ثمة انطباع سابق بات قناعة داخل البيئة المسيحية، بعد التمديد الثاني للمجلس النيابي، مفاده ان القوى المسيحية واقطابها في محوري 8 و14 آذار هم خارج معادلة القرار في البلاد، التي يتقاسمها كل من تيار المستقبل، من جهة والثنائي الشيعي من جهة مقابلة، دون غياب رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط عن المشاركة في محصلة الحلول وصياغتها، بحيث تمكن رغم تواضع حجم طائفته من ان يوجدها باستمرار على طاولة القرار بين المستقبل وبين الثنائي الشيعي.

اذ لا يغيب عن ذهن اوساط هذه البيئة، كيف ان التمديد النيابي الاول والثاني كان نتاج تفاهم لم تكن القوى المسيحية في صلبه، وكذلك التوافق على التمديد لقائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، ومنه الى التفاهم على تشكيل الحكومة الحالية، في حين ان «ثورة» الامن الغذائية يقدم عليها وزير الصحة وائل ابو فاعور... عدا عن ملف العسكريين المخطوفين وغيابها من محوري 8 و14 آذار... وصولا الى الحوار المستجد بين المستقبل و«حزب الله» الذي لا يعيقه الغياب المسيحي رغم خصوصية ونوعية هذا التحاور... وصولا الى حل قضية المياومين في شركة الكهرباء الذي كان نتاج تفاهم بين المستقبل وحركة «امل» وضمنا «حزب الله» واللقاء الديموقراطي، والتيار الوطني الحر، لكنه لم يشمل حزبي القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية اللذين كانا عقدا والتيار الوطني لقاء النعص في بكفيا على قاعدة رسم الحلول وفرضها على الاخرين...

وفي ظل هذا الواقع المسيحي المتردي غير المرتقب له ان يشهد تحسنا في ظل التفرد في الادارة لدى القوى هذه وتألق الشخصانية لديها في موازاة نمو الانانية والفشل الدائم، يدور الكلام عن ضرورة لقاء القطبين الاقوى في محوري 8 و14 اذار، اي مرشح قوى 8 آذار رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية مرشح قوى 14 اذار الدكتور سمير جعجع، والذي كان وجه بالامس دعوة «لمنافسه الرئاسي» من اجل التحاور للاتفاق على مرشح رئاسي...

هذا المطلب القواتي، لا تتجاهله الرابية، ووصل اليها عبر وسائل متعددة، لكن العماد عون يجد ان لا ضرورة للقاء الدكتور جعجع نظرا للاسباب التالية :

1-انها ليست المرة الاولى التي يظهر فيها جعجع حسب اوساط رفيعة محيطة بعون، غير قادر على المضي في تفاهمه مع التيار الوطني الحر، اذ في الماضي القريب زاره مرارا الوزير جبران باسيل موفدا من قبل رئيس التكتل ابان مناقشة اللقاء الارثوذكسي ثم تراجع امام ضغوطات حلفائه في المستقبل، وكذلك مؤخرا كان جعجع اعلن عن رفضه التمديد للمجلس النيابي ثم ايد التمديد لاحقا تماشيا مع طلب رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري الذي كان دفع بالقوات للموافقة على التمديد الاول.

2- اذا كان جعجع يريد ان يناقش مع عون التوافق على مرشح رئاسي توافقي، فان رئيس التيار الوطني غير معني بهذا الموضوع، لانه لا يزال مرشحا من موقعه وانه الاقوى، وكذلك لا يزال يحظى بدعم حلفائه في قوى 8 آذار، في حين اخرج الرئيس الحريري لمرشح قوى 14 اذار اي جعجع من هذا الاستحقاق بقوله انه لن يصل اي من الاقطاب الاربعة الى قصر بعبدا، في حين ان امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عزز موقع العماد عون بتبني ترشيحه الى رئاسة الجمهورية ورفضه النقاش في هذا الموضوع على حساب عون.

3- ان الظروف الدولية، والاقليمية لم تستثمر بعد في اتجاه لبنان سلبا او ايجابا، ولم يبرز حتـى حينه، على ما تقول الاوساط بدبلوماسية، اي اسم لاي مرشح يحظى بدعم دولي واقليمي على غرار العام 1988 لدى بروز نجم المرشح الرئاسي مخايل الضاهر، بما يعني ان العماد عون لا تبدو امامه الافاق مغلقة، لان التسوية الرئاسية اللبنانية نتيجة تفاهمات خارجية قد لا تبعده عن الحلبة الرئاسية التي يقف عليها كمرشح اقوى من سائر المرشحين وقادر على ان ينسج تفاهمات مع غير قوى ويتحاور مع الاخصام السياسيين وتجربة التواصل مع المستقبل، واضحة المعالم والنتائج الحكومية ... والاستقرار السياسي.

4- اذا كان طلب جعجع اللقاء مع عون لمناقشة قانون الانتخابات، فان خيار تكتل التغيير والاصلاح هو في دعم القانون الارثوذكسي، ولن يقتنع عون بأي طرح اخر لانه لن يؤمن المناصفة، في حين ان جعجع يتماهى مع المستقبل والاشتراكي في دعم قانون انتخابات لن يمر طالما التحالف الشيعي وتكتل التغيير والاصلاح لن يؤيداه.

وفي منطق الاوساط هذه أن امام جعجع فرصة لضمان استمراريته السياسية من خلال دعمه وصول عون الى رئاسة الجمهورية، لانه وفي ظل حجميهما لا تتوقف القوى الاسلامية امام رأيهما... ولذلك فان احتساب السنوات للعماد عون سيؤدي الى خسارة جعجع، لكون جانب مما يلقاه من دعم حالي من قبل الحلفاء والخارج، هو نتيجة مواجهته عون، لكن عند بقاء جعجع وحده على الساحة فلن تبقى المعادلة هذه قائمة من قبل الحلفاء لا بل ستنتفي وما بدأ يسمعه المقربون من عون من مآخذ لدى قيادة تيار المستقبل على جعجع، تجعل العماد عون في حالة قلق على مستقبل المسيحيين واستفرادهم لاحقاً...

من جهته يكتفي مصدر رفيع في القوات بالقول رداً على تحفظات عون تجاه جعجع ودعوته الى الحوار، ان سمير جعجع لا يزال مرشح قوى 14 اذار للمواجهة، وهو يطرح التسوية مع عون على اسم ثالث قبل ان يتلقف فريق اخر التسوية ويتفاهم المسلمون على رئيس للجمهورية.