طغى الاعلان القطري عن وقف الوساطة مع إرهابيي "​جبهة النصرة​" في جرود عرسال لاطلاق سراح العسكريين المخطوفين على الاهتمامات الرسمية الشعبية، باعتباره أسّس إلى تعرية الاداء الحكومي على مستوى الملف برمته، في وقتٍ نجح الجميع في تنفيذ أجنداتهم الخاصة ما عدا الحكومة اللبنانية التي ضحّت بعسكرييها الواحد تلو الاخر من دون أن تغيّر من مستوى الاداء الذي يراوح بين التخبّط من جهة والخلافات الوزارية من جهة ثانية، في ظلّ مفارقاتٍ مشهودة منعت الحكومة من استخدام أوراق القوة التي تمتلكها، بل على العكس التفريط بها على غرار إطلاق سراح السيدة القطرية وأحد القطريين المتهمين بنقل الاموال إلى "النصرة" في جرود عرسال من دون أثمان حتى لو كانت بسيطة مثل وقف ذبح العسكريين وإعدامهم على مرأى ومسمع الحكومة العاجزة، أو حتى الحصول على ضمانات من الدولة القطرية بعدم تخليها عن الملف بعد تحقيق أهدافها وإطلاق سراح مواطنيها من السجون السورية، بعد تدخل من الوسيط اللبناني الذي نجح إلى حدّ ما باعادة تكوين الملف، تمهيدًا لنقله إلى مرحلة ثانية قد تكون اكثر انسجاما مع الواقع لاسيما أنّ سحب الوساطة القطرية جاء بعد سلسلة من التدابير الامنية والاحترازية نفذها الجيش اللبناني في الجرود والمعابر التي تصلها من عرسال.

ما يعزّز هذا التوجه هو الحراك الميداني المستمر منذ إعدام الشهيد علي البزال، بحيث تقوم مدفعية الجيش اللبناني بشن هجمات وقائية تطاول تجمعات المسلحين، وتحد من حركتهم القتالية في مشهد يؤكد أنّ المعركة باتت حاصلة بمعزل عن نجاح المفاوضات او فشلها، ما دفع بمسؤولين محليين إلى الاعتبار بأنّ عدم قدرة الحكومة اللبنانية على مواجهة الارهاب المتمثل بالضغط على أهالي العسكريين واللعب على التناقضات الطائفية والمذهبية لمكونات هذا الملف ليس وليد الصدفة ولا المنشأ، بل هو قائم على سلسلة من المواقف النابعة من محاباة الخارج على حساب الداخل خصوصًا أنّ الملف المذكور يراوح مكانه بل ويشهد المزيد من التراجع منذ آب الماضي، أي منذ أربعة أشهر، وهي مدة قياسية لمراوحة ملف من هذا النوع ودورانه في حلقة مفرغة وعدم مغادرة المربع الاول.

في هذا السياق، يكشف مصدر محلي عن سلسلة من الاجراءات ينفذها بدوره "حزب الله"، بعد أن نفذ الارهابيون كمينا ناجحًا في جرود رأس بعلبك ما عزّز الخشية، وأكد المخاوف من اعتماد "النصرة" لسياسة القضم الممنهج وتحويل المعركة إلى حرب استنزاف، تارة عبر الضغط من خلال ملف المخطوفين والتلويح بقتلهم كلما دعت الحاجة الى ذلك لفرملة خطط الجيش، لتضييق الحصار التمويني عليهم وطورا من خلال تنفيذ كمائن محكمة تساعد على النيل من معنويات الوحدات المقاتلة في الجرد، ودفعهم الى التفكير بكل ما من شأنه استغلال نقاط الضعف الحكومية المتمثلة اولا واخيرا بعدم التوافق الكامل على كيفية معالجة ملفات الارهاب، والتخبط الناشئ عن استحالة التوفيق بين الاجندات الخارجية والمصالح الوطنية العليا، في ظل فراغ سياسي وغياب القرار بصورة عامة وتلهّي المسؤولين بمماحكات تصل الى حد الاستقالة من معالجة الملفات الشائكة والضاغطة، وابرزها ملف العسكريين الرهائن مع الاشارة الى ان نشوء الملف من اساسه يحمل اكثر من علامة استفهام، لاسيما ان الحكومة لم تعمد الى خطة ثانية او ثالثة تأخذ بالاعتبار دورها هي المستند الى اوراق القوة التي تمتلكها، واهمهما الدعم السياسي الاقليمي والشعبي المحلي لمعالجة مثل هذه الملفات التي تعني السلم الاهلي اولا والمؤسسة العسكرية التي تحتاج الى غطاء سياسي كامل ثانيا، وسط ما يشاع عن سرية المفاوضات وعدم الافصاح عما يجري في الكواليس، مع الاشارة الى ان هذه السرية لم تؤد حتى الان سوى الى المزيد من الدماء والمزيد من العجز عن تحمّل المسؤولية بالرغم من الموجة الشعبية المؤيدة لكل ما من شأنه المحافظة على كيان المؤسسات الامنية ومعنوياتها بعيدا عن كل ما قيل من هنا ويقال من هناك.