لست ملحداً... ولكن في هذا الشرق باتت الأديان هي الجلاد.

هل لاحظ أحدكم انتشار الإلحاد المعلن في لبنان، والخروج عن الأديان الرسمية، والبحث عن طرق ووسائل مختلفة للتواصل مع الذات والله، بعيداً عن سطوة المؤسسة الدينية واضطهادها المقنَّع أو الصريح؟

ابحثوا فقط على الانترنت، تجدون صفحات الملحدين المتزايدة على الفيسبوك والمواقع الخاصة بهم. ويبدون حتى متصلبين في "إيمانهم" بالإلحاد. ثم هناك المنضوون إلى جماعات اليوغا، والتأمل، والإيزوتيريك، والعلاج بالطاقة، والريكي، وغيرها الكثير. يبحثون عن السلام الداخلي، ومعنى الحياة، والتخلص من القلق، ومواجهة ضغوطات الحياة.

ولكن... ألم ننشأ ببساطة على أن الصلاة هي الوسيلة للعثور على هذا التوازن؟

لماذا نبحث في أماكن أخرى؟ ولماذا هذا الفتور الإيماني في مقابل بروز التشدُّد الديني، والتطرُّف، والتعصب، والانكماش، وفقدان التسامح، والتكاذب بين الأديان على مستوى المؤسسات؟

هذا بالضبط ما يحدث. اختارت المؤسسات الدينية أن تتحوَّل إلى سلطة قامعة، لا علاقة لها باحتضان الإنسان في مسيرة إيمانه، وقلقه الوجودي على هذه الأرض. وكسلطة هي قادرة على التحكم بمصائر الناس وأرواحهم.

من رفض خيار الزواج المدني، إلى قطع رؤوس من يوصمون بالكفر، إلى الإفتاء في كل شاردة وواردة ومرات كثيرة بتخلف غير معقول، إلى التحوُّل إلى الرفاهية والتلذذ بالمال بدلاً من روح الفقر (وهذا ما جاء على لسان البابا فرنسيس نفسه)، إلى ادعاء احتكار الخلاص، إلى الحلول محل الله في الحكم على النفوس، إلى إشعال الحروب الدينية، إلى الاهتمام بالحجر بدل البشر.

فكم من صرح ديني فخم ومتناهي العظمة ينبت حتى في الصحراء القاحلة أو في الوديان المقدسة، فيما لا رجل دين يهتم بزيارة الفقراء، أو مساندة العائلات التي توشك على التفكك!

وكم من جامعة تدَّعي الانتماء إلى رهبنة فيما يشتكي طلابها من روح المادة التي تنخرها.

كم أصبحت الأديان في منطقتنا مصدراً للتنافر، والخصام، والحروب، والتطرف، والانشقاق!

وكم هو مقزِّز مشهد متوحِّش يصرخ باسم الله وهو يذبح البشر في نشوة من وطأ الجنة للتو!

ويقولون إن هذا لا يمتُّ إلى الأديان بصلة! هل هذا صحيح؟ ربما، وأنا واثق من ذلك. ولكنه يمتُّ بالتأكيد إلى رجال دين تناسوا روحانية رسالتهم، وراحوا يعبئون النفوس بالمشاعر السلبية، ورفض الآخر والاختلاف، والادعاء بأن كلامهم منزل، وأحكامهم مبرمة، وآراءهم سديدة، وقراراتهم موحى بها من الروح القدس. لكن الوحي يهطل في الأرواح النقية، لينعشها ومَنْ حولها. وكم هي اليوم مشوَّهة أرواح المدَّعين الإمساك بمفاتيح أبواب الجنة والجحيم!

وما يصعقنا في ملحمة العنف، والوحشية، والدمار، والانهيار، والذبح، المترامية الأطراف من أقصى البلدان العربية إلى أقصاها، هو سؤال يجب أن يقضَّ مضجع كل واحد منا:

ماذا كانت تفعل المؤسسات الدينية، ورجال الدين طيلة العقود الماضية؟

أي نفوس كانت تربي في أحضانها؟

ألا ندَّعي أن هذه الأرض هي أرض الرسالات السماوية، وأننا شعوب مؤمنة لم تنحرف إلى الكفر كالغرب؟

فماذا عن كل هذا التطرف، والوحشية، والانقسام، وروح القبلية المستشرية؟

جواب واحد لم أصل إلى غيره:

الأديان تتداعى فوق مساحات العالم العربي، ولم يبقَ منها إلا هيكل يوشك على الفراغ الكامل.

وعلى رجالاتها أن يبحثوا عن روح القيامة، كي لا يكتمل انهيار الهيكل، ويواصل الإنسان العربي السقوط إلى هاوية الضياع الكامل.