يمكن الانطلاق من شخصية كل من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري لفهم طبيعة علاقتهما بحلفائهما. تحالفات كل منهما داخل طائفته تتيح استيعاب تحالفاتهما مع زعماء الطوائف الأخرى: يتعايش حزب الله، بنجاح استثنائي، مع حركة أمل، فيما يعجز المستقبل عن الاعتراف بمرجعية سنية واحدة مستقلة عنه. يرتاح الحزب إلى حفاظه على مكاسبه، أياً كانت احتياجات حليفه، بعكس الحريري القلق دوماً من خطوة غير محسوبة توقع فريقه في الهاوية. لا قانون انتخابات ولا مقعد نيابياً ولا تأخير تشكيل الحكومة يؤثر في نفوذ حزب الله، أما الحريري فيمكن أي قانون انتخابات عادل أن يطيح بكل «مملكته».

وزارياً، لا تتمثل الثنائية الشيعية بأي وزير مسيحي مكتفية بالمقاعد الشيعية. فتكتل التغيير والإصلاح أحقّ منها، في حساباتها، بالمقاعد المسيحية. أما المستقبل فتتراوح حصته من المقاعد المسيحية في أية حكومة بين اثنين وخمسة. ومن يدقق في الحكومات الحريرية المتعاقبة يلاحظ حرصه على امتلاك الثلث المعطل، بمعزل عن حلفائه، ليضمن حفاظه على مصالحه الحكومية في حال طرأ أمر ما على تحالفاته السياسية.

نيابياً، لم تسمِ الثنائية الشيعية، في كلّ لوائحها، سوى مرشح مسيحي هو النائب ميشال موسى في الزهراني حيث لا يملك التيار الوطني الحر نفوذاً يذكر (الحزب القومي سمى اثنين أيضاً). لم يذهب ممثل عن حزب الله إلى الرابية لمقايضة أصوات الحزب في جبيل وكسروان والمتن وبعبدا وجزين بمقعد هنا وآخر هناك. في بعبدا، مثلاً، لم يكتفِ عون بتسمية المرشحين الموارنة، بل سمّى المرشح الدرزي أيضاً. أما المستقبل فيتمسك بتسمية ثلاثة مرشحين من صفوفه عن المقاعد المسيحية الثلاثة في عكار، وعن واحد من أصل مقعدين مسيحيين في طرابلس، واثنين من ثلاثة في الكورة، وهكذا دواليك حتى يكاد يوازي عدد نوابه المسيحيين مجموع نواب القوات والكتائب وتجمّع بطرس حرب النيابي. حتى أن الوزير نهاد المشنوق لم يجد، أخيراً، حرجاً في التعبير علناً عن الامتعاض من تفكير القوات في الحصول على مقعد نيابي في «أشرفية البشير»!

سياسياً، لا يخفي العونيون عتبهم على حلفائهم لمجاهرتهم بالقتال في سوريا، ولموافقتهم غير المشروطة على التمديد النيابي، ولسياستهم المهادنة في غالبية الملفات الحكومية. لكنه عتب تكتيكي لا يمس الملفات الجوهرية. ففي قانون الانتخاب كان حزب الله واضحاً: مع أي قانون يريده ميشال عون. على المقلب الآخر، تسبّب الحريري لحلفائه بإحراج ما بعده إحراج، بعدما ألزمهم بالتنصل من القانون الأرثوذكسي... وإلا. عند تشكيل الحكومة يكون حزب الله أوضح: كل مطلب عوني هو مطلبي، أما الحريري فلم ولن يبالي أبداً بحرد سمير جعجع. في الاستحقاق الرئاسي، أبدى الحريريون استعدادهم لدعم ترشيحات أخرى غير جعجع الذي يبدو ترشيحه تكتيكاً مستقبلياً وقابلاً للمساومة. أما حزب الله فلم يتزحزح عن موقفه: مرشحي ميشال عون أولاً ومن يسميه ثانياً.

