«خلية الأزمة» في ملف العسكريين المخطوفين في جرود عرسال مأزومة. هذا ما عبّر عنه الرئيس نبيه برّي حين قال إن «المشكلة في قضية العسكريين المخطوفين هي في أزمة الخلية»، علماً أن مصادره تتحدّث عن أنه «ردّ على النائب وليد جنبلاط، الذي يحاول الإيحاء بأنه على اتفاق كامل مع الرئيس برّي حول كيفية إدارة الأزمة». لا الأشهر الأربعة التي استهلكتها الخلية للمعالجة أنتجت حلاً، ولا الطرق التي سلكتها أوصلتها إلى الخاتمة المطلوبة. وبرغم المسافة الفاصلة بين السرايا الحكومية والجرود، تبدو سكّين الارهابيين أقرب إلى رقبة الحكومة منها إلى رقاب العسكريين.

ارباك وسجالات وتباينات بين أعضاء الخلية، الى درجة أن هؤلاء أنفسهم باتوا مقتنعين بأن «استمرارها في الشكل الذي هي عليه لم يعُد مفيداً. ولتتسلّم الأجهزة الأمنية وحدها المسؤولية»، على ما يقول أحد هؤلاء الأعضاء في ما يشبه نعياً لعملها. منذ الاجتماع الأخير الذي عقدته الخلية، السبت الماضي، يتكتّم أعضاؤها عن مضمون الجلسة. يكتفون بالقول إن «هناك قرارات اتخذت وإجراءات ستنفذ»، لكن أحد أعضاء الخلية أكد لـ «الأخبار» أنها كانت «جلسة إثبات العجز عن إدارة الأزمة بالشكل المطلوب. فالمناخ السياسي الذي شابها لم تشهد له مثيلاً في الجلسات السابقة، ولا سيما أنها أتت بعد توقيف سجى الدليمي وعلا جركس، وقتل العسكري علي البزّال».

ويوضح المصدر أن «شدّ الحبال لم يتوقف، في أي جلسة، بين من يدعون الى عدم التراخي مع الجماعات الإرهابية لئلا يقع المحظور الأمني عند البعض، واندفاع البعض الآخر نحو التهدئة والتعامل بإيجابية مع النصرة وداعش بذرائع غير مبرّرة». وتلفت، مثلاً، الى مواقف الوزير وائل أبو فاعور الذي «يتغطّى به» الوزيران أشرف ريفي ونهاد المشنوق لرفض اعتماد إجراءات متشدّدة، كما حصل عندما عُرض اقتراح بتجريد الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية من الامتيازات التي يتمّتعون بها، أو على الأقل دفعهم للحصول عليها مقابل ثمن. وسجن رومية ليس تفصيلاً صغيراً في الخلاف بين أعضاء الخلية، إلا أن هناك ما هو أكثر أهمية منه. فخلال مناقشة الإجراءات الواجب اتخاذها، «كان لافتاً الاختلاف حول الجهة المخوّلة إدارة العملية، إذ إن هناك من لا يريد أن تتسلّم الأجهزة الأمنية، ولا اللواء عباس ابراهيم التنسيق، ولا يزال مقتنعاً بأن هيئة العلماء المسلمين يمكن أن تكون جزءاً من الحلّ».

وتلفت المصادر الى أن الخلاف لا يقتصر على طريقة معالجة هذا الملف، بل «على استجلاب بعضهم، كالوزير ريفي، ملفّات قديمة لا علاقة لها بالقضية التي أُنشئت الخلية لأجلها». وتوضح أن ريفي، بعد توقيف الدليمي وجركس، «شنّ، في حضور العماد جان قهوجي والعميد إدمون فاضل، هجوماً على المحكمة العسكرية، متهماً إياها بالمحاباة، بعدما رفض قهوجي الكلام الذي صدر في الإعلام ضد خطوة توقيفها. وتعمّد ريفي فتح ملف الطيار الشهيد سامر حنّا في سياق هجومه على المحكمة العسكرية، متهماً إياها بالارتهان والازدواجية، ما أدى إلى مشادة كلامية بينه وبين قهوجي»، كما أن وزير العدل «طالب بإطلاق الموقوفتين، باعتبار أن توقيف النساء نقطة ضعف لا إنجاز، محذّراً من أننا سنندم على هذه الخطوة، وقد نشهد عمليات خطف بحق أطفال»!

وعن مصير الدليمي وجركس بعد اللغط الذي ساد أخيراً حول توقيفهما، رأى عضو في اللجنة أن «نقل جركس إلى عهدة الأمن العام خطوة جيدة، وليست مخالفة للقانون، لأنه لا تهمة جزائية صدرت بحقّها باستثناء إقامتها غير المستوفية للشروط، على عكس الدليمي، التي لا يمكن لأحد المطالبة بإطلاقها»، مؤكدّاً أن «كل الكلام عن عدم تورّطها غير صحيح. بل ثبت أنها كانت تنسّق بين مجموعات إرهابية، وتولّت نقل أموال إلى أشخاص وجهات متورّطة».

الإيجابية الوحيدة التي تسجّل للخلية، بحسب مطلعين على ما يدور في اجتماعاتها «أن موقف الرئيس تمام سلام أصبح أكثر ميلاً إلى التشدّد ضد الجهات الإرهابية». علماً أنه يقف في الوسط بين من يرجم الحكومة ووساطتها، ومن يدعوه للضرب بيد من حديد مهما تكن العواقب، و«نكث القطريين بوعودهم» و«التهديد بتصفية العسكريين جميعاً»، فيما يصرّ البعض داخل الخلية على عدم تجاوز اعتباراته الطائفية ما يجعلها أقرب إلى «جوقة زجل».