لم تعد المسافة بعيدة بين بكفيا ومرجعيون. نائب حزب الله في مرجعيون وحاصبيا علي فياض لم يعد ضيفاً غريباً في دارة آل الجميّل. حجارة الحي العتيق المرصوص بدءاً من عام 1560 والمطل على جبل صنين وسيدة حاريصا وبحر جونية، باتت تألف أحاديث المقاومة. منذ أشهر، يلبّي فياض دعوات سيد الدار الرئيس أمين الجميّل، وآخرها قبل أسبوعين. ممثل الحزب في الحوار الذي انطلق مع الكتائب، دخل إلى مكنونات الدار الغريبة عن كثير من الجنوبيين. استعرض شجرة الميلاد المزيّنة بصور الوزير بيار الجميل الذي اغتيل قبل ثماني سنوات. الحفيد الذي كان سيرث الدار لكونه النجل البكر لأمين، بحسب ما تقتضي أعراف العائلة، ورثت صورته كل الزوايا. البيانو الذي يعزف عليه والده تعلوه صورة في إحدى جلسات حوار بعبدا، تجمعه مع نجله والنائب أنطوان غانم اللذين اغتيلا في أوقات متقاربة.

أدخل الجميل، خصمه السابق، إلى خلوته التي بات يقضي فيها وقتاً أطول من بيروت والصيفي. ليس بسبب حاجته إلى مرافقة طيف نجله في بكفيا فحسب، بل قبولاً بالنصائح التي وصلته من مرجعيات أمنية بوجوب التزام الحذر لأنه لا يزال ونجله الثاني سامي على قائمة الاغتيالات.

فياض وحزبه تآلفا مع بكفيا. فهل آن دور بكفيا لتعيد تآلفها جنوباً؟ قبل اندلاع الحرب الأهلية، كانت الطريق أسهل بالنسبة إلى المحامي أمين الذي كان يتابع ملفات قضائية في محكمة مرجعيون ويزور أعضاءً ومناصرين في حزب الكتائب في المنطقة. في ذهنه، لا يزال الشيخ أمين يحفظ خريطة مرجعيون. لكن من أين يدخل في الجنوب الذي عبر إليه آخر مرة إلى صيدا مع الرئيس رشيد كرامي بعد تحريرها من الإحتلال الإسرائيلي؟ لا تكفي الذكريات عن القاعدة الشعبية التي حظي بها الكتائب في بعض القرى الشيعية، وأن أول بيت افتتح في بلدة المروانية (قضاء الزهراني)، وأن محمود الطراف من النبطية كان من أوائل الكتائبيين الذين سقطوا في ثورة عام 1958.

تسع سنوات احتاجت إليها بكفيا لكي تدرك السبل إلى الجنوب. في عام 2005، طرح للمرة الأولى اقتراح قيام الجميّل بزيارة للمنطقة. لكن مواقف الأخير ودوره في قوى 14 آذار، جعلت منه ضيفاً غير مرغوب فيه في عرين حزب الله وحركة أمل. المواعيد المتكررة التي ضربت لاحقاً، أرجأتها تشنجات سياسية وأحداث أمنية، منها اغتيال الوزير الجميّل، إلى أن جاءت رئاسة الجمهورية و»داعش» و»النصرة» لتقرّب المسافات مجدداً. الزيارات الكتائبية للضاحية بعد التفجيرات الإرهابية وتطور مواقف الكتائب وتمايزها عن قوى 14 آذار في الأشهر الأخيرة، ومنها ما دعا إلى تنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري أو إلى قيادة حزب الله التفاوض لتحرير العسكريين أو الانفتاح على الحوار مع الحزب. تلك أسباب تمهيدية ليس لفتح باب الجنوب واسعاً أمام الجميّل، بل لجعله ضيفاً مرحّباً به.

سكون دار بكفيا ساعد الشيخ أمين على متابعة تفاصيل زيارته الجنوبية المرتقبة غداً السبت. يبدي اهتماماً بكل شاردة وواردة واستمزاج الانطباعات حولها. يتّكئ على التوطئة التي خطّها وزير الشؤون الاجتماعية السابق سليم الصايغ الذي كثف من خدماته في القرى الشيعية والدرزية، واصطحب فياض إلى جولة شعبية في عين إبل والقليعة وراشيا الفخار... يحرص على عدم استثناء أحد من فاعليات مرجعيون وحاصبيا في زيارته. يريد افتتاح الزيارة بمشايخ الدروز في خلوات البياضة لتبديد الذكرى التي يحتفظ بها البعض عن حرب الجبل. اتصل بالنائبين وليد جنبلاط وطلال أرسلان لوضعهما في أجواء الزيارة. التنسيق دائم مع صديقه الرئيس نبيه بري الذي أوعز إلى وزير المال النائب علي حسن خليل بأن «يعمل الواجب معه». خليل دعا إلى غداء على شرف الجميّل في دارته في الخيام، تجمع فاعليات المنطقة على اختلافها. فياض مجدداً لن يحضر في الغداء فحسب، بل سيشارك في إعادة افتتاح بيت الكتائب في مرجعيون بعد إقفاله منذ عام 1978. وبين الخلوات والخيام، سيلتقي فاعليات البلدات المسيحية في القليعة وكوكبا. فهل يحسم تساؤلات البعض عن مصير اللبنانيين الذين فرّوا إلى إسرائيل والخطر الوجودي من «داعش» و»النصرة» والدعوات إلى التسلح والأمن الذاتي؟ على الملأ، يلتزم خريج اليسوعية بالحذر حيال الحديث عن قيام كتائبيين بحراسة قراهم واستعدادهم لمقاتلة التكفيريين ولو في صفوف حزب الله. يقول إنه ملسوع من انخراطه في الأمن الذاتي والحركات الميليشيوية في الحرب الأهلية. لا يريد تكرار التجربة، بل دعم الجيش.

يريد الشيخ أمين أن يبقي أثراً لزيارته الجنوبية. يصطحب معه وزراء الكتائب في الحكومة ليستمعوا معه إلى حاجات المنطقة والمطالب الإنمائية. يسعى لتضافر جهوده مع مساعي أمل والحزب ومجلس الجنوب. «العمل على خلق وظائف ومقومات بقاء ليبقى الجنوبيون في أرضهم، يشكل أكبر تحدّ لإسرائيل» يقول. حتى إن زيارته التي وعد بتكرارها هي «مقاومة لإسرائيل أيضاً».