لم تكن الغارات الإسرائيلية على ريف دمشق هي الأولى من نوعها. سبق وأن اعتدت إسرائيل على سوريا في الفترة القليلة الماضية في جمرايا الفاصلة بين العاصمة وريفها والقنيطرة الحدودية عدا عن مساعدة تل أبيب للمسلحين السوريين. تقارير مراقبي "الاندوف" ( قوات الأمم المتحدة) كشفت عن إتصالات مكثفة تجري بين الإسرائيليين والتنظيمات السورية المعارضة. حجم التواصل يدلّ على تدخل إسرائيلي دائم لمصلحة المسلحين في سوريا. أساساً المجموعات المسلحة حاولت منذ أيام استهداف مراكز عسكرية في منطقة الديماس التي ضربتها الطائرات الإسرائيلية الأحد، ولم تحقق أهدافها. ما استهدفته الطائرات ال​اسرائيل​ية مراكز عسكرية داخل مطارين صغيرين أحدهما في الديماس حيث يقع ضمن مساحة انتشار الفرقة الرابعة وهي الأبرز في الجيش السوري، والثاني يصنف أيضًا مطاراً عسكريا يشكّل امتدادًا لمطار دمشق. لكنّ المعلومات تحدّثت عن إصابة عنابر لا تحوي كميات كبيرة من الأسلحة، بدليل عدم حصول تفجيرات ضخمة.

فهل يقتصر الدور الإسرائيلي وتنفيذ الغارات على خدمة المسلحين فقط؟

لا يمكن أن تتمّ الخطوة الإسرائيلية من دون موافقة أميركية، خصوصاً في هذه المرحلة، ما يعني أنّ الهدف أكبر من مجرد استهداف نقطة عسكرية سورية أو خدمة مسلحين، ولا الإدعاء بضرب أسلحة لـ"حزب الله".

بدا أنّ الخطوة تستهدف أولا الروس والإيرانيين. هي ردّ على التصلب الروسي إزاء النظام السوري، وخصوصًا بعد كلام الرئيس فلاديمير بوتين من تركيا وجولة موفده ميخائيل بوغدانوف في الشرق الاوسط وطرح لمّ شمل السوريين برعاية موسكو.

وتستهدف الغارات بشكل أساسي الهيبتين الروسية والإيرانية في ما خصّ السلاح الذي تزوَّد به سوريا. فأيّ سمعةٍ لهذا السلاح الصاروخي الدفاعي نتيجة عدم منعه الغارات أو كشفه الطائرات لضربها؟! وماذا عن الدفاعات الردعية لصواريخ فاتح 110 الإيرانية الموجودة مع الجيش السوري و"حزب الله"؟ هذا ما أراد قوله الغرب عبر إسرائيل.

الغارات الإسرائيليّة نُفذت في توقيت مؤشر بعد سلسلة محطات هجومية للمسلحين على الجيش السوري في مختلف المحافظات: جاءت الإسرائيلية بعد فشل "داعش" في معركة مطار دير الزور شرق سوريا واستعادة الجيش لزمام المبادرة نحو الشمال، وبالتوازي مع التقدم الذي حققه الجيش السوري جنوباً وفشل عمليات المسلحين في درعا وتخبط المسلحين في حلب ولجوئهم الى التفجيرات كسبيل لإستعادة المعنويات.

كان الجيش السوري يعدّ لحملة عسكرية ضخمة تركّز أساساً على حلب بعد توسيع السيطرة وعودة النشاط الى المدينة الصناعية برعاية الحكومة السورية، ما يعني أنّ الكفة الميدانية تميل بشكل واضح إلى جانب الجيش السوري، في زمن الإعداد الروسي-السوري للحوار برعاية موسكو.

لا يمكن إبعاد ما يجري داخل تل أبيب عن غاية العدوان، نتيجة السخونة السياسية الإسرائيلية بعد الأزمة الحكومية، وسعي الاحزاب الثلاثة الفاعلة الى عقد اتفاقات لتأليف قائمة واحدة قبل الانتخابات أو بعدها من أجل تقليص فرص بنيامين نتانياهو في تأليف حكومة جديدة. أساساً تاريخ الإسرائيليين يؤكد بأن اللجوء للتأزيم العسكري هو سبيل في خدمة الحكومة. في حال عدم إيجاد أزمات وحروب تسقط الحكومات، بينما يشتد عودها في الحروب والأزمات الإقليمية. فهل أراد نتانياهو أيضاً إستيلاد تأزيم عسكري وجرّ "حزب الله" الى ردة فعل ؟

أهداف عدة لا تلغي حقيقة أن الإصطفافات الدولية هي التي تتحكم باللعبة في المنطقة وخصوصا في الساحة السورية.

الحرب بين الروس والغربيين قديمة وراسخة. موسكو مستهدفة في العدوان الذي حصل ضد سوريا بيدٍ إسرائيلية. إبحثوا عن رسائل الأميركيين. وكأن المطلوب أن تصل الرسالة المبنية على معادلة: ممنوع تغيير موازين القوى في سوريا من دون موافقة أميركية لم تحن بعد.