لم تنته المعركة بعد. فإن كانت طريق نفاذ التمديد سالكة بغطاء سياسي، الاّ أنها لا تبدو آمنة، وخالية من المطبات، في ضوء إصرار التيار الوطني الحر على عدم تسهيل الأمر على عرابي التمديد، انطلاقاً من أنه " لا شيء يسمح للنائب ان يمدد لنفسه دون العودة الى الوكيل الأصلي". من هنا كانت المقاطعة أولى حبات العنقود، والامتناع على التوقيع على المرسوم ثانيها على المستوى الحكومي، والاعداد للخطوات المقبلة، ومنها الطعن، ثالثها.

امس، امتار قليلة سلكها التمديد، بعد 24 ساعة على اقراره تحت قبة البرلمان، ليقوده المسار الدستوري المطلوب الى قاعة اجتماع مجلس الوزراءليواجه إشكالية جديدة تتمثّل بصلاحية رئيس الجمهورية وانقسام "شخصية الرئيس" المتمثّلة بالحكومة مجتمعة بين مؤيّد ومعارض، انطلاقاً من المادتين 56 و57 من الدستور.

على طاولة مجلس الوزراء، بقي وزراء التيار الوطني الحر على موقفهم المبدئي، رافضين التوقيع. واحتفظ وزراء الكتائب بلاءاتهم التي تمثّلت بمقاطعة جلسة التمديد. وسعى رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان لايجاد مكان لنفسه في هذه المعمعة، برفض الوزراء المجسوبين عليه التوقيع ايضاً.

هكذا اذاً، طرحت الإشكالية التي كانت منتظرة في سياق المبارزة السياسية والدستورية القائمة. في الواقع، حسب عرّابو التمديد الحساب لذلك منذ اشهر. فجاء اقتراح القانون المقدّم من النائب نقولا فتوش معجّلاً مكرراً حتى لا يمر باللجان وليشق طريقه مباشرة الى الهيئة العامة، ومن هناك الى مجلس الوزراء ليعتبر نافذاً بعد 5 أيام فقط من عرضه على الطاولة الحكومية، من وجهة نظرهم، استناداً الى المادة 56 من الدستور والتي تنص على ان "يصدر رئيس الجمهورية القوانين التي تمت عليها الموافقة النهائية في خلال شهر بعد إحالتها إلى الحكومة ويطلب نشرها. أما القوانين التي يتخذ المجلس قراراً بوجوب استعجال إصدارها، فيجب عليه أن يصدرها في خلال خمسة أيام ويطلب نشرها.".

وهي النظرية نفسها التي طرحت من قبل عرابي التمديد على مسمع منالإعلاميين في الأسابيع الماضية، على هامش الجلسات غير المنعقدة لانتخاب رئيس الجمهورية.

فمرة جديدة، يبدو أن التفاهمات السياسية تعلو على كل شيء، وحتى ولو كان الدستور نفسه هو المقصود. فلكل شيء تفسيراته ومخارجه، في سايق تبرير الغاية للوسيلة. وفي هذا الإطار، يقول المطلعون على الكواليس، أن أصحاب القرار بالتمديد، وضعوا الهدف، وفصّلوا على قياسه الأسباب الموجبة... وسائر التفاصيل.

فالمعروف أنه واذا كانت الأكثرية مؤمّنة للتمديد في المجلس النيابي، فالمتطلبات مختلفة على المستوى الحكومي، حيث لكل صوت قيمته، ولكل اعتراض "فركشته" للمرور السالك والآمن للتمديد.

ولكن، للخبراء الدستوريين رأي آخر...وهنا تحضر المادة 57 من الدستور، والفقرة الثانية منها تحديداً، والتي تعتبر القانون "نافذاً حكماً ويجب نشره،في حال انقضاء المهلة المحدّدة لرئيس الجمهوريّة من أجل إصداره أو إعادته إلى البرلمان". إلا أنّ الفقرة الأولى منها أعطت الرئيس "بعد إطلاع مجلس الوزراء، حق طلب إعادة النظر في القانون من ضمن المهلة المحددة لإصداره.وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا، يصبح في حلّ من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً".

