بذريعة "الظروف القاهرة"، مرّ ​التمديد​ الأول للمجلس النيابي رغمًا عن الجميع، ومثله سيمرّ التمديد الثاني على الأرجح، وخلال فترةٍ وجيزة، رغم كلّ ما يُروَّج بخلاف ذلك..

كلّ ذلك مرّ ويمرّ وسيمرّ في وقتٍ لا يزال ​الحراك المدني​ المعترض يتصف بـ"الخجل" في أفضل الأحوال، وهو "المتمركز" داخل المجتمعات "الافتراضية"، كنتيجةٍ حتميةٍ للتركيبة الطائفية والمذهبية في البلاد..

يد واحدة لا تصفّق..

مع التمديد الأول للمجلس النيابي، وُلِد "الحراك المدني للمحاسبة". ضمّ ممثلين عن منظمات من ​المجتمع المدني​ ومجموعات شبابية وطلابية ونسائية ونقابية. نظّموا أنفسهم في لجان تنظيمية وإعلامية وطلابية لمواجهة هذه "الظاهرة" غير الديمقراطية، رافعين شعاراتٍ أبرزها ان ما بعد 20 حزيران لن يكون كما قبله.

لكن ما بعد 20 حزيران، الموعد المفترض للانتخابات النيابية، كان كما قبله، بل إنّ ما بعد الموعد المؤجّل أيضًا يكاد يشبهه، إذ إنّ التاريخ يعيد نفسه اليوم، وبدل أن يلغي الشباب التمديد الأول، يبدو أنه سيجرّ تمديدًا ثانيًا بقوة "الظروف القاهرة" نفسها. واقعٌ مرّ يقرّ به شباب الحراك الذين لم ولن يستسلموا، على ما يقولون. هم يعتبرون من الظلم بمكان أن يتمّ لومهم على ذلك، باعتبار أنّ يدًا واحدة لا يمكن أن تصفق.

كلامٌ كثيرٌ يُقال في أوساط هؤلاء الشباب، فـ"المعركة طويلة ونقطة الحسم لم تأتِ بعد"، يجزم مدير البرامج في "الجمعية اللبنانية من أجل ​ديمقراطية الانتخابات​" ​سامر عبد الله​، في حديث لـ"النشرة". "لنتذكر أنّ البلد يمرّ بظرف يرهّب الناس"، يقول، موضحًا أنّ الكثير من المواطنين لا يعتبرون موضوع الانتخابات أولوية في الوقت الراهن، وهم لا يربطون بينه وبين أمورهم الحياتية المُلحّة رغم أنه مهم جدًا وحيوي.

"قرفتونا يا زلمة"..

"هيدا المجلس مجلسنا وهيدي الساحة ساحتنا"، "مثلوا ع حالكن ما تمثلونا"، "فلوا"، "قرفتونا يا زلمة"، "30 سنة فشل ومصايب لهون وبس".. هي عيّنة من الشعارات التي رفعها الشباب المناهضون للتمديد منذ اليوم الأول ولكنّ شيئًا لم يتغيّر، إذ بدا أنّ ضمائر "الممدّدين لأنفسهم" تعطّلت عن العمل.

وإذا كانت ضمائر المسؤولين معطّلة، وهو ما يدركه القاصي والداني، فإنّ انتقاداتٍ توجَّه للحراك نفسه على قاعدة "العتب" باعتبار أنه "متواضع" وأنّ "الحماسة المفرطة" التي يبديها البعض للمشاركة في نشاطاته لا تتعدّى الغرف "الافتراضية" المغلقة على شبكات التواصل. هكذا، يتفنّن الشباب وينشطون "افتراضيًا" في ساحات التواصل الاجتماعي، دون أيّ "ترجمة" عملية على أرض الواقع.

هي حقيقة لا يمكن نكرانها، ولعلّ المسيرة الأخيرة التي نظّمها الحراك تحت عنوان "لا للتمديد للعتمة" خير دليلٍ على ذلك. يومها، كان التفاعل واسعًا جدًا على مواقع التواصل، فإذا بالأعداد المشاركة لا تتخطى العشرات على الأرض، لكنّ ذلك لم يبدُ مفاجئًا بالنسبة للمنظمين، خصوصًا في ضوء الوضع الأمني الذي كان سائدًا. "بسبب قطع الطرقات، فضّل الكثير من الشباب عدم المشاركة في هذا التحرّك"، يقول عبد الله، رافضًا الاستسلام لمقولة أنّ لا قاعدة شعبية لمثل هذه التحركات. "الناس ليست قادرة على أن تنزل إلى الشارع بشكل يومي، ونحن لم نصل إلى أمّ المعارك بعد كما أنه لا يمكن تحشيد الناس بشكل يومي"، يشرح عبدالله، كاشفاً عن خطة عمل لمواجهة هذا الواقع، عنوانها تكثيف التحرّكات والمظاهرات، انطلاقاً من الإيمان بأنّ كرة الثلج تكون صغيرة في البداية لتكبر شيئاً فشيئاً. "الموضوع تصاعدي"، يوضح عبد الله، ويضيف: "نحن نصعّد تحرّكاتنا حتى نصل إلى اللحظة التي نضغط فيها على جميع المعنيين بالنزول والمشاركة، وعندها قد تنقلب كلّ المعادلات".

