.

5- إنشاء صندوق خاص في وزارة الإقتصاد والتجارة أو في وزارة المالية، تصب فيه رسوم خاصة تفرض على السكر المستورد، لإستخدامها في تأمين السعر المضمون للشمندر السكري.

6- توضيح العلاقة بين تعاونية إنتاج الشمندر السكري، وأصحاب المعمل من جهة، وبينها وبين أعضائها وغيرهم من المزارعين من جهة ثانية، بما يحول دون استغلال أية جهة للأخرى، ويحمي المنتج ويشجعه على زيادة إنتاجه.

الفصل السابع

الإعتراف بأهمية زراعة التبغ من الوجهتين الإقتصادية والإجتماعية

كان طابع زراعة التبغ الى الآن، إجتماعياً، ويرمي الى تأمين دخل بدأ معقولاً، وانتهى ضئيلاً بالنسبة للعائلات الزراعية الجنوبية، المقيمة في المناطق الفقيرة والنائية.

ولكن لزراعة التبغ أهمية إقتصادية، فهي تشغل مساحات زراعية تقدر الآن بحوالي 50،000دونم، ويصعب استخدامها لزراعات أخرى، كما انه يمكن توسيعها لتشمل ضعف هذه المساحة، في الجنوب وفي تلك المناطق اللبنانية، المماثلة أوضاعها لمنطقة الجنوب، فتدخل في المعادلة الزراعية الوطنية، وتوفر العمل للعديد من العائلات الريفية، وتؤمن لها دخلا يقتضي بأن يكون في مستوى الحاجات الأساسية لحياة ريفية كريمة.

ان الاعتراف بوجهي زراعة التبغ الإقتصادي والإجتماعي يفرض إتخاذ الإجراءات التالية.

1- تحسين الأصناف المستعملة حالياً لتأتي ملبية لأذواق المدخنين.

2- تطوير وسائل الإنتاج.

3- إنشاء تعاونيات زراعية للإنتاج والتوضيب والتسويق.

4- توسيع المساحة لتشمل مناطق لبنانية أخرى.

5- حماية الإنتاج المحلي بعد تحسينه.

6- إعادة النظر في إدارة الريجي وتحديثها، وجعلها مؤسسة مختلطة يشترك فيها التعاونيات المتخصصة بالتبغ والمزارعون وتجار الصنف، وتعمل بإشراف الدولة ورعايتها تأميناً لمصلحة المزارعين، وقطعاً لدابر الاستغلال والهيمنة والاحتكار.

7- تأمين المستوى الكافي من الأسعار لتأمين دخل مشجع للعائلات العاملة في هذه الزراعة، ولو أدّى ذلك الى تحميل الموازنة أعباء جديدة، إضافة الى تطوير الزراعة ودفع حمايتها الجمركية.

الفصل الثامن

الإنتاج الحيواني

باستثناء البيض والفرّوج، يمكن اعتبار لبنان من البلدان الأكثر انكشافاً في المواد الغذائية الحيوانية الأساسية، فنسبة الكفاية الذاتية من لحم البقر هي في حدود 14% ومن لحوم الأغنام والماعز، في حدود 20% ومن الحليب ومشتقاته في حدود 15%، وهي أرقام تقريبية، بالنظر لصعوبة الحصول على الاحصاءات الدقيقة، خصوصاً وان نسبة لا يمكن تحديدها تدخل البلاد عبر الحدود السورية والبحرية، وخارج المراقبة الرسمية.

وبالاستناد الى هذا الواقع، فان العمل على تنمية الإنتاج الحيواني من شأنه ان يلطف من الانكشاف الغذائي الكبير الذي تعاني منه البلاد، إضافة الى مساهمتها في زيادة الدخل الريفي، وإحداث تكامل بين القطاعين النباتي والحيواني (اسمدة عضوية...) والتخفيف من حدّة كساد بعض المنتوجات الزراعية البديلة للزراعات العلفية، وتعديل الواقع المؤسف في تنامي العجز التجاري اللبناني، وتدهور الصادرات الزراعية، بالنسبة للمستوردات الغذائية والعامة.