من حيث المبدأ، لا خوف على هذا المسار. فالأكثرية التي غطّت التمديد سياسياً تبقى هي هي وفي جيبها 95 "نعم للتمديد".

اما في ظل الشغور الرئاسي، فلكل مسار... ولكن. فما دام موقع الرئاسة شاغراً، فذلك يعني أن ممارسة الرئيس لحقّه بإعادة القانون الى المجلس النيابي متعذرة، فيصبح في ضوئها، بحسب الخبراء الدستوريين، من المشروع التساؤل، او حتى التشكيك، بما اذا كان يجوز العمل بالفقرة الثانية من المادة 57 من الدستور، طالما أنه من المتعذّر العمل بالفقرة الأولى من المادة ذاتها.

وعلى هذا الصعيد، يرى الخبير الدستوري المحامي عادل يمين انه "لا يصحّ التذرّع بأنّه يمكن لمجلس الوزراء، بوكالته عن الرئيس، أن يعيد القانون الى البرلمان في ما لو شاء، لأنّ ذلك يستلزم بحسب الآلية المعتمدة، إجماع الوزراء، في حين أنّ حالة الامتناع عن إصدار القانون ضمن المهلة تقود إلى اعتباره نافذاً حكماً ووجوب نشره في حال لم تكن تمت إعادته إلى البرلمان، وهو ما يولّد اختلالاً في التوازن في تطبيق المادّة 57 من الدستور ومساً بتكامليّتها، حيث من الواضح أنّ ردّ القانون يحتاج إلى إجماع الوزراء بينما اعتباره نافذاً يحصل بمجرّد إحجام وزير واحد عن التوقيع على إصدار القانون ضمن المهلة".

لذلك، في ضوء تعطّل حق الرئيس بإعادة النظر بالقانون في ظلّ إمكانيّة إحجام أيّ من الوزراء عن المشاركة بطلب إعادة النظر بالقانون، يقول يمين، "يصبح من المنطقيّ أن يتعطّل الحكم باعتبار القانون نافذاً في حال انقضاء المهلة دون إصداره أو ردّه، فضلاً عن أنّ حق الرئيس بالطعن بدستوريّة القانون أمام المجلس الدستوري والمنصوص عليها في المادّة 19 من الدستور متعذرة عملياً، بسبب شغور سدّة الرئاسة وصعوبة توفير إجماع الوزراء على الطعن، وذلك كله يمكن أن يشكل أسباباً إضافية للطعن بالقانون لدى المجلس الدستوري من جانب عشرة نواب عدا عن الجهات الأخرى المختصة".

الأكيد أن التيار الوطني الحر لن يضيّع فرصة سياسية او دستورية او شعبية لحشر التمديديين وتثبيت وجهة نظره. اما الكتائب فلن تطعن بحسب مصادرها، وقد تكون الولاية الممددة مقرونة بعدم حصول نواب الحزب على رواتبهم خلالها، وهي فكرة تناقش على المستوى الحزبي.

في مقلب التيار، يبدو أن الأحرف الأولى لمراجعة الطعن بدأت تكتب تمهيداً لتقديمه في المهلة القانونية. هذه المرة قد يضاف الى نص المراجعة "الخطأ" الذي ارتكب على المستوى التنفيذي، بعد "خطيئة التمديد" على المستوى التشريعي.

وفي كل الحالات، يرى مناهضو التمديد على المستوى النيابي، وعند التيار الوطني خصوصاً، أن المطلوب من المجتمع المدني مواكبتهم في الأيام المقبلة لحماية المحكمة الدستورية العليا المتمثلة بالمجلس الدستوري،كما أكد امين سر التكتل النائب ابراهيم كنعان امس، حتى لا تشلّ وتعطّل على غرار ما حصل في العام 2013. فبعد ساحة النجمة والسراي الحكومي، الى المجلس الدستوري درّ في رحلة البحث عن الديموقراطية المفقودة.