منذ تسلمه مشعلَ القيادةِ الذي استمد ناره من اللهب المنبعث من إنفجار السان جورج، حيث استشهد والدهُ الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، يسيرُ الرئيس سعد الحريري في خطى ثابتةٍ في حقلٍ من الألغام السياسية وأحياناً الأمنية، وهو نجح في تجاوزها لأنه مؤمن بمستقبلِ البلدِ ومستقبلِ الشبابِ فيه والأجيال الآتية التي تعرف قيمة التضحيات وكيفية المحافظة عليها.

تسعةُ أعوامٍ، حتى الآن، في الزعامةِ الوطنيةِ، لم تنقصه الزعامةُ قبل أن يصل إلى السراي الحكومي، وبقيت راسخة معه حين استقر في السراي، واستمرت تلازمه حين خرج منه.

بقيت السلطةُ مبتورة حين أُقصِيَ عن رئاسة الحكومة، وشعر الذين أقصوه بخطئهم الجسيم، فانتهى بهم الأمر إلى مناشدته لأن يعود بعدما تأكدوا أن أحداً لا يستطيعَ إقصاء أحدٍ في لبنان.

في النيابة، يملك الرئيس سعد الحريري أكبر كتلةٍ نيابية في تاريخ المجالس النيابية في لبنان، وبالإضافة إلى الكتلة الأكبر، فإن التنوع الطائفي والمذهبي فيها يكاد أن يكون الوحيد بين الكتلِ النيابية.

في المحصِّلة، زعامةٌ ثابتةٌ لا تهاب المنافسة، لا شعبياً ولا سياسياً ولا نيابياً ولا حكومياً، لكن هذا الزعيم هو الذي يهاب:

يهاب الفراغ لأنه يعرف ثمنه ومضاعفاته، ليس عليه أو على طائفته، بل على غيره وعلى الطوائف الأخرى، ولو كان سعد الحريري يتعاطى السياسة من باب الأنانية السياسية لما كان يقوم بما يقوم به:

إذا حصلت الإنتخاباتُ النيابيةُ، فإنه سيحصد فيها الأكثرية التي تخوُّله أن يُسمَّى لتشكيل الحكومة، أما إذا حصل التمديد فإن الحكومة الحالية هي التي ستستمر، فعلى قاعدة الأنانية السياسية ربما كان يناسبه أن تجري الإنتخابات ليعود إلى السراي، لكنه آثر التمديد لأنه يعرف أن ظروفَ البلدِ لا تحتمل إجراء الإنتخاباتِ، وحتى لو جرت في ظل القانونِ الذي جرت على أساسهِ في المرة السابقة، فما الذي سيتغيَّر؟

إنطلق الرئيس سعد الحريري من وجوبِ التمديدِ كَشَرٍّ لا بد منه وهو يعرف ان معظم القادة في لبنان يفضِّلون التمديد في هذه الظروفِ، لكن الفرق بينه وبينهم هو انه يملكُ جرأةَ المجاهرة، وعدم الخوف على قاعدته الشعبية، لأنها تُدرك الظروف ولا مكان للمزايدة عندها.

في اختصار، إذا حصلت الإنتخاباتُ النيابيةُ، فإن الرئيس الحريري لا يتهرب منها، وإذا حصل التمديد فإن الرئيس الحريري لا يختبئ وراء إصبعه ولا يتهرب منه، لكن السؤال الكبير:

ماذا عن الآخرين؟

ليُعلِن الرئيس الحريري أنه مع الإنتخابات، وفي موعدها، ولنَرَ ماذا ستكون عليه ردةُ فعل الآخرين! أو ليترك الرئيس الحريري موضوع التمديد جانباً، ماذا يحصل؟

لا إنتخابات نيابية، لا مجلس نيابي، لا رئاسة، وبالتالي لا حكومة أي فراغٌ كاملٌ وشامل أهذا ما يريدوه؟

كفى مزايدةً، وهل يحتملُ الوضعُ في لبنان أي مزايدة؟

تفصلنا عن إنتهاء ولاية المجلس ثلاثة أسابيع، فهل بالإمكان إجراءِ الإنتخابات في هذه الأيام المعدودة؟

وإذا لم يحصل التمديدُ وإذا تعذر إجراء الإنتخابات، فهل نكون أمام الفراغ في السلطة التشريعية بعد الفراغ في سدةِ الرئاسة؟

وماذا يتبقَّى؟

حكومةٌ تحتاج إلى إجماعٍ شبه مستحيلٍ حتى لو أرادت تعيين حاجب؟

أيها الغيارى لا تحمّلوا ولا تلوموا الرئيس الحريري تبعات ما لم تستطيعوا أنتم أن تتوافقوا عليه.