تحصيل حاصل..

في مفارقةٍ قد لا تبدو مستغرَبة، يُجمِع هؤلاء الشباب على رفض أخذ مواقف بعض الكتل النيابية الرافضة للتمديد على محمل الجَدّ، متلاقين بذلك مع ما تؤكده مصادر سياسية ونيابية متقاطعة لـ"النشرة" من أنّ التمديد بات تحصيلاً حاصلاً، شاء من شاء وأبى من أبى.

وفيما يرفض عبد الله الدخول في تحليل "نيّات" الأحزاب، يؤكد أنّ "الكلام ليس عليه جمرك"، وبالتالي فإنّ الترجمة العملية هي المطلوبة. من هنا، فإنّ من يقول أنه ضد التمديد عليه عدم التصويت للتمديد والطعن به وأن يأخذ مواقف حقيقية. يحرص على الحديث عن صيغٍ ممكنة لمثل هذه الترجمة، لعلّ الاستقالة وفرض الانتخابات الفرعية تأتي في مقدّمتها. هو ينفي وجود أيّ تواصل مع هذه الكتل السياسية، بل يذهب لحدّ القول أنّ الناشطين لا يريدون منها تبنّي حراكهم بأيّ شكلٍ من الأشكال. "نحن لا نتواصل معهم بهذه المرحلة أبداً، بل نحن الآن بمعركة معهم"، يقول عبد الله، تاركًا الباب مفتوحًا في الوقت عينه لجمهور الأحزاب السياسية للانخراط في صفوفهم، باعتبار أنهم يمكن أن يشكلوا عاملاً ضاغطاً على أحزابهم. "حراكنا غير خاضع لمزاج الأحزاب، بل لمعايير الديمقراطية فقط لا غير"، يشرح عبد الله، مشيراً إلى أنّ أيّ تبنّ من أيّ حزبٍ له سيكون بحثاً عن "مكاسب" في السياسة لن تمنعه من التراجع في اللحظة الأخيرة بحجّة الأمن أو غيرها.

"المكاسب" إذًا هي "بيت القصيد". هذا ما تلمّح إليه المصادر السياسية التي تجاهر بأنّ ما يُحكى عن رفض للتمديد لا يتعدّى "المزايدات" أو "المناورات"، في حين أنّ الكلّ يريد التمديد ويعمل من أجله. تذكّر تذكّر كيف أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري وعد عند التمديد الأول بأنّ البرلمان سيتحوّل لـ"خلية نحل"، وأنّ الولاية الممدّدة ستشهد نشاطًا غير مسبوق، فإذا بالنتيجة أنّ المجلس لم يشرّع أيّ قانون منذ قانون التمديد الشهير. لهذه الأسباب، تشير المصادر إلى أنّ البعض سيطلب "ضمانات" قد تتخذ شكل جلسات تشريعية تسبق التمديد، بينها جلسة تُخصَّص لسلسلة الرتب والرواتب.

على الديمقراطية السلام..

هكذا إذًا، لا تبدو "أمّ المعارك" التي يتحدّث عنها شباب الحراك بعيدة..

هم يعرّفونها لـ"النشرة" بـ"نقطة اللاعودة" أو اللحظة التي يشعرون فيها أنها الأخيرة لفرض منع التمديد، ويحدّدون موعدها بأنها ستكون قبيل الجلسة التي سيُناقَش فيها قانون التمديد..

عندها، ستكون "كرة الثلج" قد تحوّلت لـ"كرة نار"، وسيصبح الموضوع "أولوية الأولويات"، وعلى الجميع أن يشارك لأنّ "الندم" لن ينفع بعد ذلك.. رهانٌ ينطلق منه شباب "لا للتمديد" في مخططهم، رهانٌ إما يكون الشعب على قدره، وإلا فالسلام على ما تبقى من "ديمقراطية" في هذا البلد!