لم تشهد العلاقة بين الأقطاب الموارنة وسيد ​بكركي​، البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي منذ توليه منصبه، "فتورا" كالذي تشهده اليوم. فالزيارات الأخيرة التي قام بها عدد من الاقطاب الى البطريركية قبل نحو أسبوع اتسمت بالتشنّج، فيما فضّل رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ عدم اتمام اي لقاء مع الراعي تفاديا للاحراج ولايصال رسالة حاسمة له بأنّه يفضل الابقاء على مسافة بينهما للتعبير عن انزعاجه.

وما ينزعج القواتيون منه هو معاملتهم من قبل الراعي كمعطّلين للاستحقاق الرئاسي ووضعهم في كفة واحدة مع العونيين، وهو ما يعبّر عنه مصدر قواتي، متسائلا: "كيف يُعامَل القاتل كما المقتول والظالم كما المظلوم؟"

وفي هذا السياق، يُطالب حزب "القوات" اليوم ولعودة العلاقة مع بكركي الى طبيعتها البطريرك الراعي باصدار موقف يشير من خلاله الى المعطّل الرئيسي للاستحقاق على أن يرفقه بتفاصيل وتوضيحات للرأي العام المسيحي.

الانزعاج القواتي يقابله انزعاج عوني أكبر من الراعي الذي بنظرهم كان يجب أن يكون أول متبنٍّ لترشيح رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون للرئاسة، كونه الزعيم المسيحي الأول وصاحب أكبر كتلة نيابية مسيحية. وتقول مصادر "التيّار الوطنيّ الحرّ" في هذا الاطار: "ألا يُفترض بالبطريركية المارونية أن تسعى لرئيس قوي قادر على استعادة الدور المسيحي؟ واي منطق يقول بدعوتها لانتخاب رئيس كيفما كان شرط انهاء الشغور في سدة الرئاسة؟"

ويحول "ايعاز فاتيكاني" دون تدهور العلاقة أكثر بين الاقطاب ومرجعيتهم، فقد طُلب من الراعي محاولة رأب الصدع، رافقه تمنٍّ على القيادات المسيحية بالابقاء على بكركي مرجعيتهم وتفادي الدخول في أي سجال معها من اي نوع كان، باعتبار أنّه لا يمكن قطع شعرة معاوية بينهم أيا كانت الأسباب.

ما دفَع بالعونيين والقواتيين على حد سواء لتفادي اعلان القطيعة او الانزعاج صراحة وعبر وسائل الاعلام، لكنّهم لا يترددون عن التعبير عن احتقانهما في مجالسهم الخاصة، في وقت تقف بكركي حائرة باعتبارها اذا سعت لارضاء الأول ستغضب الآخر، راضية لنفسها بذلك دور المتلقّي لاقتناعها بأن الاستحقاق الرئاسي خرج من اطاره اللبناني وبالتالي لا دور اساسي تلعبه في زحمة الأدوار الخارجية.

مقربون من البطريركية والفاتيكان باتوا على اقتناع بأن الأزمة الرئاسية شارفت على الانتهاء، هم يتحدثون عن قرار اقليمي دولي كبير، أميركي–فرنسي-سوري–ايراني–سعودي بوضع حد لشغور سدة الرئاسة، مرجحين أن يكون جعجع ذهب الى المملكة للتوافق مع المعنيين هناك ومن ضمنهم زعيم تيار "المستقبل" سعد الحريري، على عرض يحمله الى عون يتضمن عددا من الأسماء المرشحة ومخرجا لائقا، يتوقع أن يتوجه بها مباشرة الى الرابية.

أما الخوض بالاسماء فينتهي لاستبعاد اي مرشح يتطلب انتخابه تعديلا دستوريا وبالتحديد حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش، لترتفع حظوظ الوزير السابق جان عبيد على ما عداه من مرشحين.

ويؤكد المقربون من بكركي أنّها تفضل عدم الانحياز الى أي من المرشحين، وأن كل ما يهمها الا يبقى الكرسي الرئاسي المسيحي الوحيد في المنطقة من دون رئيس، قائلين: "لا فارق لدى البطريركية اذا كان عون الرئيس المقبل او جعجع أو فرنجية أو غيرهم من التوافقيين... وما تقوله بصوت عال تتحدّث عنه بصوت خافت... أيا كان الرئيس الذي سيُنتخب وفق آليات الدستور المعتمدة ستبارك له وتقول له نحن لكم ومعكم".

في النهاية، هل أصبحت صورة الانتخابات الرئاسيّة أكثر جلاء مع تمسّك الأطراف اللبنانيين بأهداب الخارج وفرض معادلات داخليّة بعيدة كل البعدة عن المصلح اللبنانية؟!