على خلفية ممارسات بعض الشباب اللبناني وتعرضه لعدد من اللاجئين والعمال السوريين بالضرب والتهديد والممارسات العنصرية خاصة في مناطق جمهور المقاومة، بدأت بعض المواقع والصفحات الاكترونية السورية بشن حملات عنيفة على لبنان واللبنانيين بشكل عام وتكيل لهم مختلف أنواع الشتائم وتنعتهم بأبشع الصفات، كما تذكرهم بأنّ سوريا استضافتهم وكرّمتهم خلال عدوان تموز 2006، وهو ما أزعج جمهور المقاومة اللبناني والحليف للنظام السوري، الذي اعتبر أنّ هذه الشتائم والتهديدات موجهة إليه بالدرجة الأولى وإلى البلد الذي يحمل جنسيته وهو من قدّم ويقدّم الشهداء كلّ يوم دفاعًا عن سوريا وبالتالي عن لبنان.

البداية من تموز العام 2006 حين شنت اسرائيل عدوانا همجيا على لبنان قتل ودمر وهجر عددًا كبيرًا من اللبنانيين غالبيتهم من مناطق الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية وبعض قرى البقاع أي المناطق التي أغلبية سكانها من جمهور المقاومة ومحورها سوريا. هنا بقي الرجال متشبثين بأرضهم يدافعون عن وطنهم يقاتلون العدو على الجبهات فيما نزحت عائلاتهم (النساء والاطفال والشيوخ)، جزء منهم توجه نحو المناطق اللبنانية الامنة والجزء الاخر توجه نحو سوريا التي شرعت جميع أبوابها لهم واستقبلهم الاخوة السوريون في منازلهم بمبادرات فردية وتوجيهات من قيادة الدولة السورية وقدموا لهم كافة الخدمات والاهتمام الذي لا نظير له بين الدول.

في تلك المرحلة لم تسجل أي جريمة او اي حادثة ارتكبها لبناني على الارض التي استضافته وحفظته، بل التزم بالانظمة والقوانين وحفظ واجب الاخ على اخيه فكانت أيادي الامهات في المنازل والشوارع الدمشقية ترتفع نحو السماء مبتهلة الى الله تعالى لحماية لبنان وأبنائها الذين يقاتلون العدو ويدافعون عن تراب الوطن كما توجهت هذه الامهات بالدعاء الى الله لحماية سوريا وقيادتها لانها وقفت الى جانب لبنان واحتضنتهم ووفرت لهم الأمان والحياة الكريمة.

في العام 2011 بدأت الازمة في سوريا وتحت اسم "ثورة" تمردت فئة من السوريين على الدولة وقيادتها ومؤسساتها وحملوا السلاح بدعم خارجي على أبناء وطنهم فقتلوا وشردوا وحرقوا المؤسسات العامة والخاصة وتدفق عدد كبير من السوريين الى الدول المجاورة وكانت حصة الاسد من نصيب لبنان الجار الاقرب الذي شرع أبوابه المشرعة أصلا أمام الجميع ليس كرما منه بل سوء ادارة أزمات حتى بلغ عددهم أكثر من نصف عدد سكان لبنان الاصليين اي حوالي المليون ونصف مليون لاجئ وتطورت الازمة بشكل سريع ووصلت الى ما نحن عليه الان، فأدخلت داعش والنصرة بدعم عربي ودولي وسيطروا على اجزاء كبيرة من الارض السورية وطردوا باقي المسلحين كالحر وبعض الفصائل المقاتلة الاخرى ولجأ عدد من هؤلاء الى لبنان بحجة أنهم لاجئون.

الدولة اللبنانية المترنحة على حافة الهاوية والمنهارة سياسيا وامنيا واقتصاديا لم تستطع استيعاب وتنظيم والسيطرة على هذا العدد الكبير من اللاجئين وهي التي لم تستطع في الماضي والحاضر استيعاب 450000 لاجئ فلسطيني، هذه الدولة العاجزة أصلا عن حماية وتأمين حقوق مواطنيها وتقديم ابسط الخدمات لهم، وساهمت التجاذبات والمزايدات السياسية وعدم التعاون مع الحكومة السورية من تعقيد هذه الازمة فكانت الفوضى سيدة الموقف، ودخل الى لبنان وبطريقة عشوائية أشخاص من بيئات وحالات اجتماعية مختلفة ومن بين هؤلاء من لفظه الشعب السوري ولفظته أرض سوريا النازفة لارتكابه جرائم في سوريا، فوجد في لبنان أرضا خصبة لارتكاب جرائمه وممارسة اعماله الشنيعة من قتل وأعمال ارهابية وسرقة واغتصاب وتهريب، أعمال تبرأ منها عدد كبير من اللاجئين السوريين الذين شاهدناهم في حشود تتوافد للاقتراع للرئيس الحالي بشار الاسد خلال الانتخابات الرئاسية السورية في ايار 2014.

لست في صدد مقارنة بين الازمتين ومدتهما والاستضافتين والشعبين فلكل أزمة ظروفها ولكل دولة امكانياتها ورجالها، اليوم علينا التفكير مليا بما يجري في الدولتين وما بينهما فالمرحلة مختلفة عن المرحلتين والخطر أكبر خاصة بعد اعلان داعش دولته فبعد نجاحه في كل خطة وضعها موضع التنفيذ وآخرها خلق حالة الفوضى والارباك التي نعيشها في لبنان تمهيدا لعمل قد يكون أكبر، يتأكد لنا ان هذا التنظيم ليس تنظيما عشوائيا وارتجاليا او فوضويا، انما هو دولة فرضت نفسها لها سيادتها ومؤسساتها العسكرية والامنية والمالية والاعلامية وغرف عمليات ولها خططها الاستراتيجية ولها أشباحها وأدواتها، لذلك هذه المرحلة تتطلب وعيا وتضامنا من قبل الشعبين والدولتين لمواجهتها، فما يجري في شوارع لبنان ليست أعمالا بريئة ويجب مواجهتها بحكمة وروية كي لا نعطي من خلال الفعل وردود الفعل ذريعة للتكفيريين للترويج انهم هم من يدافعون عن الشعب السوري خاصة أن اعلام داعش يتفوق على اعلامنا المربك والمنجر وراء الشائعات التي تدبر في ليل حالك وتطبخ في مطابخ اعداء البلدين لا بل أصبح اعلامنا وسيلة مساعدة للترويج لاعلان داعش من حيث يدري او لا يدري. ونجح اعلام داعش الى حد ما من خلق بلبلة ومشادات بين الشعب السوري المقاوم وجمهور المقاومة في لبنان.

من هنا فإن المسؤولية الاولى تقع على الدولة اللبنانية العاجزة والتي لم تتعاون مع الدولة السورية المحاصرة بل نأى لبنان بنفسه منذ بداية الازمة السورية عن كل الملفات تحت اسم سياسة "النأي بالنفس"، هذه السياسة التي طبّقت حسب المصالح الاقليمية والحسابات اللبنانية، سياسة عادة ما ينتهجها المربك والضعيف والذي لا يملك قرارا سياسيًّا أوصلتنا الى ما نحن عليه الآن.

فالى متى سلوك هذا النهج الارتجالي في لبنان خاصة اننا نعيش اعادة رسم خارطة شرق اوسط جديد يقسم فيها المقسم؟