لا تشبه "الأيقونات المقدسة" غيرها من الصور التي نراها كلّ يوم والتي تزدحم فيها الخطوط والألوان، فهي رغم بساطة خطوطها وألوانها، تحمل أبعادًا روحية ولاهوتية تجعلها توازي الكتاب المقدس، الإنجيل يوصل لنا كلام الله بالحرف والعبارة، أما الأيقونة فتنقل لنا كلمة الله بالشكل واللون، والكنيسة رغم تعّرُضِها عبر التاريخ لبدعٍ وهرطقات طالت أهم عقائدها مثل طبيعتَي المسيح الإلهية والإنسانية، او عقيدة والدة الإله، وغيرها مما حاربت من اجله وانتصرت، إلا أنه وحده انتصارها على محاربي الإيقونة في القرن الثامن، جُعل له عيدًا في الاسبوع الأول من زمن الصوم.

تهديم الأيقونات في الشرق

من يشاهد الايقونات لا يمكن الا أن يرى فيها جمالية خاصة، فبعد إجتياح التكفيريين للكنائس في الشرق لجأوا الى تحطيم تلك الأيقونات خصوصاً في سوريا والعراق، والتي وبحسب الأب نداء ابراهيم، خسرت الكنيسة وهذه الدول ثروات دينية ووطنية لا تُقدّر بثمن، فهي تحمل تاريخ الكنيسة وصلوات المؤمنين الذين ركعوا وتأملوا وصلوا امامها.

المحترف المخلّصي للإيقونة في جعيتا

يأسف الأب ​نداء إبراهيم​ لضياع مثل هذا النوع من الأيقونات خلال الحرب، ويؤكد أن "الرهبانية المخلّصيّة قررت إكمال المسيرة عبر إنشاء محترف لتعليم فنّ رسم الأيقونة الروسية والبيزنطية والملكية في دير المخلص في جعيتا"، ويشير الى أن "ما يُميّز هذا المركز الفنيّ هو تركيزه على إعادة إحياء المدرسة الملكيّة-الأنطاكية للتصوير الإيقونوغرافي والذي نرى صدىً له في ايقونات دير المخلص، الدير الأم للرهبانية الباسيليّة المخلصية في إقليم الخروب". فبحسب ما يشرح أنه "ومنذ مئتي سنة لم يأت مثل هذه المدرسة" ويضيف: "المحترف سيبدأ أعماله الشهر المقبل وسيسعى بكل جهد الى إعادة إحياء هذا الفن وإعادة نشر هذا الإرث الحضاري، كما أن الدراسة مفتوحة لكافة الفئات والأعمار وليست حكرًا على الموهوبين، لأن الرسم كما يقول كبار الفنانين هو 90/100 دراسة و10/100 موهبة"، من هنا الدعوة للجميع للتعرف على هذا الفن المقدس.

الأيقونة وجذورها الوثنية

يشرح الأب ابراهيم أن "تاريخ الأيقونات المقدسة يرجع الى القرون المسيحية الأولى، كما تعود بجذورها الى فنون الحضارات التي سبقت المسيحية مثل الحضارة الفرعونية واليونانية والرومانية وما الصور المأتمية لواحة الفيّوم في مصر او شواهد القبور في صحراء تدمر إلا دليل على توارث الحضارات لفنون من سبقها وإضفاء طابعها الخاص.

كثيرون يقفون أمام الأيقونة ويعتبرون أنها تحفة نزيّن بها جدران الكنائس والبيوت فقط، الا أن الإيقونة وإن بدت كفن تصويري متقن وجميل، فهي منذ البدء مقرونة بالوعظ والتعليم، انها أداة لتبليغ الرسالة. القديس باسيليوس الكبير كان يعتبر الرسم وسيلة إقناع تفوق أحيانًا الكلام، لأن حاسة النظر تلتمس وتحفظ أكثر من باقي الحواس. وقد قال بمناسبة تأبين أحد الشهداء : " أكملوا بموهبتكم ومقدرتكم التصويرية الوصف غير الكامل الذي أديتّه انا بكلامي... رسمكم سيبرز تقاطيعه بصورة حية وملامح القداسة في وجه هذا القديس الشهيد". كما أن تكريم إيقونات السيد المسيح والعذراء والقديسين، ليس عملاً إختياريًا، إنما من صلب وأساس عقيدة الإيمان المسيحي وهذا قرار إتُخذ في المجمع المسكوني السابع سنة 787. فعندما تعترف الكنيسة بأن ابن الله يسوع المسيح صار انسانًا، تعتبر ايقونته شاهدة على تجسده مُبطلةً الحرم الذي جاء في سفر الخروج بمنع رسم الله، وأصبح رسم "الكلمة المتجسد" يسوع المسيح أمرًا مسموحًا ومفيدًا.

يشرح الأب ابراهيم "أن كلّ شيء في الأيقونة له معناه و رمزيته الخاصة ، ولكلّ رسام "نقشته" او بصمته الخاصة رغم احترامه وخضوعه لتعليم الكنيسة أثناء عمله"، ويضيف الأب ابراهيم أن "الروح القدس يعمل في كاتب الإيقونة لذا يجب علينا أن لا نوقِّعَها، ولكن في نفس الوقت يفرح الباحثون في هذا الفن حينما يعثرون على تاريخ او إمضاء معين يُمكِّنُهم من معرفة كاتب هذه الإيقونة والى أي مدرسة تنتمي".

الأيقونة هي "كنز ثمين، تحمل أبعادًا روحية وفنية وحضارية. لقد أتت الحروب على العديد منها خاصة في بلدان الشرق، الا أن لبنان أبى أن يخضع لظاهرة الإلغاء والتكفير عبر تحطيم تلك الرموز بإنشاء "المحترف المخلّصي لرسم الإيقونة" في جعيتا ومن خلاله سيعود لهذا الفن المقدس عصره الذهبي علامة لإكمال المسيرة وتسليم شعلة الفكر والفن والقداسة الى الأجيال القادمة.