بسرعة البرق أطل علينا مصطلح جديد في القانون الدولي اسمه (المناطق المجمدة)، وجاءت إطلالته من حقيبة المبعوث الدولي لحل الأزمة السورية السيد (ستيفان دي مستورا) قبيل زيارته الأخيرة إلى دمشق.

المصطلح الجديد لا وجود له في القانون الدولي، ولا في قواميس الأمم المتحدة ومع كل ذلك فإن القيادة السورية تعاملت بإيجابية مع مبادرة دي مستورا وأبقت الباب مفتوحاً لتطويرها باتجاه حماية المزيد من أرواح السوريين وإخراج الإرهاب المتنقل إلى خارج المدن السورية (حلب نموذجاً).

زيارة دي مستورا إلى مدينة حمص جاءت لإطلاع المبعوث الأممي على الواقع الحقيقي على الأرض، وأخذ العبرة من تجربة حمص القديمة بهدف الاستفادة منها في حلب- المدينة الصناعية والاقتصادية المهمة، والعزيزة على قلوب السوريين كما كل المدن السورية، وإذا كان الهدف من مبادرة دي مستورا إخراج مجاميع الإرهاب إلى الأرياف لحماية حلب، وأهلها، وتخفيف معاناتهم من سطوة- وإرهاب مقاتلي أردوغان، وداوود أوغلو فإن ذلك سيساعد كثيراً السوريين، وسيمهد الطريق للمزيد من هذه المبادرات التي نجحت الحكومة السورية قبل السيد دي مستورا بتحقيقها في غير مكان بهدف إعادة الاستقرار، وإسكان المدنيين، وتهيئة بيئة مناسبة للسوريين تخفف عنهم المآسي، والآلام التي نشأت بسبب الإرهاب، وداعميه.

لكن الوقائع الميدانية التي تقودها قوى إقليمية، وخاصة (تركيا، وقطر وإسرائيل، والسعودية) بقيادة أميركية توحي بأن هؤلاء لا تزال عقولهم مجمدة، ومتجهة نحو هدف واحد لم يتغير منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، ويتمثل بإسقاط الدولة السورية، وتدمير المزيد من إرث السوريين وتاريخهم وبناهم التحتية، واغتيال العلماء – والطاقات الوطنية، ضمن إطار هدف مركزي لم يتغير، ولهذا فإن ما يرشح من الميدان في درعا، والقنيطرة وريف إدلب، وشمال شرقي سورية يوحي بأن قوى التآمر والعدوان على سورية لا تزال تعمل بعقول مجمدة، ومكابرة في محاولة لتحقيق إنجاز على الأرض تساوم من خلاله الدولة السورية على طاولة المفاوضات التي ستعقد يوماً ما ليس من أجل مستقبل أفضل للسوريين إنما من أجل مصالحهم، وللأسف عبر أدوات وواجهات سورية.

إن مصطلح (العقول المجمدة)- هو ما يجب أن يحاول السيد دي مستورا معالجته، ووضعه على جدول أعماله، ومواصفات هذه العقول، وأوهامها تتلخص بالآتي:

1- عقل عثماني متخلف: لا يزال يعيش أوهام أجداده، وإعادة أمجادهم ويحلم بحلب، والموصل، ويعتقد بنزعته المذهبية، ومرضه السلطاني أن بإمكانه أن يحول سورية إلى ولاية تركية جديدة، وأن يكون السوريون من رعايا السلطان (أردوغان) بديمقراطيته الفريدة، وصدره الأعظم (أحمد داوود أوغلو) مع أصفاره الفريدة في السياسة الخارجية، وفوقيته- وقنزعته على الأمم والشعوب، وأولهم الشعب التركي الذي يعاني من فوقية صاحب قصر (الألف غرفة)- والذي يدعم المستضعفين- وأصحاب الحقوق في سورية، وينهب المستضعفين وأصحاب الحقوق في تركيا.

2- عقل وهابي- سعودي- قطري: يكذب منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة بدعمه لما يسمى (الثورة السورية)، ويرتجف قولاً واحداً من كلمات مثل (الثورة، الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، حقوق المرأة)، وهذا العقل المتخلف، والهمجي صدَّر لسورية كل القتلة، والمجرمين من مجتمعه والعالم، وموَل بمليارات الدولارات فنون قطع الرؤوس، وأكل الأكباد والسبي، وبيع الجواري، وتجارة الغلمان، وجهاد النكاح في القرن الحادي والعشرين، والطريف في مقاربة هذا العقل الهمجي أنه يتحدث عن الانتقال الديمقراطي، وتداول السلطة، والانتخابات دون أن يرف له جفن.

3- عقل صهيوني: العقل الصهيوني يتآمر مستنداً إلى العقل الوهابي، والعثماني، والإخواني، ويتحالف معهم ليس من أجل مستقبل السوريين، لأنه عقل استعماري- عنصري- محتل- توسعي ولكن من أجل بقائه، إضافة إلى أنه يشترك مع شركائه في الإجرام والقتل، والماضي الداعشي إن شئتم، ومن الطبيعي أنه يريد إضعاف أعدائه ضمن هذه الظروف التي تمر بها سورية، ولكن عليه أن يدرك أن لا مستقبل لهذا العقل المجرم، فالمقاومة لقنته دروساً قاسية آن له أن يفهمها، والعالم يقتنع أكثر- فأكثر بعقم هذا العقل العنصري وخطره على أمن واستقرار المنطقة.

4- عقل ثورجي سوري: وهذا العقل المدعوم من عقول عثمانية- وهابية صهونية، لا يزال يردد علينا كلاماً فارغاً تافهاً- عن ثورة مزعومة في سورية دمرت الأخضر واليابس، فمن البنية التحتية، إلى المدارس، فالجامعات، والمساجد والكنائس إلى قتل الكوادر العلمية، والوطنية، واستهداف الهوية، والعروبة، والإسلام، والمسيحية وكل مقومات الدولة، إلى الخطف، والسلب والنهب، والسبي، وأكل الأكباد، ومهاجمة الجيش الوطني، والشرطة، وكل قوى الأمن وحفظ النظام، أي إن هذا العقل الثورجي السوري تحالف مع قوى الفاشية الدينية، والوهابية، والصهيونية، وطالب بتدخل الأطلسي لإنجاز ثورته المزعومة.

وإذا كان من واجب أقدمه للسيد دي مستورا فهو أن يبدأ بتحرير هذه العقول (المجمدة) من أوهامها علنا نصل إلى مخارج إيجابية يوماً ما- ولا أعتقد أن المهمة صعبة ذلك أن قول الحقيقة هو الخطوة الأولى لإذابة هذه العقول علها تختفي من الوجود فتريحنا وتريح العالم من همجيتها- وتخلفها- وفاشيتها التي أنتجت لنا داعش.

ولا أحسد السيد دي مستورا على مهمته فهو سيواجه هذه العقول في جولته داخل سورية وخارجها.