يمكن مقارنة زيارات عون لكل من إيران وسوريا على وقع الاحتفالات بوصفه زعيم مسيحيي الشرق، واستدعاء السعودية لجعجع إلى إحدى المدن السعودية أو الأوروبية لعقد اجتماعات مع أحد الأمراء في جناحه الفندقي، لتكوين فكرة عن خلفية كل من حزب الله والمستقبل في تعاملهما مع الجنرال والحكيم. يمكن مقارنة الجهد الاجتماعي الذي يبذله الحزب في مناسبات مختلفة لعدم الظهور بمظهر الحزب المتزمت، حرصاً منه على توطيد الثقة المتبادلة مع العونيين، وعدم شعور المستقبل بأن توضيح الفرق للجمهور بين المكونات السنية المختلفة (العلمانية والوهابية والسلفية والصوفية) يعنيه من قريب أو بعيد. اجتماعياً، لا بد من لحظ الفرق بين «الحج» إلى أحد «مولات» الضاحية لشراء زينة الميلاد وتماثيل القديسين، واعتبار أهالي زغرتا والكورة وطرابلس أن شراء ثياب العيد من طرابلس صار من الماضي.

ويمكن دوماً ملاحظة الفرق بين حرص حزب الله على القول في ملفات محلية عدة إن الأمر للجنرال، وتمسك الحريري بأن يكون الأمر في مختلف الملفات، وخصوصاً قانون الانتخابات وتشكيل الحكومة ورئاسة الجمهورية والتعيينات الإدارية، له وحده. يمكن لملف تعيينات المدراء في الجامعة اللبنانية أن يمر في مجلس الوزراء، ويمكن للموازنة أن تقر، ويمكن للحريري أن يوقع على قانون انتخابات... كل ذلك من دون موافقة جعجع. لكن لا يمكن لحزب الله التوقيع من دون موافقة عون. لا يدعم حزب الله العونيين لمناكفة القوات، فيما يدعم الحريريون القوات لمناكفة العونيين. ويمكن أي ناشط سياسي أن يقارن بين حصة مسيحيي 14 آذار ــ مجتمعين ــ الحكومية عام 2005، وحصتهم اليوم. يومها لم يكن هناك عون فلم يبالِ الحريريون بتمثيل حلفائهم، أما تعزيزهم تمثيل حلفائهم الوزاري اليوم فهدفه الوحيد محاصرة عون. فعلياً ذهب الحريريون إلى التحالف الرباعي عام 2005، وإلى سوريا عام 2009، ورحبوا بمسؤول لجنة الارتباط والتنسيق المركزية في حزب الله وفيق صفا في وزارة داخليتهم، من دون أن يضعوا حلفاءهم في الأجواء، فيما لم يخطُ حزب الله خطوة باتجاه المستقبل من دون إعلام حليفه العوني. لا بل تخلى الحزب عن «حكومته الحريرية» بناء على رغبة عون وإصراره.

ما سبق دفع القوات، بحسب أحد مسؤوليها، إلى الارتباط مباشرة مع أحد مراكز القوى السعودية بدل الاكتفاء بالتحالف مع «المستقبل». هكذا يمونون على الحريري عبر السعودية، لا عبر علاقتهما الشخصية أو السياسية. وبينت تجربة الاستحقاق الرئاسي العونية – الحريرية أن النائب البيروتي المهاجر سينسى حلفاءه بمجرد أن ينفتح عون عليه، فينتهي مبرر وجود القوات والكتائب والمسيحيين المستقلين بالنسبة إليه. خلافاً لحزب الله الذي لا يبالي بكل غزل القوات والنائب سامي الجميل به، ما لم يمروا بعون أولاً.

عملياً تبدو نتائج المقارنة واضحة في ملامح نواب كل من حزب الله وتيار المستقبل عندما يتحدثون عن حلفائهم. مقابل من يتحدثون بود ومحبة، هناك من يوحي باستعلاء ما بعده استعلاء. ثمة فريق سياسي يشعر بأنه أعطى حليفه كل ما لديه، وفريق سياسي يشعر أنه لا يفي حليفه كل حقه أياً كان ما يعطيه اياه.