وعليه، فان أية خطة زراعية يجب أن تركز بأي ثمن على تنمية الإنتاج الحيواني، وهي تنمية، وإن لم تكن تطمح الى تحقيق أمن غذائي كامل، فإن استطاعتها بكل تأكيد زيادة النسب الحالية بما يؤمن حاجة البلاد الى الغذائي الحيواني، لثلاثة الى ستة أشهر في السنة.

أما نطاق عمل الخطة فيجب بأن يشمل الحقوق التالية:

1. تربية الأبقار.

يمكن التمييز بين تربية الأبقار العائلية والتربية التجارية.

(1)- وبالنسبة لتربية الأبقار العائلية، فإنها تعني لإقتناء معظم العائلات الريفية لبقرتين الى خمس بقرات، توزع على المزارعين وبصورة خاصة مزارعي المناطق الريفية والزراعية الفقيرة بأسعار كلفتها أو بأسعار تشجيعية مقسطة على 18 – 36 شهراً، مع إنشاء تعاونيات لتشييد الابنية البسيطة اللازمة لتأمين المدخلات الانتاجية الضرورية وتنظيم العناية الطبية وجمع الإنتاج وتصنيفه وتصريفه.

ومن الطبيعي بان هذه التربية تستهلك بقايا ونفايات المزروعات الخضراء منها والمجففة، وتستفيد من المراعي المحيطة بالقرى، في حالتها الراهنة، وبعد تنظيمها وزرعها بالخليط النباتي المناسب للتربة والمناخ.

(2)- أما بالنسبة لتربية الأبقار التجارية، فإنها تشمل المزارع الكبيرة من 15 بقرة وما فوق، وهي مزارع تتطلب أبنية حديثة، وحلابات ميكانيكيّة ومحافر وخلاطات علفية ومستودعات وجميعها تتطلب قروضاً موسمية ومتوسطة الأجل بفوائد مخفضة.

ومن ميّزات هذه التربية، إنها بالإضافة الى استهلاكها بقايا ونفايات المزروعات تتطلب زراعات علفية من شأنها اشغال جزءمن المساحات الزراعية المخصصة حالياً لبعض المنتوجات التي تواجه صعوبات في تصريفها، وتعيد التكامل بين الجانبين النباتي والحيواني الذي تفتقده الزراعة اللبنانية، والذي تتميز به الزراعة الأوروبية بشكل عام وتنمي صناعة الألبان والأجبان، وترفع نسبة الكفاية الذاتية من اللحوم الحمراء والحليب ومشتقاته.

ويؤمل ان يبلغ عدد الأبقار في لبنان من طريق نمطي التربية الأنفي الذكر حوالي 75 ألف بقرة حلوب، و25 ألف عجل في مدى عشر سنوات.

2. تربية الأغنام

تتطلب هذه التربية تحسين المراعي وتعزيزها بالنباتات العلفية البعلية، وتنظيم استثمارها، وتأمين الاعلاف المجففةلها، إضافة الى تأصيل الأنواع الملائمة لبلادنا، والغنية باللحم والحليب، وهذا ما كانت بدأت به مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تربل قبل الأحداث اللبنانية.

وهنا أيضاً يقتضي تشجيع الأغنام العائلية (أعداد قليلة من 5 – 20 رأسا) لإمتصاص النفايات الزراعية المتوفرة والأيدي العاملة العائلية المقنعة مع ربطها بالتعاونيات المتخصصة بتربية المواشي وتصريف إنتاجها.

