لا يبدو أنّ الحرب الدولية التي تشنّها عشرات الدول على تنظيم "الدولة الإسلامية" تحقق الأهداف المرجوّة منها، لا بل على العكس من ذلك يستفيد التنظيم من هذه الحرب من أجل التمدّد أكثر باتجاه المزيد من المناطق والدول، ملتزماً سياسة الصمت بالنسبة للعديد من الأنباء التي تتناول إستهداف قياداته.

في أروقة القرار الدولي، هناك الكثير من القراءات التي تتناول الضربات الجوية التي يقوم بها ​التحالف الدولي​، لكن معظمها يصبّ في خانة أنها لن تؤدي إلى القضاء على التنظيم الإرهابي، في حين يذهب بعضها إلى القول أنها أدخلت المنطقة في حرب إستنزاف طويلة مع التنظيمات "الجهادية"، بانتظار حسم الأمور على طاولة المفاوضات الدولية بين القوى الكبرى.

في بداية الإعلان عن تشكيل هذا التحالف، وصف المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ​مايكل هايدن​ إعتماد الولايات المتحدة الأميركية على الضربات الجوية في محاربة "داعش" بـ"ممارسة الجنس من دون اشباع والتزام"، في تأكيد منه على عدم جدوى هذه الضربات في الحرب على الإرهاب، من دون القيام بحملة برية أو التنسيق مع الدول التي تحارب على أرض الواقع، واليوم يتأكد الأمر أكثر من أي وقت مضى.

على أرض الواقع، لم تظهر أيّ معالم جدية تؤشر إلى سعي حقيقي للقضاء على "داعش"، لا سيما في سوريا، حيث المعلومات تؤكد بأن التحالف لا يمانع في حصر أعماله هناك، وهو الذي سكت على ممارسات التنظيم على الأراضي السورية على مدى أكثر من ثلاث سنوات.

وفي الوقت الذي يتمّ الإعلان فيه بشكل شبه يومي عن إصابة بعض قيادات "داعش" في الضربات الجوية التي تستهدف بعض معاقله، يلتزم التنظيم الصمت، فهو لا يؤكد ولا ينفي هذه الأنباء، لكنه في المقابل يذهب إلى الإعلان عن بيعات جديدة لأميره أبو بكر البغدادي، الذي تتحدث بعض المعلومات عن إصابته أو مقتله، ومنها مبايعة "أنصار بيت المقدس" في مصر، بالإضافة إلى تجديد مبايعة كلّ "مجاهدي اليمن المؤيدين للدولة الإسلامية" و"مجاهدي الجزيرة العربية"، ناهيك عن تلك التي تصدر من دول المغرب العربي، لا سيما في كلّ من الجزائر والمغرب وتونس، حيث تعتبر هذه الدول من المصادر الأساسية التي تورد المقاتلين لـ"داعش"، مع العلم أنّ بعض فصائل المعارضة السورية، لا سيما في منطقة القلمون أعلنت مؤخراً مبايعتها التنظيم أيضاً.

على مواقع التواصل الإجتماعي، تفاخر الحسابات التابعة أو المقرّبة من التنظيم بهذه البيعات، وترى فيها مصدر إعتزاز وقوة، وإنطلاقاً من مقولتها الشهيرة "باقية وتتمدد" تروج لها على نطاق واسع، إستناداً إلى كلام المسؤول الإعلامي في التنظيم أبو محمد العدناني، عن أن "الدولة الإسلامية بقتالها تشتد وتستعر وبتركها تمتد وتزدهر"، وتشير هذه الحسابات إلى أن الحرب الدولية ساهمت في تعزيز قوة التنظيم الذي كان يعمل في سوريا والعراق فقط، حيث بات رقماً صعباً في المعادلة الليبية بشكل أساسي، ومن المرجح أن يتوسع نطاق عمله باتجاه دول أخرى في الأيام المقبلة.

وفي الأيام الأخيرة، أعلن الرئيس الأميركي ​باراك أوباما​ عن مرحلة جديدة من الحرب على "داعش"، من خلال إرسال المزيد من الجنود الأميركيين إلى العراق، من أجل مساعدة الجيش العراقي في المواجهة، لكن أغلب المراقبين لا يرون أن الهدف الأميركي من ذلك السعي إلى القضاء على التنظيم، بقدر ما هو تدريب بعض الجماعات والتنظيمات الحليفة لها، لا سيما العشائر في العراق وفصائل المعارضة التي تصفها بـ"المعتدلة" في سوريا، كي تأخذ مكان "داعش" في المرحلة الثالثة التي ستبدأ بعد تدريبها وتجهيزها سياسياً وعسكرياً، حيث سيكون من الممكن الإستفادة من الأمر الواقع الذي حققته "داعش" عبر رسم خارطة جديدة لدول المنطقة بالنار، لكن حتى ذلك الوقت لا يمكن الحديث عن أن هناك سعياً حقيقياً للقضاء على الإرهاب في المنطقة، بقدر ما هو "تقليم أظافر" له بانتظار تبدل بعض المعطيات التي من الممكن الإستفادة منها، إلا أن فرص نجاح المخطط الأميركي على أرض الواقع، ضئيلة خصوصاً أن واشنطن ليست وحدها اللاعب على الساحة الإقليمية.

في المحصلة، لا يبدو الغرب جاداً في محاربة الإرهاب، لا سيما من خلال مواقفه الرافضة حتى الآن ليكون ذلك تحت عباءة المجتمع الدولي أي عبر الأمم المتحدة، وبالتالي لا يكون ما يجري إلا في سياق لعبة المصالح الدولية التي تدفع ثمنها شعوب المنطقة بانتظار الوصول إلى تسوية حول شكل النظام العالمي الجديد الذي يبنى على قاعدة حرب الإستنزاف.