3. تربية الماعز

ليس من الضروري العودة الى التذكير بمضار قطعان الماعز على إحراج لبنان وزراعته، فأية سياسة زراعية أو حرجية، يجب بأن تأخذ بالاعتبار حمايتها من الماعز، وهذا لا يعني القضاء على هذه التربية، لما لها من فوائد إقتصادية (لحم – حليب – أسمدة عضوية) ولما تثيره من مشكلة إجتماعية في أوساط الرعاة وعائلاتهم، ولكن ذلك يشير الى تنظيم استثمار هذه القطعان بعد تقليصها، وإعادة تأهيل اصحابها وتوجيههم نحو تربية أصناف الماعز الجديدة التي لا تضر بالغابات، والتي، وان باعداد قليلة، يمكن بأن تضاعف الانتاج والأرباح الحالية، خصوصاً بعد تنظيم المراعي الصالحة للماعز والتي تفرض طبيعة أرضها تخصيصها لهذه الماشية بعد تعزيزها بالنباتات البعلية الملائمة.

4. تربية الدواجن

لقد عرفت هذه التربية في العقود الأربعة الماضية، خضوضاً في فترة ما قبل الحرب، إزدهاراً كبيراً فاستقطب النخبة الزراعية والتجارية إضافة إلى رساميل أهل المدن والمغتربين. غير أن وضعها الحالي يصطدم بإغلاق أسواقها التقليدية بصورة شبه كاملة، ممّا يحتّم عليها التخطيط لتأمين الكفاية الوطنية الذاتية مع البحث عن السبل اللازمة لتخفيض كلفة الإنتاج حماية له من المنتوجات المستوردة والإكتفاء بالتطلع الى بعض جوانب هذه التربية التي تتطلب كثافة تكنولوجية عالية والنظر في إمكانية تصديرها الى الخارج. ولو اقتضى ذلك دعماً حكومياً خاصاً يمكن توفيره من رسوم جمركية تفرض على السلع المستوردة وتخصص من خلال صندوق خاص لمساعدة هذا القطاع الذي لا يزال يتمتع بالنبى التحتية البشرية والمادية والطبيعية اللازمة له.

5. الثروة السمكية

وتشتمل هذه الثروة على:

1- تنظيم صيد الأسماك البحرية لجميع الصيادين في تعاونيات وجمعيات وترشيدهم نحو استخدام وسائل الصيد الملائمة لثروتنا السمكية (بما فيها الزوارق المتخصصة) وغير المضرّة بها والمحافظة على نموها.

2- تشجيع تربية الأسماك، في المياه الحلوة، وذلك في مشاريع خاصة وفي الأنهر والينابيع والمجاري المائية الداخلية، وذلك بإرشاد المربين الى طرق التربية الحديثة، زبتوزيع البذور أو الفراخ الصغيرة كما كان يحصل قبل الحرب، وبإنشاء التعاونيات المتخصصة في تأمين الأغذية والمدخلات الأخرى وفي تصريف الإنتاج.

ويؤمل بأن تضاعف كمية الأسماك المنتجة من 5000 طن ألى 15 ألف طن سنوياً.

6. تربية النحل

ان هذه التربية قديمة جداً في لبنان، ولئن ابادت الحرب والأمراض المفاجئة جزءاً كبيراً منها، فإن احياءها وتشجيعها لهما ما يبررهما إقتصادياً واجتماعياً، في بلاد مكشوفة غذائية، وفي مجتمع ريفي بحاجة الى زيادة مداخيله بأقل تثميرات ممكنة.

وهنا أيضاً يجب التوجه الى أكبر عدد من العائلات الريفية لتدريبها على تربية النحل، وتأمين القفران والملكات والرعاية الطبية لها، وتصريف إنتاجها بإنشاء تعاونيات متخصصة ومجهزة بآلات اللازمة وبالأدوية وبفرق مكافحة الأوبئة التي تتعرض لها هذه التربية.

ويمكن إنطلاقاً من كل قرية ومنطقة ينشأ فيها تعاونيات، أو يتواجد فيها مربون كبار بان ينشأ اتحادات إقليمية، تعمل على تعزيز الأبحاث العلمية في هذا النطاق من خلال مختبرات متخصصة وتساعد على توضيب وتصريف الإنتاج، وحمايته من المزاحمة الأجنبية، وصولاً الى كفاية وطنية ذاتية، وتصدير الفائض وكل ذلك بتشجيع وزارة الزراعة بكامل أجهزتها، ورعايتها، وتقديم المساعدات والهبات اللازمة، للأسباب الإجتماعية والإقتصادية المذكورة أعلاه.

ويؤمل في مدى عشر سنوات، بأن يكون لبنان مصدِّراً للعسل، بعد أن يكون قد وفّر حاجته المقدرة بـ800 طن من هذه السلعة.

7. تربية الالباغا

وهي تربية حيوان غني جداً بصوفه وبجلده، وتتوافق مع مناخ وطبيعة جرود لبنان وأحراجه، ويقدر الدخل من الحيوان الواحد بعد ثلاث سنوات بألف دولار أميركي، وهو موجود في بعض دول أميركا اللاتينية وبصورة خاصة في فنـزويلا.

8. تربية الخنازير

ان لهذا الحيوان أهمية إقتصادية، ويساهم في تأمين جزء من الحاجة الى اللحوم، ويستهلك النفايات الزراعية والحيوانية والمنزلية التي لا تستهلكها الحيوانات الأخرى، ولكن تربيته محدودة وتصطدم بالاعتبارات الدينية مما يعرقل رعايته وتشجيعه من قبل الدولة.

9. تربية الحيوانات الصغيرة كالأرانب والطيور النادرة وغيرها.

ويتعين على الدولة، تشجيعاً لتربية المواشي، وتنمية للثروة الحيوانية بان توفر ما يلي:

1- تأمين العناية الطبية اللازمة للمواشي والرقابة الصحية على المنتوجات الحيوانية.

2- تعزيز الأبحاث الحيوانية التطبيقية، ونقل نتائجها الى المزارعين بواسطة مراكز الارشاد الزراعي.

3- إنشاء مراكز تجارب في المناطق وللمواشي التي تحتاج الى تدريب

4- تشجيع التعاونيات المتخصصة وإتحاداتها، ورعاية مهامها لجهة تأمين المدخلات وتصريف الإنتاج.

5- تشجيع الصناعات الزراعية التي تتطلبها.

6- حماية الإنتاج بالتنسيق مع التعاونيات المتخصصة بتربية الحيوان والصناعات المنبثقة عنها والمزارعين وإنشاء صندوق لجمع رسوم تفرض على السلع المنتجة لتمويل هذا القطاع.

7- تقديم القروض الزراعية اللازمة للأجال المتناسبة مع طبيعة التربية وبالفائدة المعانة، إضافة إلى المساعدات والهبات خصوصاً في المناطق الجبليّة والفقيرة.

ولد ​نبيه غانم​ في بلدة صغبين بالبقاع الغربي، واتم مراحل دراسته من الابتدائية حتى الثانوية في مدرسة الفرير في الجميزة.
حاز غانم على 3 شهادات جامعية، فنال شهادة الهندسة الزراعية من المعهد الزراعي الوطني في غرينيون بفرنسا، كما نال اجازة في الحقوق من جامعة القديس يوسف في بيروت، اضافة الى شهادة دبلوم الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة القديس يوسف ايضا.
شغل غانم عددا من الوظائف الادارية في لبنان وخارجه، بحيث تسلم رئاسة ادارة الثروة الزراعية في لبنان من العام 1958 حتى العام 1964 ، ورئاسة مصلحة زراعة البقاع من العام 1964 حتى العام 1970، ومن ثم رئاسة مصلحة التعاون في البقاع من العام 1973 حتى العام 1992، واخيرا تم تعيينه مستشارا لمجلس ادارة بنك بيروت للتجارة من العام 1992 حتى العام 1997.
كما عيّن غانم مندوبا للبنان لدى منظمة الدراسات الزراعية العليا لدول البحر المتوسط من العام 1980 حتى العام 1993، ونائباً لرئيس المنظمة نفسها من العام 1984 حتى العام 1986.